عزيز توما يؤكد أن القلق والنزاعات والحروب تقتل الإبداع

المترجم السوري: على المترجم أن يتمتع بمعرفة عالية باللغتين ومعرفة عميقة بالنص الذي يراد ترجمته.
المترجم لا بد أن يشعر بالإيقاع الكثيف والمعتم للنص ولغته قبل الاشتغال عليه
الترجمة تعني التواصل مع العالم والتثاقف معه، والأمانة مطلوبة لتحقيق عرى التفاهم بين العالم بعيداً عن التمركزات الهدامة 

كاتب ومترجم سوري، من مواليد مدينة القامشلي، حائز على إجازة في اللغة الفرنسية وآدابها من كلية الآداب بجامعة دمشق، ودبلوم من معهد اللسانيات التطبيقية من فرنسا، يعمل مدرساً في مدارس محافظة الحسكة، وينشر نتاجه من أبحاث ومقالات في العديد من الدوريات المحلية والعربية.
صدر له ترجمات عديدة عن الفرنسية إلى العربية أهمها ترجمة كتب: عنف العالم للمؤلفين: جان بودريارد وادغار موران- دار الحوار، سورية ، اللاذقية. أحادية لغة الآخر: جاك دريدا- دار الحوار. حمى الأرشيف الفرويدي: جاك دريدا – دار الحوار. المهماز، أساليب نيتشه: جاك دريدا - دار الحوار. مشاعر: جاك دريدا- دار الحوار. الإله والدولة: ميخائيل باكونين- منشورات نقش (قيد الطبع).
قال عن نشأته وتعليمه ومؤلفاته وترجماته: أنا من مواليد القامشلي 1958، حاصل على الإجازة في اللغة الفرنسية وآدابها من جامعة دمشق وكذلك دبلوم في اللسانيات التطبيقية من فرنسا. لي دراسات في تاريخ الأفكار والظواهر الثقافية منشورة في الدوريات العربية ولاسيما مجلة "كتابات معاصرة" اللبنانية. أعمل أيضاً في حقل الترجمة من الفرنسية إلى العربية، ونشرت كتباً متعددة، منها على سبيل المثال لا الحصر، "عنف العالم" لـ جان بودريار وادغار موران، "المهماز" لـ جاك دريدا، "أحادية لغة الآخر" لـ جاك دريدا. 
وأضاف: بصدد النقد، لا بد من التعامل بحذر مع هذا المصطلح بسبب بعده المعياري والغارق في الميتافيزيقيا الضدية والذي راج عميقا في التاريخ. أعني النقد المؤطر بتحديدات تخص المعنى والحقيقة على حد سواء. جاءت المناهج الحديثة كثورة على التقليد الكلاسيكي، أذكر منها "البنيوية" و"السيميائية" وصولاً الى التفكيكية، وهو المنهج الذي اعتمده جاك دريدا لقراءة الظواهر الثقافية النصية انطلاقا من البعد الاختلافي للمعنى، لأن مثل هذا "المعنى" مشروط حسب دريدا بميتافيزيقيا "الحضور.
وعن الذي شدّه للبحث والتمحيص في عوالم هذا الفيلسوف الفرنسي دريدا قال: هو عالمه الغرائبي وأفكاره المثيرة للجدل. تعجبني جمالياته في الكتابة، وانزياحاته المجازية المكثفة، وبحثه المضني عن المواضيع غير المطروقة. نحن أمام فكر يفتكر الرغبة المنفتحة على الاختلاف وبثراء دلالي بلا حدود. 
ما شدني أيضاً خاصياته الأسلوبية حيث يختلط الملفوظ الخطابي بالملفوظ التحليلي، وتمتزج المفارقات الشعرية الجريئة بأنماط النصوص المعقدة. بل إن هناك، من ضمن كتبه مثل "نواقيس" Glas و"البطاقة البريدية" La carte postale نزوعاً لاستراتيجية كتابية لم يسبق أن توعدنا عليها من قبل، فهي تباغت القارئ الذي اعتاد على اعتماد الطرق التأويلية التقليدية الكلاسيكية .
وأضاف عزيز توما أن الترجمة تعني التواصل مع العالم والتثاقف معه، فالأمانة مطلوبة لتحقيق عرى التفاهم بين العالم بعيداً عن التمركزات الهدامة.  
وعلى المترجم أن يتمتع بمعرفة عالية باللغتين ومعرفة عميقة بالنص الذي يراد ترجمته، لأنه بصدد بناء نص جديد على أنقاض النص الأول. إنها كينونة جديدة موعودة أو ما يسمى سيادة السيولاكر، والاحتفاء به في أقصى مراحله. 
ولقد أشرت إلى "الأمانة"، وطالما ثمة انفصال عن الأصل، فإن الترجمة تغدو "قراءة"، وطالما هي قراءة فإن ثمة إمكانية للتعدد والممكنات، وهذه ليست خيانة للأصل إنما لأن النص الجديد مرهون بالاختلاف. 

