العلاق: الشعر في العراق والشام سيد الأزمنة

علي جعفر العلاق يرى أنه لا يصح تماما اقتطاع شريحة زمنية، كعام واحد مثلا، والنظر من خلاله إلى ظواهر شعرية استغرق تكاملها أو تناميها أكثر من عقد.
النقد معطل تقريبا عن مهمته، مما تسبب في فوضي شعرية، وارتباك في المفاهيم والتصورات والتقاطعات
الشعر يظل أكثر فنون القول التصاقا بهواجس الفرد وعالمه الداخلي الذي يعج بالحنين والتحدي والإحباط
ليس من المنطق أن ينشأ جيل شعري جديد كل عشرة أعوام

تفاعل الشاعر والناقد العراقي الدكتور علي جعفر العلاق مع الأبحاث الخمسة التي قدمت عن حالة الشعر في العراق وبلاد الشام بأقلام كل من: د. بشرى صالح، ود. شربل داغر، ود. عصام شرتح، ود. بسام قطوس، ود. يوسف محمود عليمات، وقال: "إن التقرير عن الشعر العربي خلال 2018 وعبر أقاليمه جميعا، هو اتجاه إلى الأفق انطلاقا من لحظة زمنية راهنة، ولا يمكن لهذا العام أن يكون أكثر من زاوية للنظر، ونقطة للتأمل".
ويرى العلاق في تعقيبه المنشور في تقرير حالة الشعر العربي الذي أصدرته أكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف السعودية 2019 أنه "لا يصح تماما اقتطاع شريحة زمنية، كعام واحد مثلا، والنظر من خلاله إلى ظواهر شعرية استغرق تكاملها أو تناميها أكثر من عقد ربما". وعلى ذلك فهو يضع تصورا عاما لا يقف بعيدا تماما عما قالته هذه البحوث الخمسة مجتمعة أو فرادى. 
ويبدأ بحديث عن جدل الأجيال الشعرية، حيث لا تزال موضوعة التجييل مثيرة للجدل، وخاصة جيل الستينيات الذي يتمتع برسوخ زمني كثيف، وهو يرى أن هذا "المصطلح عراقيا" بخلاف الأجيال الأخرى. فهذا الجيل – كما يرى العلاق – استوعب روح عصره ومرحلته عراقيا وعربيا وعالميا، وهو صاحب قدر شعري كبير، وله جرأته الشعرية والفكرية، واستطاع – رغم تمايز شعرائه – أن يقدم كلا شعريا نفيسا لم تستطع الأجيال اللاحقة أن تحقق ما يضاهيه إلا في النادر، مؤكدا أنه ليس من المنطق أن ينشأ جيل شعري جديد كل عشرة أعوام.

النص الإلكتروني وليد قصدية واضحة وعملية رقمية وذكاء صناعي حافل بالتفاصيل التقنية والممكنات الرقمية التي ليس من صلة، إيًّا كانت، بروح المبدع أو مزاج المتلقي
 

أما عن الجدل القديم الجديد حول قصيدة النثر، فيرى الناقد أن هناك ثمة من يدافع عن "قصيدة النثر" وكأنها بنت اليوم، متناسين حقيقة كبرى أن هذه القصيدة قد شبّت عن الطوق منذ زمن بعيد، بل يمكن القول إنها كانت أقدم من قصيدة التفعيلة، أو هما من عمر شعري واحد على الأقل، موضحا أن الدفاع عن قصيدة النثر يكاد ينحصر في الأجيال الجديدة من كتّابها فقط، وكأن ذلك يعكس في اللاوعي خوفا من مصير ما، يترصدهم مع كل نص جديد يكتبونه.
ويؤكد د. علي جعفر العلاق أن الكثير مما تكتبه شريحة واسعة من الشعراء الشباب في لبنان خاصة، لا ينتمي بعمق إلى قصيدة النثر، إنما ينصرف إلى نوع كتابي هو أقرب إلى النثر الشعري منه إلى القصيدة بالنثر، وهي كما يشير د. شربل داغر في تقريره "تجارب قريبة من التراسل الوجداني بالنثر المشوب بعاطفية هي أقرب إلى الرومانسية".
وعن موسم هجرة الشعراء إلى الرواية أفصح العلاق أن هذه الظاهرة بلغت اكتمالها الأقصى في عام 2018 رغم أنها بدأت على نحو أقل إثارة قبل سنوات، ويبدو أن عبارة "هذا زمن الرواية" التي أطلقها د. جابر عصفور كانت تعبر عن لحظة من لحظات ضجره النقدي مما يُنشر من شعر خامل أو عديم المعنى أحيانا، ويقول: "فتور علاقة جابر عصفور بالشعر كان أقرب إلى فتور المحب اليائس، مما في المشهد الشعري نفسه من ممارسات كتابية تفتقر إلى الصدق أو إلى الإتقان أحيانا".
ورغم كل ما يقال عن الرواية وصعودها الراهن يرى العلاق أن الشعر يظل أكثر فنون القول التصاقا بهواجس الفرد وعالمه الداخلي الذي يعج بالحنين والتحدي والإحباط. وهو يرى أن عام 2018 يكشف عن ظاهرة مزدودجة فيما يتعلق بالشعر وطرائق تلقيه أو انتشاره عن طريق إنشاء مجموعة كبيرة من بيوت الشعر بمبادرة وتمويل بالغ الإريحية من الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة، فقد انتشرت هذه البيوت في الكثير من مدننا العربية في مشرق العالم العربي ومغربه، غير أنه يشير إلى توقف مهرجان أثير للشعر العربي في مسقط، وتوقف أكثر من مجلة معنية بالشعر العربي، يعوضها صدور بعض المجلات التي تعنى بالشعر العربي ونشر المقالات التحليلية عنه ومتابعته، عن بيوت الشعر أو عن مؤسسات أخرى.
ولكن بشكل عام يكشف لنا هذا العام والأعوام الأخيرة عن علاقة أقرب إلى الفتور بين الشعر ومحيطه الإنساني، وظيفةً وتلقيا وتأثيرا، فالقراءات الشعرية على كثرتها، لا تشير إلى علاقة نامية وحيوية بين الشاعر وجمهوره من خلال المهرجانات، أو بين الشاعر وقرائه من خلال الإقبال على معارض الكتب على سبيل المثال. ويبدو أن الجمهور فقد شغفه القديم بالقصيدة، فصار حضوره للكثير من القراءات الشعرية لا ينم في الكثير من الأحيان، عن تفاعل حي مع ما يسمع.  

