المبادرة الفرنسية وتكريس الحل الدولي في لبنان

صناعة الرئاسة في لبنان تتطلب بيئة إقليمية ودولية وازنة ومؤثرة في الأطراف اللبنانيين.

انطلقت المبادرة الرئاسية الفرنسية مجددا عبر جان ايف لودريان، وسط ظروف معقدة جدا بخاصة بعد الجولة الثانية عشرة للانتخابات الرئاسية اللبنانية؛ وانطلاقا من التوصيف الدبلوماسي الفرنسي الذي سُمي بالمهمة شبه المستحيلة بالنظر لوقوف جميع الأطراف اللبنانية عند مواقفها وعدم ابداء أي إمكانية للتنازل عمن رشحته للرئاسة. ورغم ما يتصف به المبعوث لودريان من سعة معرفته بظروف لبنان الدقيقة وقدراته الدبلوماسية المشهودة، باتت ظروف المرحلة تتطلب مقتضيات إضافية تجعل الحراك الفرنسي اكثر صعوبة، رغم محاولات باريس تذليلها. وآخر ما قامت به مباحثات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وبصرف النظر عما سرب من معلومات او سياقات عامة او محددة، فاللقاء الفرنسي السعودي شكل رافعة لإعادة اطلاق حراك دولي بصرف النظر عن مندرجاته ونهاياته في المرحلة الحالية. وفي واقع الامر، ان ما توصلت اليه باريس في ادارتها للازمة الحالية لا تعدو محاولات خجولة ضمن اللجنة الخماسية والتي لكل طرف فيها رؤية خاصة لما يمكن التوصل اليه، مع بعض التمايز في المواقف ان كان لجهة الأسماء المقترحة او برامج أصحابها.

وبصرف النظر أيضا عن المنهج المتبع لطرح الحلول، ثمة ثوابت انطلقت منها المبادرة الاساسية التي استندت الى سلة متكاملة جمعت بين شخصية المرشح الرئاسي والشريك الآخر في السلطة التنفيذية أي رئيس الحكومة ومجلس الوزراء، وفي ذلك يعتبر منهجا مقبولا يمكن البناء عليه، لجهة تركيبة السلطة وبرامجها، وهو ما يرضي اقله فئات الدعم الخارجي التي تنتظر سلطة طموحة نحو قيام إصلاحات بنيوية يطلبها صندوق النقد الدولي وتحث عليها مختلف القوى الدولية التي اشترطت تقديم المساعدات الاقتصادية بالتوازي مع اطلاق ورشة الإصلاحات.

وبصرف النظر عما يشاع حول تفصيل الحراك الفرنسي، ثمة معطيات تشي بصعوبة التوصل السريع لبناء مشروع منتج لرئيس، ويبدو ان طبيعة اللقاءات وما طرح فيها هو من نوع الاستطلاع الإضافي لآراء معروفة مسبقا، الا اذا كان الهدف هو اخذ وقت إضافي لترميم المواقف لاعادة هيكلتها للتوصل الى اتفاق مقبول.

ان ما يمكن التوصل اليه هو نتيجة مؤكدة، ان لا قدرة للأطراف اللبنانيين على نسج حل لبناني خالص، وثمة يقين مؤكد ان صناعة الرئاسة في لبنان تتطلب بيئة إقليمية ودولية وازنة ومؤثرة في الأطراف اللبنانيين؛ وفي هذا الاطار بالتحديد يمكن ملاحظة ان احد عشر رئيسا للجمهورية اللبنانية انتخبوا ظاهريا في مجلس النواب، انما فعليا ثمة ظروف إقليمية ودولية خاصة بكل رئيس واكبته للوصول الى سدة الرئاسة بمن فيه الرئيس الأسبق سليمان فرنجية وهو جد المرشح الحالي سليمان فرنجية، الذي انتخب العام 1970 بفارق صوت واحد عن مرشح الشهابية آنذاك الياس سركيس.

ما يجري حاليا هو محاولة إعادة الوضع اللبناني الى أولويات اللاعبين الدوليين والاقليميين المؤثرين. فاضافة الى الخماسية التي تضم فرنسا والولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر، ثمة إشارات لادخال اطراف آخرين بهدف التأثير الجدي على اطراف لبنانية كروسيا وايران وان بوسائل وطرق غير مباشرة. وبصرف النظر عن إمكانية التحقق وفعالية المشاركة، ثمة ثابت مفاده ان الحل الدولي هو الامكانية المتاحة دون غيرها من الوسائل.

ثمة سوابق كثيرة لا حصر لها في الحياة السياسية اللبنانية التي تبرز الحل الدولي، بينها اثنتان، في 1920 عند انشاء الكيان اللبناني و1943 عند الصيغة التأسيسية للجمهورية الأولى، واثنتان حديثتان، هما اتفاق الطائف 1989 التأسيس للجمهورية الثانية بعد انتهاء ولاية الرئيس امين الجميل والفراغ الرئاسي، والثانية اتفاق الدوحة 2008 بعد الفراغ الرئاسي بعد ولاية الرئيس اميل لحود. فهل الفراغ القائم حاليا سيحث على اتفاق دولي لترسيم خطوط انتخابات الرئاسة وتعيين طبيعة النظام القادم للبنان.

ثمة إشارات واضحة، ان لبنان قادم على وضع مغاير عما فيه اليوم، اقله تغيير في بنية النظام السياسي والذي سيشمل حكما تغييرا ديموغرافيا قاسيا يقلب صورة لبنان ورسالته ودوره، إضافة الى التداعيات المستقبلية على بنية النظام المجتمعي. فهل ان المبادرة الفرنسية الحالية تلحظ وتدرك خطورة الواقع القائم وكيفية اخراج لبنان منه؟ وهل تملك الوسائل للحلول الانجع كأم حنون كما يلقبها اللبنانيون في احتضانها الدائم للبنان؟