القانون البولندي ومسيرة العودة

صدق من قال: "من يعش رجباً يرى عجباً". وها نحن في شهر رجب نرى العجب العجاب، ولعل أبرز مظاهر ذلك في الآونة الأخيرة حين تعترض سلطات الاحتلال الإسرائيلي على بولندا لإصدارها قانوناً يمنع تنسيب جرائم النازية إلى بولندا.

وفي هذا القانون يعمل المسؤولون البولنديون على محاربة عبارات مثل "معسكرات الموت البولندية" التي تم بناؤها واستخدامها من قبل ألمانيا النازية على الأراضي البولندية المحتلة من ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية، بسبب انتشار هذه العبارات في بعض الدول في أنحاء العالم.

ويخشى البولنديون بأن الأجيال الجديدة ستصادف خطأ في تسمية البولنديين على أنهم مرتكبو "الهولوكوست"، تزامنا مع مرور الكثير من الزمن على انتهاء الحرب وأبعادها.

وقد دخل هذا القانون حيز التنفيذ في الأول من مارس الماضي، مما أثار حفيظة الاحتلال والإدارة الأميركية الراعي الرسمي لهذا الكيان الغير شرعي.

وكعادة الاحتلال في كل عام لا بد له من ممارسة عاداته في ممارسة الابتزاز للخيرين والسذج في العالم من التذكير بتراجيديا "الهولوكوست" عبر ما يسمى بـ"مسيرة الحياة" في بولندا، وقد كانت اليوم بمشاركة أكثر من 12 الف شخص حسب تقديرهم ـ يقومون بمسيرة ميلين من معسكر أوشفيتز إلى بيركيناو، يقودهم رؤوفين رفيلين رئيس الكيان ويرافقهم رئيس أركان الجيش الجنرال غادي آيزنكوت، رئيس الموساد يوسي كوهين، رئيس جهاز الأمن الداخلي في الشين بيت نداف أرغمان، ومفوض الشرطة الإسرائيلية روني الشيخ، وهذا ما يعتبر العجب العجاب، خاصة عند تأكيدهم على المستوى الأخلاقي للاحتلال؛ كما تحدث مسؤول شرطة الاحتلال قائلاً: "ضباط الشرطة هم ضمان الوجود الأخلاقي للمجتمع الإسرائيلي، وهو ما لا يقل أهمية عن حماية حدود البلاد، وأحيانا أكثر أهمية". وقال "نحن على العكس من الرجال الذين يرتدون الزي العسكري النازي الذين ارتكبوا هذه الجريمة الفظيعة ومكنوها في تاريخ البشرية."

واستمراراً في استغلال وابتزاز السذج والأبرياء؛ يقوم داني دانون ممثل الاحتلال في الأمم المتحدة باصطحاب مجموعة من السفراء لدى الأمم المتحدة، حيث تم تنظيم حضورهم على يد الحركة الصهيونية الأميركية للمشاركة في هذه المسيرة.

في هذا الوقت بالذات، الذي يصرخ فيه رموز الاحتلال المشاركون من رموز الاحتلال في "مسيرة الحياة" في بولندا مذكرين العالم الغربي بالجرائم التي ارتكبت في الحرب العالمية الثانية، هم من يمارسون أبشع الجرائم المحرمة دولياً في حق أبناء الشعب الفلسطيني الذي يعاني من هذه الجرائم قرابة قرن من الزمان.

ومن عجائب رجب؛ أن مسيرتهم في بلد أخر حلال، أما مسيرة العودة السلمية التي يقوم بها الفلسطينيون للتذكير بحق العودة محرمة وتواجه بالقتل!

قيادات الاحتلال هذه هم من أطلقوا عناصرهم لارتكاب أفظع الجرائم هذه في حق الشعب الفلسطيني الأعزل والذي تكفل له المواثيق الدولية الحق في مقاومة الاحتلال بكافة الوسائل الممكنة، هذه الجرائم باتت موثقة بحقيقتها الفاضحة حيث أن عناصر الاحتلال هم من يقومون بتوثيق جرائمهم في حق الفلسطينيين ويبرزون فيها حقيقة العنصرية التي يتصفون بها، والتي تقابل بالدعم والتأييد من القيادات وفئات عدة في المجتمع الإسرائيلي، بل يمكن القول إنها باتت سياسة تتبع دون عقاب!

غداً يبدأ الأسبوع الثالث لمسيرة العودة، تُرى هل سيمتنع الاحتلال عن قتل والتسبب بالإصابات والأذى للأبرياء المشاركين في المسيرة السلمية، تماشياً من شعورهم بالظلم بعد المشاركة بـ"مسيرة الحياة"؟

تُرى هل الغازات الكيماوية والقذائف المحرمة دولياً التي سيستخدمها الاحتلال غداً؛ ستثير حساسية لدى الإدارة الأميركية فتوجه حاملة الطائرات ضد "تل أبيب" أم ستجد أنها غير كافية، فتسارع بتزويد الاحتلال بما هو أفظع؟!

هل جرائم حقوق الإنسان التي ترتكب من قبل الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين تكفي لتحريك الضمير الدولي أم أن كمية الدم المسفوح لا تكفي لإيقاظ هذا الضمير؟!

أخيراً، هل ستواجه القمة العربية هذه الحقائق وتعمل وفقاً لميثاق جامعة الدول العربية وقيم العروبة والدين، أما أنها ستملئ خزينة الاحتلال بالمال اللازم لشراء أدوات القتل والنفي والتشريد؟!

آه ما أجملك يا شهر رجب حين تكشف عن أعيننا غيوم الوهم، فنصبح قادرين على معاينة الحقيقة العارية.