القاضي يكشف سر اصطحاب نابليون للعلماء في حملته على مصر

الغرب لم يتخلص من الرواسب القديمة ولم يتخل عن المزاعم التاريخية عن الإسلام ورسوله.
ظهور المستشرق المتوفر على دراسة اتجاه محدد في الفكر الإسلامي
لا نستطيع أن ننكر أن مستوى الدراسات الاستشراقية قد نضج وتقدم كثيرا

أحمد عرفات القاضي حاصل على ليسانس اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية دار العلوم جامعة القاهرة وماجيستير الفلسفة الإسلامية كلية دار العلوم جامعة القاهرة ودكتوراه الفلسفة الإسلامية كلية دار العلوم جامعة القاهرة. يشغل حالياً رئيس قسم الفلسفة الإسلامية ومحاضر بجامعتى ASU & Uof A بولاية أريزونا بالولايات المتحدة الأميركية. 
من بين اهتماماته البحثية: "التصوف بين السلب والإيجاب" و"الإباضية بين التطور والجمود .. نشأتهم وأصولهم الكلامية" و"الإسلام والديمقراطية اختلاف الأصول والجذور"، و"موقف المستشرقين من الرسول صلى الله عليه وسلم"، و"قضية الحرية في الفكر الإسلامي المعاصر"، و"فكر المقاومة عند المعتزلة"، و"تجديد الخطاب الديني وموقف المستشرقين من التصوف الإسلامي"، و"أزمة الاستشراق المعاصر - دراسة في فكر برنارد لويس"، و"خصائص الفكر التربوي عند الغزالي"، و"الفكر الطبي عند على بن رضوان" و"الحضارات: صراع أم حوار؟"،  و"رؤية إسلامية ومفهوم الدفع في القرآن الكريم"، و"الدعوة الإسلامية في البلاد غير الإسلامية - في الولايات المتحدة الأميركية وكندا" و"مكانة الإنسان في فكر الاعتزالية الجديدة"، و"المستشرقون ودراسة العقيدة"، و"الفلسفة الإسلامية والتنوير"، و"الاعتزالية الجديدة في مصر"، و"خصائص التربية الإسلامية عند الغزالي"، و"مكانة الجاحظ ودوره فى مسيرة التربية الإسلامية"، و"عوامل نشأة الاعتزالية الجديدة فى مصر"، و"عبدالله بن سبأ بين الحقيقة والأسطورة".

من بين المسلمين من ردد نفس تلك الآراء والمزاعم التي تولى المستشرقون المعاصرون تفنيدها والرد عليها

يؤكد دكتور أحمد عرفات القاضي أن علم الإسلاميات الغربي أو ما يعرف باسم ( Western Islamism) نشأ في الجامعات الأوروبية مع بداية القرن التاسع عشر الميلادي تلبية لحاجة تلك المجتمعات لمعرفة الدراسات الإسلامية وفق المنهج العلمي السليم، بعيدا عن الصورة المشوهة التي سيطرت على الكتابات التي كانت تهدف في الأساس إلى أهداف تبشيرية دينية. ويلاحظ أن تلك الفترة كانت بداية الهجمة الغربية الاستعمارية الشرسة على العالم الإسلامي، ومن ثم حاجة تلك المجتمعات إلى بيانات حقيقية وفق أسس علمية صحيحة عن هذا العالم بعيدا عن الصورة المزيفة التي سيطرت عبر ما يزيد على ثمانية قرون في حديث الغرب عن الإسلام ورسوله، ولعل هذا يفسر لنا سر اصطحاب نابليون بونابرت أثناء حملته على مصر مجموعة من العلماء في كافة التخصصات.
ويوضح القاضي أنه ربما كان السبب في نشأة ذلك العلم، يعود إلى اعتباره أثرا مباشرا من آثار عصر النهضة الأوروبية والتنوير الغربي، الذي كان للحضارة الإسلامية دون أدنى شك دور بارز فيها، ذلك أن بعض المفكرين والكتاب الأحرار أعجب بمحمد (صلى الله عليه وسلم) كشخصية عظيمة استطاعت توحيد العرب وتكوين دولة كبرى، كما فعل ذلك المستشرق البريطاني كارليل فى كتابه عن "الأبطال والبطولة في التاريخ"، ذلك على الرغم من أنه لم يتحدث عن محمد كرسول، وكانت له آراء وانتقادات سلبية عن القرآن الكريم، كما أن بعضهم أعجب بالإسلام في عدم وجود كهنوت، وأنه أقرب إلى النظام العلماني الذى ينشده هؤلاء المفكرون الأحرار، أمثال فولتير، واسبينوزا، فكان فولتير مثلا يتخذ من مهاجمته للإسلام غطاء لمهاجمة الكنيسة، وموقفها المعادي من حرية البحث والتفكير، لدرجة قتل وحرق من يجاهر بذلك، أو يقدم عليه.
ويشير القاضي إلى أن بعض هؤلاء في نقدهم للكنيسة التي وقفت في وجه النهضة والإصلاح، تصدوا للإسلام باعتباره العدو التقليدي للكنيسة الغربية، علاوة على ذلك برزت أكبر حركة نقد واسعة للكتاب المقدس والأسس التي قامت عليها عملية جمعه وتدوينه، وبالطبع مقارنة ذلك بالقرآن، كل هذه العوامل وغيرها ساهمت في التعامل مع الإسلام والمسلمين بروح جديدة ومعايير جديدة أيضا.
لكن ليس معنى هذا أن الغرب قد تخلص من الرواسب القديمة أو تخلى نهائيا عن المزاعم التاريخية عن الإسلام ورسوله وذلك يعود إلى أمرين مهمين: وجود اليهود كجزء أساسى فى هذا العلم، والذين حاولوا تفسير التاريخ الإسلامى على أنه سلسلة من المؤامرت، كما نجد ذلك واضحا فى أعمال مرجليوث، وشاخت، وأخيرا برنارد لويس ودنيال بابيس. وكذلك محاولة ربط الإسلام بالأديان السابقة، خصوصا اليهودية والمسيحية لإظهاره على أنه متأثر بهما. كما نجد ذلك واضحا فى أعمال أمثال شاخت وبلاشير.
يؤكد القاضي أن ارتباط الاستشراق في تلك المرحلة بالحركة الاستعمارية، لم تمكن المستشرقين من تحقيق الحياد الإيجابى أو الموضوعية الكاملة في حديثهم عن الإسلام، وذلك حيث كان العديد من المستشرقين يعملون مستشارين ثقافيين في وزارات الخارجية فى الدول الغربية ومن أشهرهم فى هذا الصدد، جوستاف فون جرونباوم، ولويس ماسينيون.

