حلول مغايرة لم تطرح من قبل حول الأزمة الليبية

عماد الاستقرار في ليبيا هو الجيش الوطني. لكن مهمة البناء تحتاج أن تنهل من تجارب عربية ناجحة.

بصراحة لقد طالت المدة والتجارب السابقة باتت أغلبها بالفشل وقد فرخّت لنا إرهابا وحروبا مناطقية وتشظيا في النسيج الإجتماعي كذلك دمرت اقتصادنا وفتحت شهية مجرمي العالم لنهب ثرواتنا حتى أصبحنا دولة فاشلة. فعليه لابد من التوقف وبطريقة عاجلة للانتباه إلى المؤامرة أو سميها فشلنا كليبين بجرجرة شعب كامل نحو مشروع مريض آلياته لا تتماشى مع طبيعة الشعب الليبي خاصة بعد 2011 وصولا إلى 2018 لنصبح في أحضان مشروع دول إقليمية - أوروبية  بالذات - لا ندرك مبتغاها الحقيقي ذلك بعدم وضع حد للانهيار الليبي.

كل ما في الأمر أن مؤتمرات أوروبا وغيرها بما يخص الشأن الليبي لن تنتهي وباليرمو لن تكون آخرها، وما علينا إلا بالخروج بمبادرة تختلف بالكامل لتلغي الماضي وتأتي بجديد متطلبات الحاضر ذلك بإنزال سوط على الجميع بدعم من دول كبرى بعينها - وهنا المقصود الولايات المتحدة وروسيا والصين - تتبنى فيه مشروع ينقذ الدولة الليبية من وجودها على الخارطة الجغرافية.

علينا أيضا الإعتراف بالحالة النفسية والسياسية الآنية، بأن ما خلفته السنين الماضية هو جرح عميق ومفتوح بين أبناء الوطن وهذا لن تحله عواطف وشعارات مصالحة بل الزمن كفيل بذلك. ولكن علينا أن ندرك أن الزمن قد يحتاج عشرات السنين، فهل نترك الإنتظار سبيلنا ليكون خيارا للدمار أم نذهب إلى مخرج عملي خارج الصندوق أي خارطة الطريق وإملاءاتها.

لماذا لن نخوض تجربة جديدة بشجاعة وهي تجربة استنساخ نظام حكم يتلاءم مع معطيات وظروفنا الحالية حيث الظرف الجغرافي السكاني المتقطع الأوصال والمساحات الشاسعة التي نعيش فيها أي قد يكون الجل في الكونفدرالية يعني أكثر من ثلاث ولايات وقد تكون عشرة أو عشرين ولكن تحت راية واحدة ودولة واحدة توزع فيها الثروات بطريقة علمية متماشية مع هذا العصر الذي لا يرحم.

قرأت منذ زمن مقابلة مع وزير اقتصاد سابق لدولة سنغافورة بجريدة الأهرام المصرية باللغة الإنجليزية حيث يقول أننا نحسد مصر في التعداد السكاني الذي لديها. فاستغربت المحاورة لتقول له ماذا تعني؟ فّرد عليها: سبب نجاحنا فى سنغافورة هو استثمارنا فى البشر وكيفية تحويل تلك عامل مهم إلى اقتصاد وطني، كذلك منذ بداية السبعينيات كنا نستنسخ التجارب الناجحة من دول العالم مثل اليابان والولايات المتحدة ليس فقط في السياسة بل في مناهج التعليم وهذا ليس بعيب. مما ضخّت تلك الفكرة فى ما بعد ثروات هائلة في كيفية إدارة الصناعة والاستثمار ونقل دولة سنغافورة من دولة فقيرة فاشلة إلى دولة تتصدر أهم عشر دول في اقتصاد العالم.

الملف الليبي والروشتة الطبية المطلوبة

 لعل من بعض ملامح الوصفة الطبية الوطنية للخلاص أن تمر من خلال بعض المحطات المهمة:

- الأمن أولا ذلك بسيطرة المؤسسة العسكرية أي الجيش الوطني الليبي، على التراب ليبيا فهو القادرعلى توحيد جيش الوطن ودحر الإرهاب من مركزية طرابلس لتنتقل الدولة من المركزية الصرفة إلى المركزية الكونفدرالية المدنية.

