الرواية الجديدة تجمع بين البوح وفنون سردية

السيد نجم يستخدم في روايته "حكايات طرح النيل" أكثر من فن سردي، لينتج رواية لافتة يمكن للقارئ أن يقرأها كمتوالية حكائية.
الكاتب مهموم بالإنسان المصري وبيئته الثرية بثقافة إنسانية متراكمة
الكاتب ترك للقارئ حرية تخيل مصائر بعض شخصياته. وكأنه بذلك أراد مشاركته في خلق مسارات متخيلة لأحداث بسياقات لم يكتبها

رواية للسيد نجم يستخدم فيها أكثر من فن سردي، لينتج رواية لافتة. فيمكن للقارئ أن يقرأها متوالية حكائية. برز في كل قصة تلك البداية المشوقة إلى العقدة والنهاية المدهشة. رسم أشخاصا يجمعهم زمن واحد وحيز من الأمكنة. وكل حكاية يمكن أن تكون قصة قائمة بحد ذاتها، وفي الوقت ذاته متصلة بما سبقها وما يليها مكونة وحدة عضوية لرواية مكتملة. وبذلك ندرك مقدار الجهد الذي بذله الكاتب في إخراج هذا العمل المختلف فنيا. 
الرواية تتكون من عشرة فصول. لكل فصل عنوان رئيس مثل "حكايات ساعات ليلة طويلة"، و"حكايات قبل العصر"، و"حكايات بعد الفجر"، و"حكاية قبل الظهر"... الخ. تلك العناوين المرتبطة بجزيئات اليوم مثل الظهيرة، قبل العصر، بعد العصر، قبل المغرب، بعد المغرب، وحكاية الليلة الأخيرة. وقد قسم الكاتب كل فصل إلى عدة حكايات بعناوين مستقلة، يطول رصدها، لتتناثر حكايات شخصيات الرواية وتتداخل في نسيج مبهر. 
بذلك الأسلوب المتميز؛ استخدم الكاتب ما يشابه فن الرسم بقطع الموزاييك، ليقدم لنا لوحة هائلة فسيفسائية مدهشة لمجتمع ديناميكي يتغير في لحظة.

كثيرا ما نزور مصر ونجول في شرايين أسواق وحواري مدنها، ونظن بأنا تعرفنا إلى جوهرها، لكننا ندرك حين نقرأ لأدباء مصريين نجد أن تلك الأعمال من تقودنا إلى جوهر هذا الشعب العريق

وكما هو الكاتب في أعماله السابقة، يبدو مهموما بالإنسان المصري وبيئته الثرية بثقافة إنسانية متراكمة. نجده في هذا العمل يتجاوز ما سبقه ضمن تجربة غنية. يقدم من خلالها الإنسان المصري العادي، فعند النظر لأسماء شخصياته نجدها تقريبا أكثر من الغاية التي قصد الكاتب إيصالها لنا. من تلك الأسماء: العجرودي، البنت خضرة، هانم، الجعر، خاطر، جميلة، عاصم، روح، مصيلحي، حفيظة، همام، وغيرها من الأسماء المتداولة مصريا. ينقلنا أثناء القراءة إلى أحياء مدن، مثل الإسكندرية، والقاهرة، وقرى عديدة مثلت نبض المجتمع روائيا بكل أبعاده.
وما يلفت رسم مصائر شخصيات الرواية بدقة وقد بدت حتمية. والجديد أن الكاتب ترك للقارئ حرية تخيل مصائر بعض شخصياته. وكأنه بذلك أراد مشاركته في خلق مسارات متخيلة لأحداث بسياقات لم يكتبها.
أكثر من خمسين حكاية نسجها الكاتب باقتدار وإدهاش فني راق. لنجد أن كل حكاية لا تشبه بقية الحكايات التي يتشارك فيها نفس الشخصيات، لتضع ذاكرة القارئ في اختبار جمع كل تلك الشخصيات ومساراتها الحكاية في متوازيات تتداخل حينا وتتنافر حينا، مكونة ما يشبه روافد نهر النيل المتعددة والتقائها مكونة مجراها العظيم حتى مصبه. وهو ما رمز إليه عنوان الرواية "حكايات طرح النيل".  

The Egyptian novel
كل حكاية لا تشبه بقية الحكايات

يغوص الكاتب بالمتلقي في هذا العمل المائز، في ملامح شخصية المجتمع المصري المركبة، مسلطا الأضواء على مهمشيه. مذكرا القارئ أن الرواية الإنسانية تلتقي في إبراز روح الشعوب. 
ومن يقرأ الرواية  الصينية أو الروسية أو الأميركية الجنوبية أو الأوروبية وغيرها يجدها  تصطحبه إلى أعماق روح الإنسان وعقائده وقيمة وعادته وتلك الثقافات التي يتميز بها بين الشعوب. والمجتمع المصري عريق بثقافته الإنسانية الذي قدمها كثيرون من الروائيين وعلى رأسهم السيد نجم في هذا العمل أو أعماله الأخرى  المبهرة. فمن يقرأه يدرك أنه صاحب رسالة ومشروع يتمحور في حب مصر بعراقتها وثراء ثقافتها. وفي آمالها وطموحاتها. ونذكر هنا أن له في "أدب المقاومة": ما يقارب العشرة اصدارات. وفي أدب الطفل ما يزيد على عشرين اصدارا. وفي القصة والرواية ما يقارب العشرين إصدارا. وغيرها من الأعمال الأدبية المتنوعة.
كثيرا ما نزور مصر ونجول في شرايين أسواق وحواري مدنها، ونظن بأنا تعرفنا إلى جوهرها، لكننا ندرك حين نقرأ لأدباء مصريين نجد أن تلك الأعمال من تقودنا إلى جوهر هذا الشعب العريق. ونعرف أن ما تراه عيوننا ما هو إلا شيء من كثير لن نتعرف إليه إلا بقراءة تلك الأعمال العظيمة. فشكرا للأديب المتجدد السيد نجم.