ويقول الفيلسوف أحمد عرفات القاضي: رغم هذا لا نستطيع أن ننكر أن مستوى الدراسات الاستشراقية قد نضج وتقدم كثيرا في تلك المرحلة؛ مرحلة علم الإسلاميات الغربي ـ مقارنة بالفترات السابقة، التي يمكن أن نطلق عليها مرحلة الأوهام والأساطير. قام العديد من المستشرقين - في تلك المرحلة الجديدة - بتحقيق كتب التراث الإسلامي، ونشرها في طبعات فخمة وأنيقة، وفق منهج علمي سديد. كما قام العديد من المستشرقين أيضا بترجمة أمهات كتب الفكر الإسلامي في كافة المجالات والتخصصات.
ونستطيع أن نحدد الفترة التي ازدهر فيها هذا العلم ببداية القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين أو نهاية الحرب العالمية الثانية، وذلك أن هذا العلم قد تطور بعدها وشهد مرحلة جديدة من مراحل الدراسات الاستشراقية، وهي التي يمكن تسميتها بالمرحلة المعاصرة، وهي تتميز عن المرحلة السابقة بسمات وخصائص ليس هنا مكان سردها.
ويمكن أن نميز بين ثلاث مراحل متعاقبة في نشأة وتطور هذا العلم:
أولا: مرحلة النشأة وتشمل بداية القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر وفيها ظهرت دراسات كثيرة عن الشرق، كما كانت الدراسات في تلك المرحلة تتسم بالعموميات، فأي رحالة يزور الشرق يدون ذكرياته عن العالم الإسلامي أو دبلوماسي يعمل في الشرق يكتب عن الإسلام. 
والمرحلة الثانبة: هي التطور وتبدأ من منتصف القرن التاسع عشر وحتى نهاية القرن العشرين، ويمكن أن نسميها بعصر رينان الفيلسوف الفرنسي الشهير صاحب كتاب "ابن رشد والرشدية" والذي تناظر معه جمال الدين الأفغاني في زعمه بأن العقلية العربية ليست عقلية فلسفية، وفي تلك المرحلة ظهرت طائفة المستشرقين المتخصصين في الدراسات الإسلامية أمثال مرجليوث وجب وبلاشير وغيرهم.
مرحلة النضج والازدهار وتبدأ ببداية القرن العشرين وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد شهدت هذه الفترة ظهور دائرة المعارف الإسلامية التي شارك فيها عدد كبير من المستشرقين، والتي كانت تعد حدثا ضخما بكل المقاييس في ذلك الوقت، وتتميز هذه المرحلة بأنها مرحلة التخصص الدقيق بمعنى ظهور المستشرق المتوفر على دراسة اتجاه محدد في الفكر الإسلامي، مثل ماكس ماير هوف في أبحاثه عن التراث العلمي في الإسلام. وكارل هينرش بكر في أبحاثه عن فلاسفة الإسلام. ونيكلسون وماسينيون في أبحاثهم عن التصوف. وكان كل واحد منهم يمثل مدرسة متميزة في أبحاثه عن الدراسات الإسلامية.
وقد ظهرت في علم الإسلاميات الغربي مجموعة قضايا، عمل عدد كبير من المستشرقين على إثارتها، مثل القول بأن الإسلام دين، ولكنه لا يشتمل على نظام سياسي أو اجتماعي معين، وأن على العالم الإسلامي متابعة النظم الغربية إذا أراد التقدم والاستمرار. وقد وجد من بين المسلمين من ردد نفس تلك الآراء والمزاعم التي تولى المستشرقون المعاصرون تفنيدها والرد عليها. كما شهدت هذه المرحلة ظهور الدعوة إلى الحوار الديني والحضاري والتي تبناها أمثال لويس ماسينيون.