الدولة المصرية في مواجهة شعب يحترف التأخير!

كورونا خطر داهم يتعامل المصريون معه باستخفاف يعكس أزمة المعرفة والسلوك.

لم تعد الجملة الشهيرة في التاريخ العربي والتي تقول "لا يفتى ومالك في المدينة" جديرة بالأخذ بها في أيام مصر الآنية، هذه هي العبارة التي أردت أن أبدا بها هذه السطور، فليس شرطاً أن تكون كيميائيا أو طبيبا متخصصا أو حتى عرافا من أواسط أفريقيا الضاربة في الجهل والشعوذة أو منضماً لحركة إنقاذ البشرية من فيروس كورونا الجائح أو أي حزب ورقي لا وجود له على المشهد السياسي لكي تكون وطنياً، لكن شرطا قويا أن ترى وتسمع وتشاهد كل الإحداثيات الفوضوية في كل ملمح من ملامح وجه مصر المحروسة رغم النداءات المتكررة والمكرورة من مجلس الوزراء ووزيرة الصحة المتميزة والأكثر وطنية بالفعل الدكتورة هالة زايد، وكافة وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة بهدف البقاء لأطول فترة ممكنة بالمنزل تقليلا للإصابة بفيروس كورونا الخفي، ولغدٍ قد لا يكون حلواً كما شدت بذلك كوكب الشرق ولا لحاضر هو أحلى لأنه مشوه بالاختلاف واحتراف التأخر عن تلبية النداءات التي ينبغي الأخذ بها، فإن ثمة إجراءات وقائية احترازية يجب أن تتخذ بصورة أكثر صرامة وسط حالات من عدم الالتزام بالتعليمات والنصائح، فقط لأننا شعب يحترف التأخير ويستفيق على كارثة!

نعم لقد أقرت الحكومة بعض الإجراءات الوقائية والإدارية التي تحفظ سلامة وصحة المواطن المصري، لكن على المستوى الشعبي وفي بعض مناطق المحروسة يأبى المواطن أن ينأى بنفسه وبأسرته بل وبوطنه عن الوقوع طواعية في شَرك الفيروس الفتاك، لأننا بحق وبغير ادعاء نعاني من الجهل والأمية الصحية منذ سنوات بعيدة، وكم كنت أتعجب بل وأضحك طويلا حينما كنت أسمع كثيرا عن ضرورة التحول الرقمي وأهمية التسارع التكنولوجي لاسيما وأن الاقتصاد المصري في طريقه الحتمي للتعافي، لأسباب متعددة؛ منها أنني أدير ملف محو الأمية وتعليم الكبار بجامعة المنيا بصعيد مصر وأرى وأشاهد بل وأعلم بالبيانات والأرقام حجم الكارثة المعرفية التي تعاني منها مصر.

 وهذا ما تحقق بالفعل على أرض الواقع، فهؤلاء الذين كانوا يتندرون من أننا نقوم بمحو أمية المواطنين الأبجدية والمعرفية وهم ينادون من أبراجهم العالية والعاجية بضرورة محو الأمية الرقمية والتكنولوجية باتوا اليوم في خجل شديد وهم يشاهدون هذا العبث البشري بالأرواح وهم يتزاحمون بغير اكتراث لكافة نداءات وصيحات الحكومة المصرية بضرورة الابتعاد عن التجمعات البشرية.

 ومن إحداثيات الكارثة الاجتماعية المتزامنة مع جموح فيروس كورونا، أننا نجد مواطناً يقول وهو غير مبالٍ ولا مكترث لخطورة الموقف الراهن إن الوطن بعافية وخير وصحة وسعادة وبمجرد الانتهاء من الإجازة الاضطرارية ستصبح الأمور بخير. وكأنه وجهله سواء على موعد بين توقيت الإجازة الإدارية للموظفين بقطاعات الدولة وانحسار الفيروس لذا نجده وغيره يمارسون فوضى النزول للشوارع وهم يعرضون وطنا بأكمله لحافة الهاوية المرتقبة.

ويأتي آخر فيسأله نفس السؤال ليقول له لن ينصلح حال الوطن وانحسار الفيروس في زحفه، بل في طيرانه لأنه بالفعل يتسارع في حركته المتحفزة للفتك ببني البشر، إلا إذا عاد للدين وللشريعة، فيباغته المواطن البسيط وهل أصبحنا كفاراً ومن مشركي قريش في عهد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم)؟ حتى يردف المجيب متابعاً بأن المدنية التي يريدونها ضلال وشرك كبير، ولا سبيل للنجاة إلى بتطبيق أحكام الشريعة كاملة دونما تحريف أو نقصان وهذا سبب البلاء والوباء الذي نحياه!

