العقوبات الاقتصادية لن تسقط نظاما

النظام الإيراني لا يزال قادرا على تحمل تبعات عزله اقتصاديا، في حين يمعن في الانتشار استراتيجيا.

يدرك أصحاب القرار في الولايات المتحدة أن سياستهم المتجددة في فرض عقوبات اقتصادية ضد أنظمة تناوئها، لن تؤدي إلى سقوطها، وهي القادرة على التكيف مع حصار اقتصادي، تتحمل أعباءه قطاعات شعبية واسعة، تخضع لسلطات حاكمة نفرض سيطرتها المطلقة.

رأت الولايات المتحدة في سيرة عقوباتها الاقتصادية، الواردة في خطط سياساتها الخارجية، أن الأنظمة الخاضعة لعقابها تبدو أكثر قوة في داخل محيطها الحاكم، وتفرض على شعوبها سياسات الظرف الراهن، وتؤهلها في قبول إجراءات التقشف القصوى.

حروب أميركا الاقتصادية لن تحقق جدواها، فهي أشبه بمراهنات لا تضمن الربح الأكيد، في اعتقادات خاطئة، حروب تأخذ زمنا طويلا، يترقب قادتها تحقيق أهدافها المستحيلة.

فشل العقوبات الاقتصادية يجر مركز القرار الأميركي للبحث عن خيارات أخرى، هي أسوأ الخيارات وأكثرها تكلفة مادية وبشرية، ينتقل فيها القرار من إدارة سلطة سياسية إلى قيادة عسكرية تفرض منطقها.

عقوبات فرضها مجلس الأمن الدولي على العراق استمرت 13 عاما (1990 -2003)، في شكل حصار شامل، وصل إلى حد منع الغذاء والدواء، لم تفقد النظام الحاكم آنذاك قوته، وأدار سياسة تقشف تقبلها الشعب مجبرا، وتحمل قسوتها.

أمام إدراك فشل الحصار والعقوبات التي راهنت عليها إدارة البيت الأبيض، تسلم البنتاغون زمام المبادرة، في تحالف مع الجيش الملكي البريطاني، في إسقاط نظام، عبر غزوة، انتهت باحتلال عسكري.

استمرت واشنطن في فرض العقوبات الاقتصادية في حروبها المفتوحة بالشرق الأوسط، وأخضعت إيران تحت طائلها، منذ عام 1979، حيث صادق الرئيس جيمي كارتر على أول عقاب تمثل في تجميد ودائع مصرفية وذهب وممتلكات، ردا على اقتحام السفارة الأميركية في طهران وحجز موظفيها.

زادت الولايات المتحدة من حجم العقوبات على طهران عام 1984، بحظر مبيعات الأسلحة، وفق القانون الخاص بمعاقبة إيران "ISA"، وشددت سقفها عام 2013 بقرار صادق عليه الكونغرس الأميركي.

وكان الرئيس بيل كلنتون قد حظر تجارة الولايات المتحدة في الصناعة النفطية الإيرانية، قبل أن يمارس حظر أي نوع من أنواع التجارة مع إيران، وجمد الرئيس جورج بوش "الأبن" أصول الأفراد المرتبطين بالبرنامج النووي الإيراني، وصادق الرئيس باراك أوما على القانون الشامل للعقوبات والمسائلة، وسحب الاستثمارات في إيران، ومنعت المؤسسات المالية الإيرانية من الوصول مباشرة إلى النظام المالي الأميركي ومؤسساته بشكل مباشر أو غير مباشر.

جددت الولايات المتحدة فرض عقوبات على إيران بعد انسحابها من الاتفاق النووي، أخذ شكل حصار اقتصادي، في ظل إيقاف الصادرات النفطية والشحن ومعاقبة المؤسسات المصرفية.

ووضعت إدارة الرئيس دونالد ترامب 12 شرطا أعلنها وزير الخارجية مايك بومبيو، مقابل رفع الحصار عن إيران، أهمها وقف جميع أنشطة تخصيب اليورانيوم وإغلاق مفاعل "آراك" وإنهاء نشر الصواريخ الباليستية والصواريخ الحاملة للرؤوس النووية، وإنهاء دعم الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، واحترام سيادة الحكومة العراقية ونزع سلاح الميليشيات الموالية لطهران.

حرب أميركا الاقتصادية ضد إيران لم تحصد ثمارها، فهي اعتمدت وتائر أسرع في تخصيب اليورانيوم وتطوير الصواريخ الباليستية، وعززت قدرات أذرعها في سوريا ولبنان واليمن ومازالت تتصرف في العراق كولاية إيرانية تحكمها مليشيات لم تكف عن إهانة سيادة بعثة واشنطن الدبلوماسية في بغداد.

فهل يبقى الحصار الاقتصادي خيارا أوحد، أو عقابا يمهد لحرب مفتوحة تزيح العمامة من رأس نظام يعيش بمخالب زرعها في الشرق الأوسط؟