المثلث الليبي

عودة احياء دور القبيلة والجيش في مواجهة تيار الإسلام الأخواني.

مثلث العسّكر والقبلية والتيار الديني هو نتاج المجتمع الليبي في تركيبته بصفة عامة وقد فرض هذا المثلث نفسه على الدولة والمجتمع ومازال هو القوة الأكثر فاعلية حتى اللحظة. وهذا ليس بطبيعة الحال إيجابيا بل عائقا في وجه الدولة الليبية الحديثة حيث يمنعها من الإنتقال من حالة التخلف إلى التطور ومتطلباته العصرية.

العسّكر، أو عسكرة الدولة والتي تغلغلت مفاهيمها في النسيج السياسي والإجتماعي الليبي بعد إنقلاب 69 بقيادة معمر القذافي حيث حول المؤسسات التعليمية والمناخ النفسي في البلاد إلى ثكنة عسكرية مريضة والتي فيها أغلق البلاد وعزل شعب بأكمله عن التعايش مع الشعوب الأخرى خاصة البحر متوسطية لتتراجع ليبيا ذهنيا كسلوك عام عشرات السنين مقارنة بدول الجوار.

القبيلة، لعب الدورالقبلي في ليبيا عبر تطوره التاريخي أدوارا عديدة منها الإيجابية إبان الإحتلال الإيطالي بدفاعه عن أرض الوطن كذلك وضع نفسه تحت إنتقادات حادة إبان حكم الملكية ليتعثر دورها في حقبة القذافي والتي شابها الغموض والتملق وخلط الأوراق.

التيار الإسلامي السياسي، حيث لم يكن له دور مهم إبان حقبات التاريخ الليبي من ناحية التطرف أو التدخل السياسي المباشر عدا مرحلة ما بعد ثورة 17 فبراير والتي ساهم فيها بتقويض أهدافها المنشودة من أجل دولة ليبية مدنية معاصرة.

إذن مع نهاية حقبة القذافي كان المناخ السائد يشخّص الداء الليبي بتلك العوامل الثلاثة حيث أتهمها بالمساهمة في تخلف المجتمع الليبي على الأصعدة السياسية والإقتصادية والإجتماعية، ليصبح البديل بالتوجه نحو المسار الديمقراطي والإنفتاح على العالم والتطلع إلى دولة الإزدهار والإستقرار. ولكن ما حدث من خيانات عظمى داخل ملحمة ثورة 17 فبراير وأبرزها من إنقلاب التيار الإسلامي السياسي على طموح الشعب الليبي جعل تيار شعبوي عريض بالشارع الليبي يدعو إلى مراجعة تشخيص المثلث ومحاولة ترميمه وعدم إلغاء دوره نظرا للمستجدات الجديدة على الأرض. والأهم من ذلك إتفق الجميع أن عودة دور القبيلة وأن العسكر أصبحوا الضامن الحقيقي لإنقاذ الوطن من مؤامرة كادت ترمي البلاد في أحضان بن لادن والبغدادي، لذا تم التأكيد على عدم عودة التيار الإسلامي أو محاولة ترميم مساره بل إعلان الحرب عليه حيث وصل الوضع إلى طريق مسدود.

لعب اللواء خليفة حفتر حينها عام 2014 دورا تاريخيا ليصحح فيه مفهوم المؤسسة العسكرية المفقودة في ليبيا قرابة نصف قرن بترسيخ حجر الأساس بقرية الرجمة بشرق البلاد لبنة الجيش الليبي النظامي وركز من خلالها توفر شروط الشرعية بتلك مؤسسة الموازية مع إعلان حرب صريحة على تنظيمات إرهابية تدور في فلك التنظيم الإخواني والبدء من مدينة بنغازي لتتم هزيمتهم وهزيمتهم مرة اخرى من شرق وجنوب البلاد بالكامل بأمكانيات متواضعة حتى الصدمة الكبرى لتنظيم الإخوان عندما سيطر على مركز الدولة بطرابلس بالغش والخديعة ليجدوا الجيش فجر 4 أبريل 2019 على تخوم العاصمة ينذرهم بالسحق، هم ومعهم من جلبوهم من مرتزقة من شتى أنحاء العالم.

ساعد الدور القبلي في رصّ صفوف دعم الجيش الوطني الليبي في مهمته التاريخية بكسر شوكة التيار الإسلامي السياسي الهادفة إلى تفكيك النسيج الليبي بالفتن والترهيب وبث الإشاعات والكذب المفرط بغية السيطرة بأي ثمن.

إذن الدور القبلي عاد اليوم كعامل مهم بشكله المنضبط كذلك دور العسكر بشكله الطبيعي كأي جيش نظامي في العالم الضامن لكل الحلول السياسية. أما اليوم فقد أصبح العدو الوحيد للشعب الليبي هو التيار الإسلامي السياسي المتعفن ممن تسانده بعض مراكز القوة الإقليمية عسكريا ولاعبون في المجتمع الدولي سياسيا بصبغة السراج يتفق والذي تورط أو قد إنتهت مهمته في خلق فوضى غير مسبوقة في ليبيا عبر الوكيل الإخواني، ليفتح كل التكهنات أمام خيارات جديدة من الدول الكبرى لتتسم بالعقلنة. وهنا أشير إلى الدور الإيجابي للرئيس الأميركي دونالد ترامب ذلك بالمحافظة على وحدة ليبيا ودعم الجيش الوطني الليبي في مهمته التاريخية الذي يتجه نحو الدولة المدنية والإستقرار. الخيار الآخر أي دعم زمرة من عصابات تنظيم الإخوان هو خيار أن  يستمر التدهور والهجرة غير الشرعية والإقتتال في ليبيا التي هي أكبر بثلاث مرات من ولاية تكساس الأميركية وأهم دولة من بين دول إحتياطي النفط في العالم.