المؤهل في حلبة الكلام

مناظرة رئاسية لم تكن نزالا فكريا او سياسيا حول مستقبل العالم في ظل رئيس أميركي منتظر.

جو بايدن – دونالد ترامب خصمان التقيا في حلبة نزال كلامي، شهده العالم أجمع، وكأن كلامهما سيرسم خارطة جديدة لعالم مضطرب، تعصف به أحداث قد تؤدي به إلى كارثة لن يقدر أحد على احتوائها.

ما درى هذا العالم أن الكلام لم يرتق إلى منزلة تشريع منزل في نظام دستوري لا يقبل الإنجرار نحو أهواء شخصية، أو رؤى يحددها فرد يستقل مركبة الطموح لقيادة أميركا الدولة الأعظم.

إستراتيجية متوارثة، بقواعد ثابتة، طويلة المدى، تعتمدها الولايات المتحدة الأميركية، ترسم الشرائع الدستورية سبل تطبيقها، يؤدي فيها الرئيس قيادة الجهاز التنفيذي بما لدية من ادوات متاحة أهمها المال والتكنولوجيا والقوة.

مناظرة سابقة لأوانها، دفعها روح التحدي بين متنافسين على إشغال الكرسي الرئاسي في البيت الأبيض، سبقت ترشحهما رسميا لانتخابات رئاسية مرتقبة، جذبت اهتمام الرأي العام العالمي، الواقع تحت تأثير إعلامي، اعتبرها الحدث الحاسم في تاريخ أميركا التي تقود قاطرة العالم.

الإثارة دفعت الجمهور الأعظم لتتبع وقائع مناظرة، جمعت خصمين تجاوزا حدود التنافس التقليدي في معركة انتخابية لها أصولها ومبادئها، جمهور كان يعتقد بمشاهدة مفاجأة مثيرة في شكل معركة كلامية تتعدى حدود اللباقة، أو تعثر وارتباك ينتاب أحدهما، وربما سقوط جو بايدن الذي دخل بعمره بدايات العقد التاسع بما يحمله من متاعب جسدية وقصور ذهني.

مناظرة خلت من أي مشهد مثير، على خلاف ما كان متوقعا، فالخصمان أبديا أعلى مظاهر التماسك والهدوء، رغم تبادل اتهامات لم يتفاجأ بها أحد، وهما يجيبان على الأسئلة في حدود الزمن المسموح به، دون أن يأتيا بجديد في اجباتهما التي جاءت تكرارا لما كانا يدليان به في مناسبات متعددة.

التضخم، الضرائب، خلق الوظائف، الإجهاض، الهجرة.. أبرز المحاور في مناظرة الخصمين، حتى بدت وكأنها معنية جوهريا بخطاب داخلي يشغل اهتمامات المواطن الأميركي، مع اعتناء بدرجة أقل بقضايا السياسة الخارجية: الحرب الروسية الأوكرانية، التحدي الصيني، مستقبل حلف الناتو، الحرب على غزة، إيران. وافتقرت أجوبة المتناظرين إلى عمق ينتظره الرأي العام العالمي، وقد يعود هذا الافتقار إلى تقليدية الأسئلة التي اثارها مديرا المناظرة في شبكة CNN دون أن تحمل جديدا لا يتوقعه الجمهور.

لملمت المناظرة أوزارها، وعاد الخصمان إلى قواعدهما، وتركا المجال مفتوحا لمحللي وسائل الإعلام، الذين تركوا تقييم الموقف من جوهر ما طرحاه من فهم لقضايا السياسة والاقتصاد أميركيا وعالميا، وصبوا اهتمامهم على وصف وتحليل القدرات الجسدية والذهنية للرئيس جو بايدن وخصمه دونالد ترامب.

المناظرة الرئاسية لم تكن نزالا فكريا او سياسيا حول مستقبل العالم في ظل رئيس أميركي منتظر، كما كان يجب أن تكون، فقد صمم الإعلام الأميركي مشهدها كشفا حيا عن قدرات العقل والجسد لمن يسعى للبقاء في البيت الأبيض أو لمن يقطع الخطى في طريق العودة إليه.