حورية عمران ترسم القصائد والحكايات وتراقص حروفها على المسرح

الكاتبة والشاعرة الجزائرية تشكل الأحلام أشرعة من ورق وتعدنا بانها ستظل تكتبها شعراً نصاً ومسرحية وتهمس أنها ستكتب الرواية أيضا.
عمران: القارئ مل من الأشياء التقليدية ويريد أشياء جديدة تشبع شغفه ووجدانه

لا شيء يأتي في الحياة بسهولة إلا بعد جهد وتعب متواصل، ومبدعتنا الجزائرية الهوى،عشقت الكتابة منذ الصغر، وهي الآن تنساب مثل الحكاية وتنتقل بخفة فراشة من إبداع الى إبداع، ترسم القصائد والحكايات على بياض الورق حيناً، وحيناً تتجه إلى ما يخص المسرح، بحيث تجعل حروفها ترقص على خشبته، ولا تنسى الصغار تظل تمدهم بحروف قصصها، وحورية ما زالت تشكل الأحلام أشرعة من ورق، وستظل كما قالت تكتبها شعراً، نصاً، مسرحية، وتعدنا  بهمس أنها ستكتب الرواية أيضاً، وما زال في قلبها الكثير من الأمنيات.

ـ تمارسين كتابة الشعر والقصة والمسرحية وقصص الأطفال والمقالات الأدبية. وكتابة أي جنس أدبي استلهام وعقيدة، همة وتجربة، يؤدي مجموعها إلى الاحتراف.. لماذا كل هذا، وما هدفك أو رسالتك من وراء ذلك، ثم إلا يساهم هذا في إضعاف المبدعة التي في داخلك؟

*الكتابة فن وموهبة، لا أستطيع مقاومة شغف الكتابة بأنواعها إن كان شعرا أو مقالا أو خاطرة أو قصة للأطفال، نحن نمثل المجتمع وصوته، نرصد قضاياه، نحاكيها ونحكيها، القضايا الإجتماعية والإنسانية تستنفرني كثيرا لأكون بالواجهة وأكتب عنها، بالعكس الكتابة في هذه الفنون تجعلك تبدع اكثر وتعطي أكثر لتقدم منتوجا جديرا بالقراءة والإهتمام.

ـ الشعر كأي فن، إن لم يؤثر في نفس قارئه فلا نسميه شعراً حتى وإن بدت حرفيته عالية، هذا هو المحك الأساسي لكل الفنون، الأثر الذي تحدثه في الروح. ومن حق القارئ أن يبتعد عن  الشعر الذي  يفتقر في مضمونه إلى أية وظيفة فنية، أليس كذلك؟

*الشعر أحد الأجناس الأدبية الذي ظل يستقطب القراء على مدار قرون من الزمن، لأنه يعبر عن الحالة الوجدانية لهؤلاء، هو بمثابة مصل لقروحهم وجروحهم، فرحهم وأملهم، زيارة المريض للطبيب لا تكلل دائما بالتشخيص الفعال قد ينفع الدواء الذي يقدمه الطبيب وقد يفشل وقد يعجز الطبيب في معالجة وتشخيص بعض الحالات ولا يحق للمريض من باب المنطق والأخلاق أن يشكك في قدرة الطبيب والطب الذي يمارسه، نفس الشئ بالنسبة للشعر حتى وان لم يلامس الوجدان له القدرة على التأثير، عندما يصدر القارئ حكما حول نص شعري أو يبدي اعجابه أو سخطه أو يقوم بتحليل النص ومحاولة فك رموزه دليل قاطع على أن الشعرلا يمس فقط الوجدان، بل يشحنه و يغذيه أيضا.

ـ هناك من ينظر إلى قصيدة النثر على أنها السقف الأعلى للإبداع، وأيضا هناك من ينظر إليها على أنها فارغة المضمون والشكل، وأنتِ ما هي نظرتك لها؟

*القصيدة النثرية هي كما يصفها المتتبعين للشأن الأدبي بأنها قطعة نثرية خرجت عن المألوف وعن قواعد الشعر الموزون والمقفى، على حسب تقديري تربعت القصيدة النثرية على أنواع الشعر وأصبح لها جمهور واسع وشعراء لهم وزنهم، من أبرز روادها أودنيس، سليم بركات وغيرهم... فأصحاب رأي القصيدة النثرية فارغة الشكل والمضمون هم من دعاة الكلاسيكية التقليدية ودعاة هدم لكل ما هو جديد، لكل عصر شعره ورواده ونحن بعصر رواج القصيدة النثرية، القارئ مل من الأشياء التقليدية يريد أشياء جديدة تشبع شغفه ووجدانه بطريقة فنية وبأسلوب شيق.