وهكذا كلما مر المواطن البسيط بأحد المارين سواء من خبراء الإفتاء بغير علم، أو أولئك الذين يجيدون تفصيل الواقع والمستقبل أيضاً وهؤلاء بالفعل بدأوا في البزوغ مجدداً على ساحة المشهد الإعلامي والمجتمعي بتصريحاتهم التي تبدو مستفزة وتثير احتقان الغاضبين وكأنهم يدفعونهم دفعاً للانتظار قيام الساعة التي علمها بيد الله وحده.

إن مشكلة مصر اليوم بجانب مشكلاتها الاقتصادية العصية على الحل والاجتماعية الضاربة في الفوضى، والحزبية التي لا تعرف محطة للوصول سوى حفلات توزيع البطاطين والتجارة أو الاتجار بمطامح البسطاء والفقراء، أو ما يمارسه الفيسبوكيون الموتورون من تهكم مبتذل بصورة يومية هي مشكلة عدم التعاون الصادق مع الدولة المصرية، فالدولة المصرية اليوم بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي والأجهزة المعنية بمواجهة الأزمة من الجيش والصحة والشرطة والتعليم تقوم بمحاولات جاهدة ليل نهار بغير توقف لمحاصرة الفيروس والتأكد من عدم انتشاره وزحفه، سواء كانت هذه الجهود من إجراءات وقائية وتيسيرات إدارية وأخرى تنظيمية في كافة مرافق العمل، لكن بعض المواطنين في غفلة من هذه الجهود وتلك التحركات التي ينبغي أن نشيد بها.

وربما كثرة مشاهدة المواطنين للتلفاز وتعدد القنوات الفضائية أتاحت للمرء فرصة المحاكاة العمياء، فمرة يتمثل المواطن شخصية الثوري الثائر ويظن أنه كان صديقا لفيروس كورونا، بل قد يدعي بأنه تعرض للإصابة من الفيروس أثناء ملازمته له، وتارة ثانية يرتدي ثوب القاضي والمحامي وفريق النيابة أيضاً فنجده يصدر أحكاماً على شخصيات سياسية وطبية بالدولة ويدين هذا ويبرئ ذمة ذاك بغير براهين قانونية لأن ثقافته بفضل الأمية التي نحاربها منذ سنوات بعيدة جعلته كائناً عدمياً مهمشاً لا يفطن ولا يدرك كنهه.

ومنذ سنوات ليست بالبعيدة كاد علم إدارة الأزمات أن يصبح العلم الأكثر استجداءً للفترات الانتقالية التي تمر بها الدول في فترات الضبابية وانعدام الرؤى وليست الرؤية فقط، لكن في مصر وبفضل تكريس ثقافات نوعية ارتبطت بالأنظمة والتركيبة الاجتماعية العجيبة التي أبرزت أنماطا مشوهة من الفنانين والمطربين ورجال الأدب والفكر أكثر مما ارتبطت بحضارات مصر العريقة وجدنا أن في مصر أزمة في استيعاب فكر وسياسات الإدارة الرسمية للبلاد، وليت رئاسة مجلس الوزراء تجري دراسة مسحية لنكتشف حجم الأزمة التي تصيب كبد التركيبة الاجتماعية في مصر وقت الأزمات.

أما المشهد الذي لا ينبغي غض الطرف عنه في مصر هذه الأيام الراهنة، هو ما يقوم به الأطباء المصريون ملائكة الإنسانية في كافة بقاع مصر المحروسة، هؤلاء هم بحق جيش مصر الأبيض الوفي والنقي والأكثر إخلاصا للوطن، ففي الوقت الذي نتسارع فيه عبر شبكات التواصل الاجتماعي الإلكتروني لنبرز سخافاتنا وضحالتنا الثقافية والحياتية، ونقوم بإطلاق العنان لكل ما هو سخيف وبذئ من قول وفعل تجاه مواجهة الدولة لفيروس كورونا، هناك ملائكة يجلسون بالمستشفيات يقومون بأغلى وأسمى وأفضل بل وأعظم مهمة عرفتها الإنسانية في مصر، وهي معالجة الذين أصيبوا بفيروس كورونا وإجراء آلاف الفحوصات الطبية للمشتبه بإصابتهم.

وختاما، باتت السطور على نهايتها وكل ما أريد خطَّه ثمة كلمات حاسمة في وقت لا يمكننا أن نحترف التأخير في التحرك لمواجهة خطر قائم، فأنا أقسم غير حانث بأن خلاف الرأي بيننا يفسد كل قضايا الود، ويستحيل أن نتمكن من إجادة الأداء في لعبة لم يشركنا أحد في وضع قوانينها.