العراق ملف إيراني بهوامش أميركية

قاآني يواصل مسيرة سليماني: عملاء إيران يحكمون العراق من خلال محمية أميركية.

يشرف فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني على الملف العراقي. وهو ما يضفى على الزيارة السرية الأخيرة التي قام بها اسماعيل قاآني أهمية خاصة.

خليفة قاسم سليماني أجرى لقاءات مع أتباعه العراقيين الذين لن يتمكن من بناء قواعد ثقة متبادلة معهم لأسباب ذاتية وموضوعية.

على المستوى الذاتي فإن الضبط الذي كان يمارسه سليماني لا يتصل بمنصبه زعيما لفيلق القدس بقدر ما كان انعكاسا لتاريخ من العلاقة الشخصية التي جمعته بزعماء الميليشيات العراقية الموالية لإيران.

اما موضوعيا فإن هناك تحولات كبرى قد طفت على السطح كان لابد أن تنعكس على الوضع في العراق، منها ما يتعلق بإيران التي هي اليوم في أكثر مراحلها ضعفا وهي تواجه عدوين شرسين هما العقوبات الأميركية وفيروس كرونا. ومنها ما يتعلق بالعراق الذي يُتوقع أن يشهد انهيارا اقتصاديا غير مسبوق بسبب انخفاض أسعار النفط وهو ما قد يؤدي إلى انفجار شعبي في حال اضطرت الحكومة إلى اتخاذ اجراءات تضر بمصالح ذوي الدخل المحدود الذين صاروا على وشك الانزلاق إلى هاوية الفقر.

في هذه المرحلة فإن إيران ليست إيران والعراق ليس العراق.

غير أن إيران لا تزال تمسك بخيوط اللعبة السياسية في العراق. لا لشيء إلا لأن مرحلة ما بعد الاحتلال (منذ 2003 وحتى اليوم) لم تشهد قيام دولة في العراق ولم تكن هناك أية محاولة في ذلك الاتجاه.

في البدء لم يكن الأميركيون متحمسين لقيام تلك الدولة بدلا عن الدولة التي حطموها والتي لم يعد في الإمكان استنهاضها. اما حين استلمت الأحزاب مقاليد السلطة ومفاتيح البنك المركزي فإنها محت الفكرة وقلعت جذورها وصار العراق دولة على الورق الرسمي فقط.

اما الحيز الجغرافي فقد كان مخترقا وسيظل كذلك.

هناك قوات متعددة الجنسيات وميليشيات وتنظيمات مسلحة وفصائل مجاهدين وعشائر مدججة بالسلاح تحافظ على مواقعها في جبهات، يمكن أن تشتعل في أية لحظة. فالعراق هو أرض حرب، تتجلى من خلال مشاهد مختلفة يتبادل فيها الأعداء الأدوار.

ذلك ما وهب إيران فرصة الهيمنة المباشرة على العراق في ظل تخل أميركي واضح عن المسؤولية. فالأميركان الذين أعلنوا عن احتلالهم العراق في مجلس الامن بشكل علني لم يحافظوا عليه بما ينسجم مع القانون الدولي حين اكتفوا بتدميره وتسليم شعبه للضياع.

 لقد ترك الأميركان الملف العراقي على الطاولة التي امتدت إليها يد إيران.

لذلك كان زعيم فيلق القدس السابق قاسم سليماني هو الحاكم الحقيقي للعراق بسبب تكليفه من قبل خامنئي بالملف العراقي. وهو ملف لا يتضمن أي فقرة لها علاقة بمصائر العراقيين بقدر ما يعنى بمصائر الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران.

أعتقد أن الفكرة صارت واضحة.

فالعراق الذي أداره سليماني في وقت سابق لم يكن دولة انما هو ملف. وفي سياق ذلك المعنى يمكن النظر إلى الانتخابات المتكررة التي لوث العراقيون أصابعهم بالحبر البنفسجي من أجل المشاركة فيها على أنها مجرد استعراضات تهريجية، ساهمت الولايات المتحدة من خلالها في اضفاء شرعية زائفة على على الهيمنة الإيرانية.

كانت تلك الانتخابات هدايا الديمقراطية الأميركية إلى إيران.

حتى في حالة ضعفها لا تزال لإيران اليد العليا في العراق. فالمنطقة الدولية (الخضراء) في بغداد التي تتوسطها السفارة الأميركية هي مقر السلطة الذي لن يجرؤ أحد على الاقتراب منه.

ذلك يعني أن عملاء إيران يحكمون العراق من خلال محمية أميركية.

من المحتمل أن تصل الخلافات بين الأحزاب إلى مرحلة التنافر غير أن أحدا منها لن يعلن الحرب على الآخر. ذلك نجاح لقاآني غير أنه يحدث بسبب قناعة الجميع بأن المركب الأميركية التي حملتهم إلى العراق لا يزال في إمكانها أن تنقذهم إذا ما تعرضوا للخطر.