الفترة المظلمة للمكون السني في العراق

المكون السني بحاجة إلى استعادة قيادات مثل أسامة النجيفي تسترجع مكانة مفقودة بددتها الصراعات.

لم يشهد المكون السني وما آل اليه مستقبل جمهوره وقياداته تمزقا وإحترابا وإنقساما وتغييبا لزعاماته المخضرمة وضياعا لحقوق وما رافقها من إنتكاسات خطيرة مثلما هو عليه الحال الآن الذي يعد الفترة المظلمة للمكون السني إن صح التعبير.

ومما يؤسف له أن أقطاب زعامات سنة العراق، ومن أبرزهم أسامة النجيفي وصالح المطلك وإنقراض آخرين لم يعد لهم وجود مؤثر في الساحة السياسية بعدما إرتضوا لأنفسهم بـما يشبه الإقامة الجبرية بعد حالة غياب شبه كامل غير مبررة لهم على الساحة السياسية. وبالرغم من أن صالح المطلك كان له حضور متباعد إن صح التعبير، إلا أن النجيفي هو صاحب الغياب الطويل وقد تركت تلك الغيبة المجال الأوسع لمن ليس لديه تجارب حكم مما يطلق عليه الآن بصبيان السياسة للظهور والتفرد بالساحة وإتهامات من قوى انبارية معارضة ومن محافظات أخرى لهؤلاء الصبية بممارسة الدكتاتورية على أبناء مكونهم بعد أن أغرتهم السلطة وإمتيازاتها لكي يحاولوا أن يكتسحوا الجميع وينزوي الآخرون من أعلام السياسة ومخضرميها البارزين بعيدا عن الأضواء.

ويرى متابعون للشأن العراقي أن مصير المكون السني على هذه الشاكلة يعد من وجهة نظر الكثير من جمهور المكون السني إعترافا منهم بالهزيمة أمام أناس طارئين على السياسة أو جاءوا في غفلة من الزمان وعملوا بكل جهدهم على إزاحة كثير من زعماء المكون السني من المخضرمين، وراح البعض من صبيان السياسة يتهجم عليهم ويحملهم مسؤولية الإخفاقات التي مر بها مكونهم.

بل أن الجمهور السني الذي ملأ الأسى والفشل وفقدان الأمل قلبه ووعيه وتعرض لمختلف انواع الترويع وإستلاب دوره ومكانته كان قد حمل صقور السنة ورجالات سياستهم المخضرمين ما آل اليه الوضع حينما تركوا صبيان السياسة كما يسميهم النائب السابق مشعان الجبوري ومن قال أنهم كانوا يلعبون الدعبل يوم كانوا هم ساسة بارزين، وإذا بصيبان السياسة وقد أجهزوا على حقوق المكون السني وإستحوذوا على كراسي السلطة والمال وهيمنوا على مقدرات مكونهم وإستلبوا دوره وضيقوا الخناق عليه بالإشتراك مع قيادات شيعية شجعت حالات تطاول على رجالات حكم المكون السني وهي من قربت من تجدهم فيهم أدواتها التي تستفيد منهم الى الواجهة ودعمتهم بكل ما يحتاجون من وسائل الدعم والإسناد.

وحتى في ظل عداوات إستعرت بين الصبية وبين رموز المكون الشيعي منذ أكثر من عام، عندما حاول بعض هؤلاء الدخول في محاولات إنقلاب عليهم ووجدوا أنه من الممكن إزاحة هؤلاء الصبية لأنهم تمددوا أكثر من غطاهم من وجهة نظرهم، وراحوا يبحثون عن تحالفات مع قوى خارجية يكيل لهم قادة المكون الشيعي وزعاماته الإتهامات المختلفة، وراحوا يطلبون المزيد من الهيمنة والتسلط على مقدرات المكون السني وإستلاب حقوقه وإيصاله الى مرحلة إنهيار خطيرة لم يعد فيها بمقدوره الوقوف على قدميه، مع كل تلك المحاولات الغاشمة فقد بقيت علاقات هؤلاء تتواصل على أكثر من صعيد لأن ما يجمع بينهم هو المشاركة في الفساد المهول ونهب أموال الدولة والُاثراء الفاحش بالمال العام وتخصيص موارد الدولة لأحزابهم فقط، وكل منهم يريد أن يستر على عورة الآخر كما يقال.

