السجال الصاروخي الروسي الإسرائيلي وتداعياته

الأهم من إسقاط الطائرة الروسية هو شبكة صواريخ أس 300 التي تغير قواعد الاشتباك في سوريا.

ليست سابقة أن تشهد العلاقات الروسية الإسرائيلية توترا عالي المستوى، إذ سبق حادثة إسقاط الطائرة الروسية ايل 20، توترات في مناسبات عدة وبخاصة عندما تحاول إسرائيل خرق قواعد الاشتباك المنظمة بين أطراف الأزمة في سوريا. وقد أتت حادثة إسقاط الطائرة لترفع من منسوب التوتر وتعطيه أبعادا أخرى، إضافة إلى احتمال بروز تداعيات ذات صفة نوعية واستراتيجية في سياق إدارة الأزمة السورية.

ففي خلفية الموضوع اعتبرت موسكو أن إسرائيل هي المسؤولة مباشرة عن إسقاط الطائرة عبر تخفي طائراتها الأربعة من نوع اف 16 في المجال الجوي للطائرة المستهدفة والتي أسقطت خطأ بصواريخ سورية في أثناء تصديها للغارة الإسرائيلية. ووقفت موسكو عند رأيها بالموضوع وسط سجال روسي إسرائيلي في أعلى المستويات، أعقبه إجراءات عسكرية روسية في شرق البحر المتوسط وبخاصة قبالة الشواطئ الإسرائيلية والذي اعتبرته هذه الأخيرة عملا استفزازيا. وترافق ذلك مع تأكيدات موسكو بأنه ستسلم خلال أسابيع منظومة الصواريخ أس 300، مما خلق جوا تصعيديا آخر بين الطرفين.

وفي الواقع لا يعتبر السجال حول منظومة أس 300 جديدا بين الطرفين، فقد سبق لإسرائيل أن تمكنت من منع تسليم دمشق لهذه المنظومة في العام 2013، ما أسهم بشكل أو بآخر في رسم قواعد اشتباك فوق الأجواء السورية لمصلحة إسرائيل، إذ تمكنت من خلالها تنفيذ العديد من الاعتداءات على الأراضي السورية لأهداف سورية وإيرانية وغيرها.وفي الحقيقة تنطلق إسرائيل في معارضتها الشديدة لحصول دمشق على هذه المنظومة من منطلقات دقيقة بالنسبة إليها.فهذه المنظومة بالذات تعتبر من الأسلحة الصاروخية الإستراتيجية نسبيا والتي تلبي الحاجات السورية في تغطية أجوائها عمليا، وتمنع الطائرات الإسرائيلية من التحرك إلا وفق قواعد اشتباك جديدة تتوافق مع قدرات المنظومة الصاروخية. فالمنظومة تمتلك قدرات وازنة في مسح الأجواء على مسافة تصل إلى 250 كيلومترا وبفعالية عالية جدا، وبالتالي قادرة على وضع الطائرات الإسرائيلية تحت السيطرة والمراقبة الحثيثة عند تحركها من المدرجات، بمعنى آخر شل القدرات الإسرائيلية عمليا عند بدء التحرك، إذ تعتبر هذه المنظومة من المنظومات الدقيقة جدا القادرة على تغطية الأجواء بنسب عالية جدا، وقادرة على حمل رؤوس يصل وزنها إلى 145 كيلوغرام، وهي قادرة على التعامل مع أهداف متعددة وبفعالية عالية جدا. وسبق لموسكو أن باعت هذه المنظومة للقليل من الدول بينها الصين وإيران وفنزويلا، ورغم ان كفاءتها اقل من منظومة أس 400 التي تحاول العديد من الدول الحصول عليها، إلا أنها تبقى في أولوية الأجندة السورية التي تلبي حاجاتها اللصيقة في التعامل مع الاعتداءات الإسرائيلية على أراضيها.

في المبدأ، إن حصول دمشق على هذه المنظومة ونشرها على الأراضي السورية، وبصرف النظر عن حجم ونوعية السيطرة على تشغيلها واتخاذ القرار بهذا الشأن لاحقا، يعتبر منعطفا وازنا في العمل الجوي في السماء السورية، وبالتالي هي محاولة روسية جادة لإذعان إسرائيل والقبول بقواعد اشتباك جديدة في المنطقة بصرف النظر عن حجمها ونوعيتها، إلا أنها ستكون مغايرة للتي سبقتها، لاسيما وان موسكو ألمحت أيضا في ظل هذا السجال إلى دور فرنسي وأميركي محتملين في إسقاط الطائرة، ذلك على غرار ما حدث في إسقاط طائرتها في الأجواء التركية المحاذية لسوريا سابقا، وما تبين في أثنائها لدور الناتو وواشنطن في هذا الشأن.

وفي أي حال من الأحوال، إن الوقائع التي أفرزتها حادثة إسقاط الطائرة الروسية، سترخي ظلالا كثيفة على العلاقات بين موسكو وتل أبيب، وستحدد اطر جديدة للتعاطي مع أطراف آخرين في الأزمة السورية، إلا أن هذا التصعيد من غير المحتمل أن يصل إلى حد الصدام المباشر، لاسيما وان إسرائيل تعرف كيف تستفيد من علاقاتها مع واشنطن واستثمارها في العلاقة مع موسكو، كما تعرف هذه الأخيرة كيف توازن علاقاتها مع كل من تل أبيب وطهران وأنقرة ودمشق وغيرها من العواصم الفاعلة في الأزمة السورية.