Translation
ترجمة نصوص إشكالية معقدة 

وعن تجرية مشاركة مترجم آخر معه وهو الباحث إبراهيم محمود ليشارك في ترجمة  "الإقامة في السعادة" وهي نصوص فرنسية لمجموعة من المؤلفين قال: مشاركة الصديق الباحث إبراهيم محمود كانت ضرورية، أكثر من ذلك كانت تتركز على فكرة استنطاق المفاهيم. فقد كنا بصدد ترجمة نصوص إشكالية معقدة كنصوص دريدا التي تمتلئ بالثقوب العنيدة فكان لا بد من أن نسلك مسارا مغايرا نعرج بها من الأفقي إلى العمودي. وعليه، نجحنا معاً في ترجمة خمسة كتب.
ويرى عزيز توما أن الترجمة ضرورية، وذلك لتحقيق التثاقف والتواصل مع الآخر، وكما تعلم لا تتحقق الأنا بمعزل عن الآخر. هذا التواصل بحد ذاته لا يتم من دون اللجوء إلى الترجمة. 
وثمة شروط يجب أن تتوفر بالمترجم تتركز على معرفة واسعة باللغات زائدا معرفة كبيرة بالموضوع المطروق. 
غير أن العرب مازالوا يعيشون على الماضي الذي خلفه لهم الأجداد، بل يتغنون به دون أن يفعلوا شيئا جديدا، وهم شعب استهلاكي تابع للغرب، وكان بإمكانهم ان يستفيدوا من العولمة ومما وصل إليه العالم المتمدن من تطور في كل مجالات الحياة ولكنهم بدلاَ من ذلك قاموا بإنشاء الفضائيّات/ الفضائحيات العربيّة وهي الآن تتكاثر كالطّحالب في سمائنا، وتنفث سمومها، وكل دورها هو الإفساد والتّخريب، والعرب إلى الآن لم يـأخذوا من الحضارة سوى قشرتها.
وفي هذا الإطار يرى عزيز توما أن دولة مثل اسبانيا تترجم إلى لغتها ما يعادل الترجمة الى العربية في العالم العربي. ولاشك أن الاستفادة من تجارب الأمم وخبراتهم والتعلم منهم ليست عيباً. لكن "الكبرياء" والتمركزات حول الهوية وتضخيم الذات هي بالتأكيد وراء هذا النكوص العربي. إضافة إلى ذلك غياب الديمقراطية في العالم العربي تقوض بلا ريب كل إبداع وكل حركة إبداعية.
ويحدثنا توما عن كتابه القادم "الإله والدولة: ميخائيل باكونين" قائلا: كتاب "الاله والدولة" يأتي ضمن سلسلة الدراسات اللاسلطوية (الأناركية). فلسفة. الواقع أن المحطة الأساسية في كتاب باكونين يتمثل في نقده لمفهوم الدولة بوصفها المؤسسة الخطرة والحاطة من قيمة الإنسان؛ فالدولة كما كتب باكونين تفرض، تحت مظلة الواجب الأعلى، الظلم والقسوة على كل الخاضعين لها. إنها تحد وتبتر وتقتل الإنسان فيهم، بحيث عندما تتوقف كينونتهم الإنسانية لن يكونوا إلا مجرد مواطنين. ويرى أن الدولة، بوصفها سلطة، لا يمكنها أن تضطلع بالمساواة الاقتصادية والاجتماعية بين الناس، لأن بدون المساواة، حسب رأيه، لن تكون للحرية والكرامة الإنسانية والعدالة أية قيمة اعتبارية، ولن تكون سوى افتراءات وأكاذيب. والبديل عن الدولة لا بد أن تكون بنظره الحرية، الحرية بوصفها الضامنة للإنسانية في كل زمان ومكان، والشرط المحوري الذي يجب أن يؤسس عليها التنظيم العفوي للعمل والملكية الجماعية لجمعيات إنتاجية تنتظم بشكل حر في كل المقاطعات.
وأوضح توما أن الترجمة قراءة واستراتيجية. القراءة تميل إلى الكشف عن المضمرات الثقافية. والمترجم لا بد أن يشعر بالإيقاع الكثيف والمعتم للنص ولغته قبل الاشتغال عليه. هذا النوع من الاشتباك مع النص يحرر الترجمة من مراتبية الوسائل والغايات ووهم نقاء النص- الأصل. ويؤكد أن القلق والنزاعات والحروب تقتل الإبداع.