ويرى متابعون أن ما يسمى بـ صبيان السياسة أسهموا في الانغماس في لعبة العمالة مع الآخرين، وهم يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال، بحسب مقتضيات المصلحة وما يحصلون عليه من ثروات وأموال وثقل ودعم سياسي خارجي يخدم توجهاتهم، حتى وأن جرى بيع أسهم مكونهم ومستقبله في المزاد العلني.

غياب النجيفي يطرح علامات استفهام

ويؤكد رجال سياسة ونواب حاليون وسابقون وأوساط وشخصيات سياسية عربية ودولية مهمة ومتابعون للشأن العراقي، أن غياب "زعامة" أسامة النجيفي عن الحياة السياسية في العراق قد أصابت المكون السني بأضرار كبيرة، وشكل هذا الغياب علامات استفهام حول حالة الاعتكاف التي أعقبت خسارته في الانتخابات المبكرة التي جرت قبل أعوام، لأسباب لم تكن معروفة، ربما كان الرجل نفسه أحد أهم أسبابها، لأنه لم يحسن إختيار أدواته أو يعرف خفايا لعبة قانون الانتخابات السابق وما آل اليه من نتائج مخيبة للآمال.

كما أن انسحاب أغلب قيادات جبهة الانقاذ والتنمية منها آنذاك، وتحولهم الى تحالفي عزم وتقدم ومن ثم السيادة بزعامة الخنجر، هو أحد أسباب تلك الخسارة الباهظة. ويلاحظ أن المصالح الشخصية والأنانية الضيقة، هي من تغلبت على كثير من تلك القيادات وأدارت له ظهرها، وحققت الكثير منها مكاسب بفوزها عندما ذهبت لتجد لها مكانا في هذين التحالفين، وهم يبررون حالة إنسحابهم بأنهم لم يجدوا الدعم، وتعرضوا لحالات إغراء بدعم مادي غير محدود من تحالفات أخرى، وتحقق للكثيرين منهم ما أرادوا، وشكل غيابهم عن جبهة الانقاذ والتنمية في وقتها خسارة كبيرة بل وصدمة سياسية ليس لها ما يبررها.

الفترة الذهبية لرئاسة مجلس النواب

يذكر أن نوابا بارزين من المكون الشيعي وحتى قيادات شيعية وفي أكثر من حوار تلفزيوني كانوا قد أشاروا الى أن أسامة النجيفي هو الوحيد من بين كل رؤساء مجلس النواب في العراق من حفظ للبرلمان هيبته، ووضع له أسس بناء الدولة، وكيف يكون له دورا حيويا فاعلا على الصعيدين المحلي والإقليمي والدولي.

وكان البرلمان العراقي من وجهة نظر كثيرين ومن كل المكونات في عهد تولي النجيفي بين أعوام 2010 و2014 يعيش عهده الذهبي، لما يمتلكه الرجل من إمكانات قيادية وادارية وحتى قانونية. وكل من جاءوا من بعده أفقدوا البرلمان العراقي الكثير من تلك المكانة، وأحالوا مجلس النواب الى هيئة أو مؤسسة ضعيفة متهالكة، لم يكن لها أدوار محورية في الثقل والدور والاهتمام والمكانة، كما تقلد النجيفي منصب نائب رئيس الجمهورية في عهد حكومة العبادي، بعد انتخابات 2014 – 2018، قد ادى دوره بكفاءة واقتدار، سواء في رئاسته للبرلمان او ضمن منصب نائب رئيس الجمهورية في الدفاع عن حقوق المكون السني وطرحها على كل المحافل داخليا وخارجيا، وأسهم في حملة تطوير وتوسيع علاقات العراق العربية والدولية، وكان مكتبه أشبه بخلية نحل وهو في حركة دائبة لا تنقطع من اللقاءات والإجتماعات مع كبار السياسيين والدبلوماسيين الذين يحضرون كل يوم لمقابلته عراقيين وعرب ومن مختلف دول العالم والدول الكبرى، للاطلاع على مواقفه التي بقيت محل إشادتهم وثناءهم على مدار سنوات طويلة، لما يتمتع به من حكمة ورجاحة عقل ومبدأ.

بل أن أكثر من أشاد بدور ومكانة النجيفي هم نواب التيار الصدري وقياديوه في سنوات سابقة وحتى الى ما قبل إنسحابهم من البرلمان قبل أكثر من عام، وبخاصة بهاء الأعرجي والنائب عدي عواد، وآخرون من كتل شيعية، كثيرا ما تحسروا هم ونواب مستقلون وقادة سياسيون على تلك الأيام التي قاد فيها أسامة النجيفي رئاسة مجلس النواب، وعدت فترته بـ "الذهبية" في تاريخ البرلمان العراقي، بل والاكثر انتاجا للقوانين وفي فرض هيبة مجلس النواب ورفع شأن نوابه ومكانتهم وادوارهم.

