الكاظمي أضعف بكثير مما كان يتصوره الأميركيون

خيارات كثيرة للادارة الأميركية لمعالجة تداعيات الأزمات المستفحلة في العراق.
شخصيات سياسية من الوسط الشيعي تتمنى تحقيق استقلال العراق بدل التبعية المريرة لايران
قادة الكرد وحتى جمهورهم لا يخفون وجود رغبة في وضع حد للتمادي الشيعي الموالي لايران
من أسوأ الخيارات انسحاب اميركي عسكري وسياسي كلي، وترك العراق يواجه مصيره وحيدا

يؤكد خبراء ساسة أميركان، ومن دول المنطقة، أن خيارات الادارة الاميركية تجاه الازمات المستفحلة في العراق، وتفاقم التهديدات التي تغذيها قيادات وشخصيات سياسية موالية لإيران، داخل الحكومة العراقية، من أجل التصعيد مع الولايات المتحدة، يضع الاخيرة أمام خيارات صعبة، أبرزها أن البلد بحاجة فعلا الى "استراتيجية مواجهة جديدة"، ينبغي وضع سيناريوهاتها منذ الآن، لمواجهة تهديدات إيرانية، تأخذها الادارة الأميركية على محمل الجد، وتشكل خطورة على الوضع العراقي، وعلى مصالح الولايات المتحدة، ليس في العراق فقط، بل على مستوى المنطقة برمتها.

وإحدى السيناريوهات المحتملة للتعامل مع الوضع العراقي، إيصال رسالة قوية من كل القيادات العسكرية والسياسية الاميركية، إن عدم جدية رئيس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي في لجم التوجهات العدائية ضد الولايات المتحدة، وبتحريض مباشر من إيران، فإن تأييد الولايات المتحدة لحكومته سوف يتوقف كليا، وقد تضطر الادارة الاميركية لإتخاذ "أسوأ الخيارات"، لاعادة نظرها بالعملية السياسية برمتها في العراق، واتخاذ خطوات أكثر جدية بالبحث عن شركاء آخرين، أكثر قدرة على تحجيم الدور الايراني ووضع حد لهيمنته على مقدرات العراق. بل ولديهم الرغبة بتدعيم حالة الاستقرار في العراق ودول المنطقة، من خلال إقامة نظام سياسي عراقي مطعم بقيادات عسكرية وسياسية من مكونات عراقية مختلفة، من خارج المنظومة الحاكمة حاليا، لديها الاستعداد لوضع حد لحالات الانفلات والفوضى والتصدي الجدي والفعال للتدخل الايراني السافر في الشأن العراقي، وبعضها شخصيات سياسية من داخل "الوسط الشيعي" نفسه، لديها الرغبة بتحقيق قطاعات شعبية، تعرضت لانهيارات اجتماعية ومستويات عيش متدن، ولا تؤمن بالهيمنة الايرانية على مقدرات العراق، وهي تتمنى تحقيق سيادة البلد واستقلاله، بدل "التبعية المريرة" التي حكمت مسار أغلب التوجهات السياسية لقادة التحالفات الشيعية المنقسمة على نفسها، وفيها اوساط ترغب بأن تنتهي العملية السياسية ويقام نظام سياسي اكثر عدلا وأكثر إستقرارا مما هو عليه الان، ويشكل المتظاهرون والقوى الشعبية احد ركائزه المهمة للتغيير المرتقب.