ـ ما هي المزايا التي تجعل القصيدة ناجحة ، هل هي الصورة الشعرية، مع الموسيقى، والإحساس في الدرجة الأولى ؟ أم أن أسم الشاعر أو الشاعرة يكفي؟

* القصيدة التي لا تكتب بإحساس تموت فوراً ، سر نجاح أي قصيدة مرتبط بالأحاسيس والشاعرية التي كتبت بها القامة نزار قباني ومحمود درويش ما سر نجاحهما ؟؟؟ أعتقد وأجزم أنه لولا شاعرية نزار ومحمود درويش لما حققت قصائدهم كل هذا التألق والشهرة فبعض قصائدهم تحولت الى أغاني خالدة، لا أعتقد أن أسم الشاعر أو الشاعرة دليل نجاح قصائده، النجاح يأتي من أسلوبه والصور التي وظفها والشاعرية التي كتب بها الكاتب الشاعر سليم بركات لم يحظى بهذا الإهتمام العالمي وترشحه لنيل جائزة نوبل لم يكن صدفة بل رافقه إبداع وتألق للتحف الفنية التي يكتبها رواية كانت أو شعر.

ـ ما هي العوامل التي تؤدي إلى انحدار مستوى الشعر؟ هل هي قلة القراءة، أو عدم الوعي الثقافي ، ونقص الاضاءات المرتبطة بالمشاعر والروح الرومانسية و الطبيعة بها ، أو السرعة بالكتابة وعدم التأني الذي يؤدي هذا إلى عشوائية النص الأدبي مثلاً؟

* باعتقادي هناك عوامل كثيرة أدت الى تقهقر مكانة الشعر ببقية الفنون الأدبية وبالأخص الرواية التي سيطرت وبقوة على مشهد الساحة الأدبي، لقد هجر القراء القراءة وقراءة الدواوين الشعرية ربما لسبب الرمزية والذاتية وبعدها عن معالجة قضايا الناس، هذا من جهة ومن جهة اخرى غياب اللقاءات والأمسيات الشعرية ساهمت في شل الحركة الشعرية عزوف الجمهور عن قراءة الشعر، اضافة لغياب النقد والاعلام المرئي والرقمي الذي جعل ثقافة الصورة والمشهد أهم من ثقافة الكلمة على يقين بعد هذا الركود ستعود نهضة الشعر وسيتربع على عرش الفنون.

ـ هل الشاعر والمبدع بشكل عام في الجزائر يعاني من حصار للكلمة؟

* بعد الإستقلال وفي ظل البناء والتشييد ونظام الحزب الواحد لم يكن الوقت متاحا للسماح بالحرية المطلقة في التعبير او الكتابة بعد إقرار دستور الإنفتاح عام 1989 شهدت الجزائر ميلاد أحزاب سياسية جديدة وأصبح للكاتب حرية أكثر في التعبير عن رأيه والتحدث في المواضيع التي كانت تصنف ضمن الممنوعات والمحرمات.

ـ هل أنتِ جريئة في كتاباتك، وما مدى هذه الجرأة، ثم  أليس من الأفضل والأجمل أن يكون المبدع جريئا؟

*لادين للأدب ولا أقنعة عليه إذا أردنا أن نحلل الواقع والوقائع علينا أن نكتب بجرأة ونكسر التابوهات ونصف الاشياء بوصفها، هذا إذا أردنا الصلاح لمجتمعاتنا الجرأة ليست معياراً للإبداع لكن من باب الأمانة الأدبية أن نكتب في كل شئ وبدون تحفظ.

ـ إلى أي مدى استفادت الكاتبة والشاعرة (حورية عمران) إبداعيا من البيئة الجزائرية الغنية والمتنوعة وخاصة بيئة مدينتها مروانة وولايتها باتنة، كيف يتم تناولكِ لهذه البيئة؟

*الكاتب ابن بيئته وأنا ابنة ريف الهنشيرة التابع لمروانة ولاية باتنة، أنحدر من أصول امازيغية، باتنة رمز الصمود منها انطلقت أعظم ثورة في تاريخ البشرية ثورة الفاتح نوفمبر 1954، الريف لا تزال روائحه تدغدغني، كتبت نصوصا عن بيئتي بالأمازيغية وأرغب بكتابة رواية عن والدي المجاهد محمد عمران الله يرحمه لانه شخصية وطنية ظلمها التاريخ.

ـ كتابة القصة فن ليس بالسهل، وتحتاج إلى مهارات فنية عالية وموهبة استثنائية، ولمضمون و فكرة مترابطة و مخزون إيجابي في طريقة السرد، ومع ذلك يقول البعض إن القصة ما هي إلا تدريب على كتابة الرواية، ما رأيك بمثل هذا الكلام؟

*القصة فن لها مقوماتها وألياتها والرواية أيضا، فالرواية هي قصة طويلة أو مجموعة قصص أكثر حبكة وسردا من القصة ،حسب رأيي تبقى القصة قصة كفن مستقل عن الرواية.