وما يزال الكثير من قادة الشيعة ونوابهم البارزين حتى هذه اللحظة يتمنون لو كان النجيفي على رأس أهم مؤسسة للديمقراطية والرقابة وهو البرلمان العراقي، وهم يعدون أن غيابه أصاب الحياة البرلمانية بخلل ووهن كبيرين وغياب الدور والمكانة، وراحت المؤسسة التنفيذية هي المتحكمة بالفاعل السياسي، وأصيب البرلمان العراقي بانتكاسات خطيرة، ربما سيبقى العراق يعاني من أضرارها لسنوات طوال.

استغراب من اعتكاف النجيفي

ويؤكد سياسيون عراقيون ونواب أنه لا ينبغي للنجيفي، وهو يمتلك مواصفات الزعامة والقيادة والخبرات المتراكمة أن يطول غيابه فعلا عن الحياة السياسية العراقية كل هذا الوقت وكأنه يعيش حالة إعتكاف شبه كاملة، حتى ولو لم يفز كنائب في الإنتخابات السابقة، فدوره ومكانته السياسية محفوظة في قلوب العراقيين، وهم يكنون له كل الاحترام والتقدير، ولا يتمنون حالة الغياب التي لاحظوها هذا الأيام.

والمطلوب من النجيفي كما يتمنى هؤلاء عودته بأسرع ما يمكن، وأن يكون له حضور في الفضائيات والحوارات المعمقة للقيادات السياسية السنية والشيعية والكردية العليا، وحتى مع قادة مكونات وأقليات أخرى، فدور أي زعيم بقدر ما تحفظ له من مكانة في الضمائر والقلوب، وهو ما ينبغي على قادة المكون السني ورموز مكونهم أن يحفظوا للرجل إعتباره، وان يتم اختياره في مركز مرموق يليق بتاريخه ودوره ومكانته، والمؤهلات القيادية للزعامة التي يمتلكها لكي يبقى رصيدهم في الملمات، ومن يرفع من مكانتهم ودورهم، ويقف حائلا دون أن تسرق الأضواء من مكونهم، ومن مكانة حتى بقية شخصياتهم التي يرتفع أسهمها، أن حفظت للرجل ما يستحقه من مكانة.

ويؤكد مهتمون بالشأن السني وباحثون على مستوى رفيع إنه ينبغي على جمهور المكون السني ورموزه المؤثرة ومن شيوخه ووجهائه ونخبه أن يضغطوا لإعادة الهيبـة للقيادات السنية العليا والمخضرمة ومن مارست أدوارا إيجابية يشهد لها بالبنان، لكي تعيد إحياء دورها ومكانتها، لتكون أشبه بـ المرشد الروحي والقيمي لقيادة المرحلة المقبلة، في إطارها الإستراتيجي، وهم يعدون من أصحاب العقل والحل وهم من يحفظون للقيادات الشابة وتلك التي تعاني من قلة الخبرة والدور والمكانة، أن يغمروها بفيض خبراتهم ومكانتهم لتزداد علوا وشأنا، ولكي لا تخضع لضغوط كتل أخرى مهيمنة ربما ستحاول كسر ارادتها، لكي لا تبلغ بعض الأجندات الخارجية، وما أكثرها، أهدافها في تحقيق مكاسب سياسية، تستهدف إضعاف دور ومكانة قادة المكون السني، والهيمنة على مقدرات مكونهم، وتسجل انجازات على حسابهم.

أن أيا من رموز المكون السني الحاليين لم يحققوا أبسط حقوق هذا المكون ودخل قانون العفو العام وإخراج الأبرياء من السجون في غرفة الإنعاش التي تنتظر موتها الأخير. أما بقية المطالب وبخاصة المختطفين والمغيبين التي حاولوا المطالبة بمصيرهم وحقوق عوائلهم التي ثبتوها في منهاج الحكومة الوزاري وتعويضات آلاف الدور المهدمة والأحياء الخراب في محافظاتهم فقد بقيت دون حل، ولم تجد من الطرف الآخر الحاكم آذانا صاغية بالرغم من أنهم إشتركوا معهم في تحالف إدارة الدولة، وأصبحت قضيتهم من ذكريات الماضي بل أن آمالهم في الحصول ولو على مكسب صغير أصبح بعيد المنال.