لقد حذرت قيادات عسكرية أميركية من البنتاغون ومن السي آي أي، ومن مراكز بحثية، من أن أحدى البدائل المقترحة للأميركان هو نقل السفارة الاميركية من بغداد الى الأنبار، وتحريض المحافظات الغربية على التمرد على الحكومة، وكذلك حث الكرد للتناغم مع هذا التوجه بايجاد تحالف مشترك يضع حدا لانفلات الوضع في العراق، ودعوة القيادات الشيعية العراقية للانضمام الى هذا المحور، ان ارادت تخليص نفسها وشعبها من تبعات مخاطر لا تهدف الى تقسيم العراق بقدر ما هو اعادة رسم معالم الطريق الجديد للتحالفات الاميركية، وهم يشعرون بوجود "رغبة سنية" من قيادات تلك المناطق ومن شعبها الذي يشعر بالاضطهاد، للسير بسيناريوهات من هذا النوع. فهم يمتلكون قيادات عسكرية ومدنية أكثر قدرة على انقاذ الوضع العراقي من انهياراته المستمرة، وهم بمقدورهم اعادة الاعتبار لعراقهم الذي فقدوه، بعد ان عبرت تلك القيادات عن مخاوفها من استمرار الهيمنة الايرانية من خلال قوات الحشد الموالية لها على مقدراتها، وهي من تحول دون قدرة تلك المحافظات على اعادة اعتبارها وعودة الالاف من سكانها الى مناطقهم، وهي نفسها من تهيمن على مقدرات معالم النهوض الاقتصادي والثروات التي تمتلكها وتحول دون إستفادة تلك المكونات من مصادر ثروتها، ووجودها المستمر يجول دون تحقيق تنمية اقتصادية، وتمارس تلك الجماعات فرض اراداتها على مقدرات كثير من المسؤولين في تلك المحافظات الذين سئموا من تدخلاتها في مناطقهم، ومن محاولات تغيير ديموغرافي خطير ضمن محافظاتهم، يشكل تحديا خطيرا لهم،.وهم يأملون من الولايات المتحدة أن تتواجد في مناطقهم للحد من الهيمنة الايرانية وللجم نفوذ تلك الجماعات الخارجة عن القانون، في محاولاتها لفرض سطوتها على مقدرات تلك المناطق التي عانت الامرين من تواجد تلك المجاميع الخارجة عن القانون، وبخاصة في المنافذ الحدودية وبعض المؤسسات الأمنية، وهي من تحد من سلطة وقيادات تلك المناطق في ان يكون لها دور في بناء مدن تلك المحافظات الغربية جميعها وبلا استثناء.

كما يؤكد مسؤولون أميركيون ان قادة الكرد وحتى جمهورهم لا يخفون وجود رغبة للتعاطف مع توجهات تضع حد للتمادي "الشيعي" الموالي لايران وينفذ أجندتها من ان يتم تخفيف الضغط عنهم اذا ما تخلصوا من الهيمنة الايرانية، وسيجدون دعما أميركيا افضل، ووجود مقرات مهمة للسفارة الاميركية في أربيل، يتناغم مع توجهات من هذا النوع، وياملون منه، ان يكون مركز انطلاقة تخلصهم من ضغوط وتحيدات اقتصادية خطيرة يعاني منها شعب كردستان بسبب السياسات القاصرة وعماليات التهميش والاقصاء لباقي المكونات للاستحواذ الكلي على مقدراتها.

وأكدت شخصيات أميركية عسكرية وسياسية في تصريحات شديدة اللهجة أن كل الادارات الاميركية قديمها وحديثها لن تترك إيران تهيمن على مقدرات المنطقة، وهي مصرة على ضرب مرتكزات النظام الايراني في أي وقت تشاء، وتقليم أظافره، وان الحصار الذي تعانيه هو شديد الوطأة. وقد بعثت قيادات إيرانية من داخل الحكومة رسائل عبر وسطاء من ان الوضع الايراني الداخلي المتفاقم لم يعد يحتمل وان السخط الشعبي الداخلي على الحكومة نتيجة تدخلاتها السافرة في شؤون دول المنطقة عرض مصالح الشعب الايراني لمخاطر الانهيار، وحتى قوته التي يعول عليها وهي الحرس الثوري لم تعد بتلك القوة الغاشمة التي كان يحسب لها الحساب، وان هناك قيادات من داخلها لديها الاستعداد والرغبة في المشاركة في أي تغيير محتمل للقيادة في ايران، وهناك رغبة شعبية تدعم هذه التوجهات وتتمنى لو ان الولايات المتحدة سارعت الى اظهار دعمها العلني لانشطتها، وتسهيل مهمة الانقاض على النظام الايراني، والعمل على اختيار شخوص من داخله، لديها تأييد شعبي، يمكن ان تشكل بوادر "حكم انتقالي" في ايران ينقذ دول المنطقة من مهاوي الفوضى والفلتان والانهيارات على أكثر من صعيد، ويوفر لها دعائم إستقرار أكثر أمنا ورفاهية، وهناك سيناريوهات تعد لهذا الغرض، ليست ببعيدة التحقيق كما يقال.

