الكتاب العلمي.. لماذا لا نتقن تأليفه وتسويقه؟

الحديث عن الكتاب العلمي ونشره وتسويقه ومكافأة مؤلفه بما يستحق، ليس ترفاً بل ضرورة حضارية.

الاهتمام بالكتاب العلمي ونشره وتسويقه علامة مميزة لتقدم الأمم والحضارات، وبخاصة في العصر الحالي، حيث الإنجازات والتطورات العلمية والتكنولوجية المذهلة والمتسارعة عالمياً.

في الدول المتقدمة، يحتل نشر وتسويق الكتاب العلمي قائمة أولويات مؤسسات ودور النشر، كما ينال أصحاب هذه الكتب التقدير والإهتمام اللائق. على سبيل المثال، عندما تم نشر الكتاب العلمي "الربيع الصامت" (Silent Spring) في سبتمبر/أيلول عام 1962، للمؤلفة الأميركية راشيل كارسون (1907- 1964)، والذي تناول تأثير المبيدات الكيميائية على البيئة، وأهمية الحد من الإستعمال العشوائي وغير المنضبط للمبيدات الكيميائية، احتل هذا الكتاب قيمة علمية كبيرة، فقد ساهم في تغيير العالم، حيث أثار ردود فعل واسعة ووعيا جماهيرياً في المجتمع، وساعد على إطلاق الحركة البيئية الأميركية، كما ألهم أجيالاً من الناشطين البيئيين.

وأيضاً في المجتمعات المتقدمة، يعد اختيار ونشر الكتاب العلمي صناعة متقدمة، فهناك فريق عمل متكامل يتولى الكتاب العلمي منذ بداية فكرته وخطوات تأليفه، ويتعاون مع مؤلف الكتاب في اختيار العنوان والمحتويات والأفكار وشكل وصور الكتاب، حتى يكون ملائماً للنشر ومتطلبات السوق، وبالتالي يشعر المؤلف بالمتعة أثناء المراحل المنظمة لنشر الكتاب والمدونة بالتفصيل في عقد تأليف الكتاب، وقبل طباعة وتوزيع الكتاب وطرحه في الأسواق، تقوم دار النشر بتوزيع نسخ منه على المتخصصين في مراجعات الكتب والكتاب العلميين في الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية، وكذلك تسويقه على مواقع التواصل الإجتماعي،وبالتالي يكون الكتاب ومؤلفه قد حظيا على حضور وانتشار واسعين بين الجماهير، ويباع من الكتاب مئات الآلاف من النسخ، كما أن هناك ما يسمى بتذاكر جولة أو رحلة كتاب (Book Tour)، والتي تشهد مبيعات متسارعة، حيث يتم عقد جولات ولقاءات للترويج للكتاب في عدة مدن، ويتم توقيع خاص من مؤلف الكتاب، وعموماً الكاتب في الغرب يمكن أن يعيش بما يكتب أو يؤلف أو من أرباح كتاب واحد فقط، فهناك ثقافة حقوق الكتاب وحقوق الناشر، وكذلك ثقافة إحترام القارئ للكتاب وتقدير المؤلف.

بينما في عالمنا العربي وضع الكتاب العلمي ومؤلفه لا يخفى على أحد، فمؤلف الكتاب العلمي يواجه بمراحل مرهقة وتحديات وصعوبات جمة في نشره وتسويقه ومن ضياع لحقوق النشر والتأليف، فعندما يتقدم المؤلف بمخطوطة الكتاب العلمي للناشر، قد تواجه بالإهمال، وقد لا يجد المؤلف إجابة على رسائل ومكالمات المؤلف، وغالباً ما تواجه مخطوطة الكتاب بالرفض، بحجة أن السوق ليست في حاجة لمثل هذا الكتاب، وعند نشر الكتاب العلمي يكون نصيبه ضئيلاً من الرواج والتسويق والجوائز العربية، فبند الكتاب العلمي قد يكون غير موجود أصلاً في قائمة مجالات التقدم للجوائز، فأغلب الجوائز العربية جوائز أدبية في الرواية والقصة والمسرح والشعر، وتحتل دائماً النصيب الأكبر من الجوائز التي تصل الى ملايين الدولارات سنوياً.

ولعل من بين التساؤلات المهمة المطروحة هنا والتي تحتاج لإجابات من أصحاب المصلحة: لماذا لا نتقن فنون تسويق الكتب العلمية؟ وما هو السبب في ضعف نصيب الكتب العلمية من النشر والتسويق والجوائز في عالمنا العربي؟ وهل لدى مؤسسات الثقافة ودور النشر العربية خطط وإستراتيجيات واضحة لنشر وتسويق الكتب العلمية ومكافأة أصحابها بما يستحقون؟ ولماذا هذا العزوف من بعض مؤسسات الثقافة ودور النشر عن نشر وتسويق الكتاب العلمي بالشكل اللائق؟ ومن هو المسؤول عن نشر ورواج وتسويق الكتب العلمية ومناقشة محتواها على نطاق واسع في المجتمع العربي، ومكافأة أصحابها بما يستحقون؟ وهل لدى مؤسسات الثقافة ودور النشر العربية هيئات استشارية كما في الدول المتقدمة تتولى الإهتمام بالكتاب العلمي وعنوانه ومحتوياته؟ وكم كتاب لدينا في قضايا وإتجاهات علوم الحاضر والمستقبل التي ستغير وجه العالم وتحدد موقع ومكانة الدول على خريطة العلم والتكنولوجيا، مثل علوم وتكنولوجيا الروبوتات والذكاء الإصطناعي والإندماج ما بين البشر والآلات والنانوتكنولوجي والخلايا الجذعية وهندسة الأنسجة وطب التجديد، وغيرها؟

في عالمنا العربي، مخطوطة الكتاب العلمي المقدمة للنشر قد تهمل، وإذا نشرت قد لا يحصل مؤلفها على أي عائد يذكر، وقد تظل حبيسة مخازن مؤسسات الثقافة ودور النشر ورفوف المكتبات، ولا يعلم عنها الجمهور، بسبب سوء التسويق والترويج، رغم أهميتها وقيمتها العلمية والتنموية في المجتمع.

الحديث عن الكتاب العلمي ونشره وتسويقه ومكافأة مؤلفه بما يستحق، ليس ترفاً بل ضرورة حضارية وتنموية تستحق النقاش المجتمعي، إن أردنا أن يكون لنا قيمة وقامة في مجالات العلوم والتكنولوجيا المتسارعة التي أصبحت تحدد مكانة وقيمة الدول عالمياً.