القلق الوجودي في الرسائل الاتصالية بشأن كورونا

تنوعت الرسائل الا ان اغلبها يعبر عن قلق بالغ من الانزلاق نحو المجهول.

رافق اجتياح وباء كورونا لدول العالم واحدة بعد الأخرى، طوفان من الرسائل الاتصالية التي تبث عبر وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهاتف النقال، بشكل "ربما" لم نشهد له مثيلا تجاه موضوع معين اجتمعت عليه شعوب العالم سابقا.

وتتنوع الرسائل الاتصالية ما بين محذرة، ومعبرة عن الخوف، والدعوات للالتزام بالبقاء في المنازل، وتطبيق حالة الطوارئ الصحية، كما أنها في الوقت نفسه لم تخلوا من تعابير السخرية والمرح، والرسائل السياسية والايديولوجية لاسيما الدينية السلفية منها.

ورغم تنوع الرسائل تلك الا ان اغلبها يعبر عن قلق بالغ من الانزلاق نحو المجهول، وتعرض الجنس البشري الى ابادة غير مسبوقة بواسطة عدو غير مرئي عجزت التقنيات الطبية والصحية المتطورة عن مواجهته.

قلق وجودي يبدو مشروعا، ويعيد الى الاذهان عملية التفكير بحتمية الموت ولاجدوى الحياة وعبثيتها، كما تناول ذلك المفكرين الوجوديين ابتداء من كيركجورد وصولا الى سارتر.

يذهب بيرلز Barles الى "إن القلق هو الهوة بين الحاضر والمستقبل فكلما ابتعدت عن ركيزة الحاضر المؤكدة بأمنه، وانشغلت بالمستقبل عانيت من القلق"، فيما يرى يالوم Yalom أن قلق الموت هو صميم القلق الوجودي، ويعنى به القلق إزاء فكرة انتهاء وجود الإنسان بوصفه كينونة Be To Ceasing بكل ما تنطوي به الكينونة من معان وجوانب.

واذا كان الفلاسفة الوجوديون يربطون القلق بالحرية كما يفعل كيركجورد، او بالفعل كما عند سارتر، فأن الأمرين نجدهما حاضرين عبر الرسائل الاتصالية في زمن الكورونا، سواء تلك التي تلبس الرداء الديني ام الاخرى التي ترفض الدين متشبثة بالعلم فقط. فكلا النوعين من الرسائل نجدهما يتعلقان بأمر واحد وهو مآل البشرية، وما الذي يمكن ان يقوم به الانسان تجاه الخطر الذي يحدق به ويهدد وجوده. هل يستكين للعزل والبقاء حبيس المنزل بانتظار امر يقرره الاخرون نيابة عنه، وبذلك يفقد حريته التي يبحث عنها، ويسلم قياده مذعنا للسلطة التي تدير الامور كما تراها من جانبها، ام يقرر ابداء فعل ما ليحافظ على وجوده وحريته، وما هو الفعل الي يمكن ان يقوم به؟

من هذا يمكن ان نفهم تمرد البعض على قرارات منع التجوال والتوجه نحو المراقد الدينية التماسا للنجاة من الوباء، ليس الا تعبيرا عن القلق الذي ينتابهم من الخطر، والنهاية، وان الوسيلة هي كسر المحظور البشري والالتجاء الى ما اباحه الايمان بالتوجه نحو الأضرحة المقدسة لرفع الدعاء. فهناك يكمن الخلاص، الذي هو في الحقيقة الشعور بنوع من الرضا والصفاء الداخلي الذي ينتاب المرء عند تحقيقه ما يؤمن به بمواجهة السلطة، عندها يمارس حريته بالكامل وبالتالي فأن العدو الحقيقي لا يكمن في الوباء وانما في عدم الالتقاء مع الرب بممارسة الطقوس التي عادت جزء من الحياة اليومية، لاسيما عند اولئك الذين فقدوا اية معاني للحياة وكلّ ما عليهم ان يؤثثوا آخرتهم وفق الخطاب الديني.

ولا يختلف في هذا الدعاة الى البقاء في المنزل، وترك الامر للعلماء والاطباء الذين يمارسون عملهم بدراية وبذلك فأن الامر موكول اليهم لانقاذ البشرية، فالإنسان الفرد هنا يعبر عن القلق من عجزه عن المواجهة ولاسيما انها شيء ما غير مرئي، لا يعرفه الا المختصون، ومن هذا فأن ما حصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهاتف النقال هو تبادل للرسائل التي تحمل معلومات عن هذا "الوحش الاسطوري" المتمثل بالفايروس المتناهي الصغر، حتى دون الخوض في صحتها ودقتها ومدى مطابقتها للآراء العلمية. كون المسألة هنا لا تتعلق بالمعرفة العلمية المجردة، بل بالبحث عن وسيلة لتفادي القلق الذي ينتاب الإنسان ويضعه في مواجهة الموت بشكل مباشر. انه يريد ان يتشبث بأية معلومة من اجل ان يحصن نفسه. الجميل في الامر هنا أن هؤلاء الناس لا يقفون عند معرفتهم بل يعملون على مشاركة المعلومات مع الآخرين، ربما هذا يشعرهم بالمزيد من الاطمئنان، لأن الأمر وفق العمليات الوقائية تجعل من اي شخص آخر حاملا محتملا للخطر، اي أن الآخر اصبح في دائرة المحظور الذي يجب تجنبه من اجل الابتعاد عن الفايروس، وهذا ما يمنح العلاقات الاجتماعية وجهين متناقضين في الوقت نفسه. فمن ناحية نتجنب التواصل مع الآخرين بشكل مباشر خوف ان يكونوا حاملين للفايروس، وفي الوقت نفسه نحاول مواجهة الحجر المنزلي عبر التقنيات التي مكنتنا منها التطورات التقنية الكبيرة في مجال الاتصال والمعلوماتية، وسواء أكنا مرسلين ام متلقين فأن استمرار العملية الاتصالية تشعرنا أن الوجود مستمر، وان ما تواجهه المجتمعات الأخرى ربما هو الأسوأ.