ـ يلاحظ  أن القصة المكتوبة بلغة شعرية عالية لها جمهور لا يستهان به عكس القصة المكتوبة بلغة السرد البسيطة ، فهل تكتبين  باللغة الشعرية أم باللغة البسيطة؟

* لسنا أمام قراء من نفس المستوى الفكري والثقافي هناك اختلافات وتباين في وجهات النظر حتى عند فئة وجمهور المفكرين والأدباء والكتاب، ما أقصده أن كتابة القصة تختلف ما بين اللغة الشعرية والسرد البسيط فلكل لغة جمهورها وعلى حسب المواضيع المتداولة، بالنسبة لي القصص الإجتماعية تحتاج للسرد البسيط فالقارئ هنا لا يحتاج اللغة الشعرية وبالنسبة للقصص العاطفية والرومانسية فبهارتها في اللغة الشعرية.

أنتِ كشاعرة وكاتبة كيف ترين الحركة النقدية في الجزائر،هل تهتمين بالنقد والى  أي مدى يؤثر رأي الناقد على القارئ، هل يصادر رؤيته للنص؟

* النقد يعلمنا كيف نقرأ النص و نستنطقه وكيف نحييه، هو عملية غربلة وتمحيص للمنتوج الأدبي مع ذكر ايجابياته وسابياته ونقاط قوته، الحركة النقدية بالجزائر شبه مشلولة إلا من بعض أقلام بعض أساتذة الجامعة نظراً لغياب وتغييب الناقد قد يكون إرادياً أو غير إراديا أو عدم وجود ناقد اكاديمي، إضافة إلى عدم نشر الجامعات للبحوث والدراسات النقدية حيث تبقى حبيسة رفوف المكتبات الجامعية، عدم وجود تنسيق بين الجامعات والهيئات كاتحاد الكتاب وغياب الإعلام كل هذا أدى إلى شل الحركة النقدية النقد بمثابة ترمومتر لقياس الإبداع في المنتوج الأدبي، رواية الكاتب السوداني الطيب صالح " موسم الهجرة إلى الشمال" النقد هو من صنعها وأرخها وأشهرها، أقول لك سراً بحجم تجربتي المتواضعة راسلت العديد من الدكاترة وأساتذة الجامعات ليعملوا دراسة نقدية لأعمالي بعضهم رفض والبعض الآخر لحد الساعة لم يرد للأسف الشديد.

ـ بعد دواوينكِ الشعرية "الرقص على شفاه مرايا الموج "و" حنين الأرصفة" و" عناق الأشجار" ما الجديد في جعبتك؟

* مستقبلا أنوي طبع ثلاث قصص للأطفال وفيه ديوان مشترك مع القامة العراقي حيدر غراس مع مجلة نبضات عربية بمصر.

ـ إلى ماذا يحتاج الإبداع النسائي؟ إلى مزيد من الحرية بمعناها العميق والشامل أم إلى أشياء أخرى؟ وهل تواجهين أية صعوبات،معوقات، تحجيم دور، تقييد حرية،  باختصار ماذا ينقصكِ كامرأة لتبدعي أكثر وأكثر؟

* الإبداع النسائي يحتاج إلى الإعتراف بأن هذا الذي يكتب أمرأة وليست أنثى ما بين قوسين، تحتاج المرأة أن تتحرر من بعض العادات السيئة وأن تقف في وجه المجتمع وتقول كلمتها بدون خوف، أقصد التحرر من خرافة أن المرأة مكانها البيت أو المدرسة، اكيد كوني امرأة تعترضني بعض العوائق فبحكم العادات وبحكم التقاليد يتوجب علينا ان نعمل كونترول لبعض الأفكار وهذا سئ، احتاج أن أتحرر من هذه الأفكار ونحتاج أن ينظر لعمل المرأة كعمل أدبي بعيدا عن التحيز وبعيدا عن التصنيفات التي لا أحبها، أرفض مصطلح الأدب النسوي، الأدب أدب لماذا نجنس الأدب أوليس هذا انقاصا من دور وعمل المرأة الأدبي.

وحورية عمران كاتبة وشاعرة جزائرية من مدينة مروانة/ ولاية باتنة، تعمل مديرة مدرسة في مدينتها، لديها العديد من الأعمال الادبية التي تنتظر الفرصة للطباعة، منها مسرحيات ومجموعات قصصية للأطفال، تنشر نتاجها في الدوريات الجزائرية والعربية، وقد صدرت لها حتى الآن دواوين "الرقص على شفاه مرايا الموج"، "حنين الأرصفة"، "عناق الأشجار".