العلي: الشعر لا يُستعذب إلّا بصدق الإحساس

حواس العلي: قليلاً ما نجد ناقداً حقيقاً بمعنى الكلمة، ناقداً حياديّاً، يحكم على النصّ، وليس على قائله.
الشاعر الذي بداخلي شخص آخر يختلف عنّي في الحالة العاديّة، يلتحم بشخصيتي، فأتحوّل معه إلى إنسان آخر مختلف عنّي تماما
القصيدة بالأصل هي غناء الروح، ولا تطربك الأغنية بكلماتها فقط؛ بل بإيقاعها وموسيقاها أيضاً

حواس العلي شاعر سوري من مواليد 1967 بمدينة القامشلي، وهو شاعر موهوب يكتب للوطن وللفرح ولا يقع في الرتابة أبدًا، مشاعره نهر عذب دائم الفيض، وهو ممن تهمهم تجاربهم الشعرية، ويعملون عليها بكدّ وجدّ ومثابرة، يحمل إجازة بالأدب العربي من جامعة دمشق، يعمل مدرّساً للغة العربية في مدارس القامشلي، له ديوان شعري بعنوان "إلى من يهمه الشعر" وينشر نتاجه في الصحف والدوريات المحلية والعربية.
قال عن الشعر والشاعر الذي بداخله: الشاعر الذي بداخلي هو شخص آخر يختلف عنّي في الحالة العاديّة، يلتحم بشخصيتي، فأتحوّل معه إلى إنسان آخر مختلف عنّي تماما. أعيش حالة من الهذيان أشبه بكابوس يزورني طيفه في حالة اليقظة. فهو كابوس يجعلني أهذي دون أن أشعر، وأنا مستيقظ.
والشعر يقوم على المبالغة، بمبالغته يصبح عذباً. قديما قالوا: أعذب الشعر أكذبه. لكن حقيقة لا يُستعذب الشعر إلّا بصدق الإحساس. فالشعر أوّلا وأخيرا إحساس، لا يمكنك جذب القارئ أو السامع إلّا إذا دفعته أن يتعايش مع القصيدة، فيحسّ بها، وكأنّها كُتبت له، أو عبّرت عنه. لهذا أنا مع المقولة النقديّة الخالدة لأرسطو: القصيدة مركبة يجرّها جوادان: العاطفة، والخيال. والشعر كالكائن الحيّ، لكنّه لا يمرّ بحالة الموت، قد يدخل في السبات، وقد يطول هذا السبات؛ لكن لا يمكن أن نقول: إنّه مات. وُلد مع الإنسان، وسيظلّ معه ملازمه دائما، مادامت هناك حياة. والشعر إن لم يتمكن من الولوج إلى النفس والقلب والروح لا يمكن أن يسمّى شعراً, ولا يمكن أن يستمر ويحيا، وإن خرج عن ذلك، فليس بشعر.  
ويرى الشاعر حواس العلي أن القصيدة بالأصل هي غناء الروح، ولا تطربك الأغنية بكلماتها فقط؛ بل بإيقاعها وموسيقاها أيضاً. وإلّا صارت نثراً وكلاما عاديّا. ربّما للموسيقى دور كبير في حفظ هذا الشعر، حين ردّدته الشفاه عبر مئات السنين. النثر لا يحتفظ بهذه الخاصيّة، فضاع أكثره، لأنّه عصيّ على الحفظ. لولا الإيقاع لما عرفنا المعلّقات والشعر القديم، لما حفظناها وحفظناه. بالموسيقى اكتسب الشعر صفة البقاء والخلود.
وعن مقولة: "ما أكثر الشعراء، وما أندر الشعر!" يظنّ العلي أنّ هذا عائد للموهبة أوّلا، وللظروف ثانياً. ما من إنسان إلّا وبداخله موهبة، فإن نمّاها خرجت وعاشت، وإن أهملها خبت وماتت. تبقى الظروف عاملا مهمّا في ذلك قد تساعد، أو تحول دون ذلك.
وعن قصيدة النثر وخلط الشعر بالنثر قال الشاعر السوري: صراحة أنا أفرّق بين الشعر والنثر. ومصطلح قصيدة النثر التي راجت منذ أواخر القرن المنصرم، وازدهرت في عصرنا هذا لا يمكن أن أصنّفها، لا في الشعر، ولا في النثر. تختلف عن الاثنين تماما، هي تأخذ من الشعر الدهشة وعمق المعنى والتلميح ، والغموض؛ بينما تأخذ من النثر الانسيابية والبعد عن الموسيقى. 
أصحاب هذا النوع من الفنّ أطلقوا مصطلح ما يسمّى بالموسيقى الداخليّة لقصيدة النثر التي تتولّد في النصّ النثري بصوره المدهشة. هي فنّ ثالث مختلف تماما عن الشعر والنثر. فالقرآن مثلاً انا لا أصنفه لا نثرا ولا شعرا. هو قرآن يختلف عن الاثنين تماما. وكذلك أرى في قصيدة النثر.
وعن البرامج الشعرية التلفزيونية التي راجت مؤخرا يراها العلي جيّدة، وتساهم بازدهار الشعر والاهتمام به، من خلال تشجيعه وتشجيع الشعراء، فمكافأة الشعر والشاعر تساهم في تطوّره والاهتمام به. أمّا  فكرة "أمير الشعر"، او "شاعر المليون"، فلا أرى للشعر أميرا، سرعان ما يخلعه الشعر، الشعر حرّ يرفض أن يصبح خاضعا لأمير، هو فوق كل إمارة، ولو استعاضوا بمصطلح أفضل قصيدة، أو أجود قصيدة لهذا العام أو ذاك، ربّما يكون ذلك أكثر دقّة.