وكل الدلائل من وجهة نظر مراقبين ومتابعين للشأن العراقي تشير الى انه ليس بمقدور السيد الكاظمي أن يحقق مبتغى الاميركان ولا العراقيين انفسهم، في اعادة التوازن الى الوضع العراقي، وان برود ردود فعله وتراخيه وتراجعه عما التزم به من تعهدات، برز في الازمة الاخيرة في المواجهة مع الحشد الشعبي من تلك الجماعات الموالية لايران، ان الكاظمي أضعف بكثير مما كان يتصوره الأميركان، وهو قد أضاع فرصا كثيرة، بان يكون القادر على الانتقال بشعبه الى حياة افضل، وبخاصة ان ازمات البلد الاقتصادية والمعيشية في تصاعد مرعب، وليس بمقدوره إن إستمر على تلك الشاكلة من الضعف والتردد، ان يكون الشخصية التي يعلق عليها الاميركان والمجتمع الدولي الآمال، في استعادة السيادة وحفظ الامن الداخلي، وهم يجدون ان كل خطواته لا تزال مرتبكة ومتخبطة، وغير قادر على ان يرسم ملامح الأمل لانقاذ العراقيين من وطاة أزمات تهدد مستقبلهم، وهم اي العراقيون يؤكدون أنهم لن يقفوا موقف المتفرج ان بقي مسلسل الفشل والاخفاقات على حاله، وقد يسير العراق بإتجاه فوضى شعبية عارمة، يكون الوسط الشيعي هو ركيزتها الاولى، وستجد فيها مكونات اخرى فرصتها للتضامن معها لاعادة الاعتبار الذي فقدته عبر عقود، وهم موطن اغلب الثورات الشعبية التي يعول عليها المجتمع الدولي، لخلاص العراق من نظامه الطائفي المتحلل والمليء بالتناقضات ويحمل معالم الانهيار بين اركانه، وهو ما يجعل التفكير الاميركي بتغيير النظام السياسي الحالي أكثر يسرا وسهولة، اذا ما تفاقمت الاوضاع في العراق الى الحد الذي لم يعد مقبولا بعد الان، ومن أسوأ الخيارات المرة هي انسحاب عسكري وسياسي كلي من العراق، وترك البلد يواجه مصيره لوحده، في حين يؤكد سيناريو أميركي آخر على إسناد جماعات عراقية من كل المكونات العراقية ترغب بخلاص العراق من الهيمنة الايرانية، ولديها الاستعداد والقدرة على اعادة هيبة المؤسسة العسكرية والأمنية، وفرض الأمن والنظام على كل مناطق العراق، وبسط سلطتها على مناطق العراق المختلفة، بدعم اميركي، وتجد في زعامات من محافظات غربية وكردية رغبة أكيدة لمساندة توجهات من هذا النوع، وبمساندة قيادات شيعية، لديها ميول للتناغم مع توجهات أميركية كهذه، لكي يشارك المكون الشيعي في سلطة القرار مع المكونات الاخرى بعدالة وبدون إقصاء او تهميش للمكونات الاخرى، وان ينتهي نظام الاغلبية والاقليات، ويكون العراقيون جميعا متساوين أمام القانون ويحكمهم الدستور في كل تعاملاتهم وعلاقاتهم مع الدول الاخرى، بل أن الاميركان قادرون على لجم التهديدات الاقليمية الاخرى إن وجدت تجاوبا شعبيا في النظام السياسي الجديد في العراق والذي ترغب بإقامته، وهو أمر أمده لن يطول بكل تأكيد، من وجهة نظر مراقبين.