The case of Arabic poetry
تراخي العلاقة بين حركتي الإبداع والنقد

وعن نقد الشعر يلاحظ علي جعفر العلاق تباطؤ حركة النقد الشعري أو قلته في بعض البلدان العربية، وقد بدا أحيانا أن النقد معطل تقريبا عن مهمته، مما تسبب في فوضي شعرية، وارتباك في المفاهيم والتصورات والتقاطعات، ما ينم بشكل جلي عن تراخي العلاقة بين حركتي الإبداع والنقد. وهو يرى أن نقدنا اليوم يكاد يقف بين خيارين ليسا متناغمين تماما، نقد يكاد أن يكتفي بذاته، يتغنى بسجاياه، ويشرح طرائقه ومناهجه باستغراق يصل حد النشوة ويستعرض ذخيرته الحية من مصطلحات بمناسبة وبدونها، وهو ما يشكل خطرا على الأدب، دعا ناقدا مثل تودوروف يصرخ محذرا: "إنهم يغتالون الأدب، نتيجة إفراغه من محتواه الإنساني وربطه بألاعيب شكلية".
أما النقد الآخر فهو النقد الأكاديمي الذي لا يتوجه إلى تثبيت قيمة حضارية أو أدبية، قدر توجهه إلى تثبيت صاحب هذا الجهد في موقعه وتجديد عقده الجامعي.
أما عن تدريس الشعر في الجامعات، فيرى العلاق أن هناك ثمة فجوة تتسع باستمرار بين الأجيال الجديدة والنص الشعر الحديث خاصة، رغم ما حققته أكثر جامعاتنا العربية من تقدم في هذا المضمار، ولكن قد يكون هنا عازل في الذائقة أو الوعي تصل بأستاذ جامعي يستكثر على زملائه تدريس قصيدة السياب "أنشودة المطر" لأنها ليست من الشعر في شيء حسب رأيه.
وعن ترجمة الشعر، يصرح العلاق بأن حصة 2018 وما جاورته من سنوات سابقة تدعو إلى التفاؤل حقا، على عكس ما ذهب إليه د. يوسف عليمات الذي أكد أن عملية ترجمة الشعر في عام 2018 إلى لغات مغايرة تراجعت مقارنة بأعوام سابقة.
ويلتفت العلاق إلى النص الإلكتروني ضمن حديثه عن الجديد في وسائل الكتابة والنشر، ويرى أن المتأمل لهذا النص الجديد يحتاج إيمانا منقطع النظير ليطمئن أن لهذا الشكل الكتابي فرصة يعتد بها لمنافسة النص الورقي، أو مستقبلا حقيقيا يمكن توقعه. ويوضح أن الكثيرين لا يرون للنص الإلكتروني حضورا في النفس والذاكرة كما للنص الورقي، وأن النص الإلكتروني وليد قصدية واضحة وعملية رقمية وذكاء صناعي حافل بالتفاصيل التقنية والممكنات الرقمية التي ليس من صلة، إيًّا كانت، بروح المبدع أو مزاج المتلقي. كما أن هذا النص يشترط في المتلقي أن يكون مزوّدا بالإمكانات التكنولوجية ذاتها التي يتعامل بها المبدع.
وفي جميع الأحوال يرى العلاق أن هذا النص لا يملك كاتبه ولا متلقيه حرية التنقل بين البشر وتحصين أنفسهم بالجمال وقوة الروح ضد القبح والقهر والهشاشة، غير أنه لا ينكر ظاهرة انتشار الكتابات الشعرية والأدبية على الفيسبوك أو المواقع الشخصية، بشكل عام.