الشعر وُلد أوّلا، وبوجوده وُلد النقد، فهو أكبر منه، وأعرق. قد تجرح اقلام النقّاد الشعراء، قد يكون لها دور في تطوير الشعر. لكن ما أكثر الشعراء، وأقلّ النقّاد!

وعن ملتقى الثلاثاء في المركز الثقافي العربي بالقامشلي (عبق الثلاثاء) قال: ساعدني في أن أهتمّ بالشعر أكثر، شجعني العبق على المواصلة في كتابة الشعر، عرّفني بجمهور وإن كان قليلا مع الأسف لكنّه يهتمّ بالكلمة، يتأثر بها، ويتجاوب معها، كما عرّفني بشعراء استفدت منهم من خلال الاحتكاك بهم، فساهموا في تنمية موهبتي.
ويرى أن القصيدة تحتاج لوسائل تساعدها ، تزدهر، اللغة والصور وسائل لنجاح أيّ قصيدة، لكن الحالة الشعوريّة والإحساس أهم ما في القصيدة، القصيدة إحساس، لأنّها أغنية الروح. الروح لا تُرى، لكنّنا نشعر بها من خلال الأحاسيس. والأسماء لا تكفي. قد أقرأ أبياتاً لشاعر لا أعرفه، ليس له نصيب في الشهرة، فأتأثّر بها أكثر من أيّ أبيات أخرى لشاعر آخر أخذ حظّا وافراً من الشهرة. القصيدة التي توقظك بإحساسها، هي القصيدة الحقيقية التي يجب أن نبحث عنها، ونردّدها، ونغنّيها.
ويرى حواس العلي أن الشعر وُلد أوّلا، وبوجوده وُلد النقد، فهو أكبر منه، وأعرق. قد تجرح اقلام النقّاد الشعراء، قد يكون لها دور في تطوير الشعر. لكن ما أكثر الشعراء، وأقلّ النقّاد! قليلا ما نجد ناقداً حقيقاً بمعنى الكلمة، ناقداً حياديّاً، يحكم على النصّ، وليس على قائله.
وعن الوضع في سوريا قال الشاعر: رغم الآلام والجراح التي أصابت وطني سوريّا، سأظلّ أعيش على غيمة حبلى بالأمل، محكومون بالأمل، لنحيا، لا بديل لنا عنه. اليأس قاتل، فلا يجب أن نعيش تحت سطوته:
شتّان ما بين من يظمى لبوح هوىً
وبين من في هواهُ أنعشَ السحْبا
يسوقُ بالريح غيماً نحو واحته
لكي يقولَ الندى: أيقظْ لي العشْبا
يخاطبُ الأرضَ: يا أمّي فداكِ دمي
تقولُ يا ولدي: مرحى لك العقْبى 
قد ذبتُ بالشوقِ حتّى صرتُ أحجيةً
وعدتُ بالحبّ كي أحيا بها شبّا.