العراق.. رجالات السياسة والإخوة الأعداء

السياسيون في العراق لا يمثلون أقاليم عرقية أو طائفية متصارعة فقط، بل صاروا هم أنفسهم تلك الأقاليم المتشرذمة.

من سخريات القدر أن يتحول رجال الساسة في العراق الى سلاطين، يريد كل واحد منهم أن يقيم له متاريس وخنادق مع الآخر، ويريد كل واحد منهم أن يقيم له جمهورية أو إمارة أو سلطنة خاصة به، ولا يقبل أن ينازعه أحد على مكانته او دوره او سطوته ضمن إمبراطورية السلطة، ولكل منهم طائفته وقوميته ومذهبه وحزبه السياسي وحرسه الخاص، وكل واحد يريد أن يؤسس جيشا خاصا به، ويقيم له طقوسا وشعائر وسلاما جمهوريا يردده حرسه كلما ظهر في مناسبة او أقام مهرجانا لعرض العضلات.

وكل سياسي ممن يعد نفسه انه من الصف الأول، لا يقبل ان يلتقي مع الآخر الا في المناسبات، وليس بينهم قاسم مشترك الا في السيطرة على مقدرات العراق، كل يريد ان ينهب ويسرق بالطريقة التي توفر له المزيد من الجاه والثروة والجبروت، وليذهب العراقيون شعبا وحضارة ومقدسات الى الجحيم.

وأقرب وصف ينطبق على سياسيي العراق أنهم الإخوة الاعداء. فلا جامع يجمع بينهم أو يوحد كلمتهم، ولا أحد يتمنى الخير للآخر إن لم يتمنَ له أن يزيحه عن طريقه او ان تحدث له مصيبة ويقع في فخ السقوط.

لا الدين يوحدهم ولا الطائفة ولا القومية ولا حتى الانتماءات السياسية ولا حتى أحزابهم بل ولا صلات القربى، إن لم تفرق شملهم وتشتت اوصالهم، وينطبق عليهم قول رب العزة "تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى"، وأقام كل واحد منهم له دكانا او "مسطر عمالة" يبيع بضاعته او يؤجر من يشاء من العاطلين ليسخرهم لمشيئته، ويتخذ منهم واجهة لفرض وجهات نظره على الآخرين.

ساسة العراق في الأغلب، يختلفون عن كل ساسة الدنيا، وهم ليسوا بساسة، إن لم يكونوا تجارا لعقد الصفقات والسير وراء المناورات والمناكفات كل واحد يريد ان يشتري ويبيع بالطريقة التي توفر له الحصول على ارباح فاحشة، وقد باع البعض منهم ضميره، بعد ان باع مقدسات بلده وقيمه بثمن بخس في المزاد العلني.

أنهم الإخوة الأعداء قولا وفعلا. ولا أحد بمقدوره ان يجد رابطا بينهم او يبحث عن قاسم مشترك، فهم موزعو الولاءات بين الاطراف الاقليمية والدولية، وحتى داخل بلدهم، وقد حولوا العراق الى أقاليم منقسمة على نفسها، تهيئ أجواء الاحتراب والاقتتال كلما سنحت لهم الفرصة او اختلف الساسة على كرسي سلطة أو وزارة، ولهم في كل موقع في الدولة جيوشا من الاتباع، كل يريد أن يقيم سلطته وجبروته بالطريقة التي تراها مناسبة وتخدم أغراضه، وكل حزب بما لديهم فرحون.

لاحظوا ساسة الانبار، ومن هم محسوبون على سنة العراق والمعارك الدامية بينهم، كل واحد يريد أن يثرد بدم الآخر او يضعه في كأس الثمالة ليرتوي منه. وينطبق الحال نفسه على باقي ساسة المحافظات الاخرى من شيعة العراق وكذا الحال ينطبق على كرده، ولو بدرجة أقل، وبخاصة المركز بغداد، فكلهم موزعو الولاءات والانتماءات والمشارب، والحرب تستعر بين الجميع الى حد ان كل واحد يريد ان ينتقم من شقيقه الآخر الذي يرتبط معه في العشيرة والحزب والانتماء والطائفة والمذهب، وليس هناك من قاسم مشترك بين هؤلاء الساسة، وهم مختلفون على طريقة نهب ثروات البلد وبيع شعبه لدول الجوار، وهم كلهم في الهوى سوى، ولا يهمهم ان يبقى العراق واحدا موحدا، إن لم يقسموا حتى الشارع نفسه الى ولاءات ومتاريس كل يريد ان يقيم له جمهوريته التي يود اقامتها على طريقته الخاصة.