'العلاقات الكويتية العراقية' تعاون وتكامل في مواجهة تحديات جديدة

د.محمد الشبو يطوي في كتابه مراحل التاريخ في علاقة لم تستقر يوما بين دولتين متجاورتين.

إن كان المنجز الأكاديمي تشخيص لإشكالية قائمة في واقع ما، يضعها الباحث على بساط التحليل بغية استخلاص مسارات معالجتها وصولا لواقع بديل يمحو الأثر السلبي لانعكاساتها، فهو في الوقت ذاته استكشاف لقدرة عقلية اكتسبت خصائص الرؤية الموضوعية إزاء معضلة تتسع دائرة إشكالياتها إذا ما اصطدمت بدائرة العجز عن احتواء تداعياتها، هي قدرة الباحث بما امتلكه من مهارات تقنية، وحزمة من المبادئ المحكمة، ومعارف ذاتية تمتلك آليات تطورها ببعدها الاستشرافي.

كانت تلك قراءة أولية، وتقديم لشروط توافرت في مؤلف كتاب "العلاقات الكويتية العراقية بين التعاون والصراع" الدكتور محمد الشبو الخارج بوعي إرادي من دائرة إرث حدث ما زال يلقي بثقله على إقليم الشرق الأوسط، بغية إعلاء رؤيته الحيادية في عرض وتحليل "الإشكالية" في إطار الزمان والمكان والتسامي إلى فك عقدة الصراع بتثبيت قاعدة الاتزان في كفتي التعاون والتكامل بديلا أمثل.

"تكامل وتعاون" رؤية بلغت من العمق في خلاصة كتاب يطوي مراحل التاريخ في علاقة لم تستقر يوما بين دولتين متجاورتين رغم أزمنة الهدوء التي مرت بها سعيا وراء إخفاء توتر فيما يشبه حربا باردة.

يرى د.محمد الشبو المستحضر لوقائع تاريخية والمتفائل برؤية استشرافية أن تحديات فرضتها متغيرات كبرى أحدثها تطور تكنولوجي كوني يتسارع دون توقف، وإرهاب يهدد استقرار العالم، يتفشى في كل مكان، جعلت من الصراع على الحدود أولوية مؤجلة في الزمن الراهن، وإخضاعها إلى الشرعية الدولية التي تجسدها القرارات والمواثيق الدولية، وفرض التعاون والتكامل بديلا حتميا:

"إن التطورات والمستجدات الدولية والإقليمية وما أفرزه التقدم التكنولوجي الذي يشهده العالم في مجال الاتصال والتواصل وبروز هذه الطفرة الإعلامية التي جعلت العالم فضاء مفتوحا دون حدود جغرافية مرسومة بما يدعو إلى ضرورة طي الخلافات الحدودية والتطلع لمواجهة التحديات الجديدة سيما الأمنية والاقتصادية والتي تجعل الدول في مواجهة مشتركة ضد عدو واحد".

دعوة الكاتب د.محمد الشبو إلى ضرورة طي الخلافات الحدودية كمنهج عالمي عام، تنطلق من تفاؤله بمستقبل العلاقات العراقية الكويتية بعد تسويتها سياسيا وقانونيا وفق ما قررته الشرعية الدولية وأصول القانون والضوابط التي تحكم العلاقات بين الدول المتجاورة، من إعادة العلاقات إلى وضعها الطبيعي بتعزيز مبادئ التعاون والتكامل.

جاء كتاب "العلاقات العراقية الكويتية بين التعاون والصراع" في تسلسل زمني تصاعدي بدأ بـ"المتغير الجغرافي والتاريخي للجزيرة العربية من القرن السادس عشر إلى عام 1913" حيث أشار الباحث إلى وجود كيانات مستقلة يسيطر عليها المشايخ والقبائل في هذه المنطقة خلال تلك الفترة ولم تكن الدولة بمفهومها المعاصر موجودة.

وتأخذ العلاقات الكويتية العراقية في النسق المنهجي الأكاديمي تسلسلا زمنيا يبدأ من "1913- 1941" حيث بدأت باتساع النفوذ الغربي في المنطقة وانهيار الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى وبروز الوضع الاستقلالي للكويت وتطور وضعها منذ الحرب العالمية الثانية 1941 وحتى الغزو العراقي عام 1990.

وآثر الباحث د.محمد الشبو أن يحصر خصوصية العلاقات الكويتية العراقية بين سنتي "1980-1991" منذ بدء نشوب الحرب العراقية-الإيرانية حيث وقفت الكويت إلى جانب العراق بكل ثقلها، وانتهاء باحتلال الكويت في غزو عسكري عراقي مفاجئ عام 1990، قبل تحريرها عام 1991.

معطيات تاريخية موثقة طرحها كتاب "العلاقات الكويتية العراقية بين التعاون والصراع" بالعرض والتحليل والاستنتاج وفق تسلسل زمني جسد المنهجية الأكاديمية المتكاملة في طريق الوصول إلى مستقبل العلاقات الكويتية-العراقية بعد الاحتلال الأميركي للعراق وسقوط نظامه عام 2003، حيث فتحت الأبواب من جديد لعلاقات ثنائية في المجالات السياسية والاقتصادية الاجتماعية، تجسد صيغ التعاون والتكامل الكفيل بإرساء دعائم آمنة ترتقي بمكانة البلدين في الشرق الأوسط وتعزز دورهما في ضمان استقرار الأمن الإقليمي والعالمي.