- عندما يتوفر الأمن سيكون دور الجيش الليبي عسكريا فقط وليس سياسيا يحمي حدود الدولة ومؤسساتها الخدمية والأمنية والإقتصادية.

ربما من الوارد محاكاة تجارب الآخرين. فليبيا تستطيع ان تستنسخ تجربة الإمارات مثلا واليكم مقتطفات من كتّاب حول مشروعنا الليبي:

- نجاح الإمارات ليس مرتبطا ًبموضوع الثروة النفطية، ومن يعتقد ذلك فهو يطرح تقييماً غير دقيق واختزالاً غير عادل.

- لماذا نجحت دولة الإمارات في ما فشل فيه الآخرون؟ سؤال يطرح نفسه لتجربة عمرها 43 عاماً، ولكنها شكلت نقطة فاصلة في التطور النوعي، وحققت إنجازات تجاوزت المدى الزمني واختزلت مسافات كبيرة. وهذه التجربة فيها دروس كثيرة تستفيد منها دول أخرى، فالعالم العربي يحتاج إلى تجارب ناجحة حتى يستطيع تطبيقها، فمعدلات التنمية والتوظيف بشكل عام في المنطقة العربية، من أقل المعدلات العالمية.

- التجربة الإماراتية لها خصوصية تنطلق من كونها دولة اتحادية، وربما هذا واحد من الأسباب المهمة التي ساعدت على نجاحها، فهي اعتمدت على اللامركزية في إدارة البلاد، مما أوجد لإمارات الدولة مساحة من القرار والحركة والتطور والتنافس، انعكس على الدولة إيجاباً.

- كانت حكمة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمهما الله، في صنع أرضية صلبة لهذا البناء، ودستور حمى وعزز من كيان الدولة وقوتها.

- مثّل الاستقرار الأمني شرطاً أساسياً لأي تنمية اقتصادية في أي مكان في العالم، وقد استطاعت دولة الإمارات النجاح فيه بشكل لافت للنظر، فرغم عدم وجود مظاهر مفرطة لرجال الأمن في الشارع، تجد الدولة منضبطة أمنياً، ولكن في الوقت نفسه بشكل لا يتداخل مع حرية الناس الفردية. وهذه التوليفة كانت عنصر جذب للدولة، فأصبحت الإمارات مكاناً للباحثين عن الإبداع والابتكار والتطوير، من خلال وجود بنية تحتية متقدمة والشعور بالأمان.

- كانت الخطوة الاحترافية بالإمارات، بناء التشريعات التي تحمي الأعمال وتطبق القانون بصرامة على الجميع، وهذا يعطي مصداقية للدولة. ولم يقف التميز الإماراتي عند هذا الحد، بل طرحت مبادرات ابتكارية، كالحكومة الذكية ومؤشرات قياس السعادة. وهي تنطلق في كل هذا من أجل الإنسان، وبمعنى أدق من أجل سعادة الإنسان.

- الرؤية الاستراتيجية للتنمية، هي ليست قرارات فردية مبينة على اجتهادات، بل هي نتاج رؤية شاملة، فحينما قررت أن تركز على التجارة وإعادة التصدير، بنت أكبر موانئ العالم لتطبيق ذلك. وعندما وضعت السياحة هدفاً، بنت شركات طيران هي الآن الأكبر في العالم، واستثمرت في بنية سياحية من مجمعات ضخمة وفنادق وجزر. المقصود أن هناك عملية تكاملية حتى تصل للنتائج، فمن الصعب أن تستثمر في أكبر شركة طيران، ولا تتوفر لديك فنادق وشبكة مواصلات، فالمشروع الاستراتيجي هو سلسلة من القرارات التكاملية لتصل إلى الهدف، أي ليست من منطلق خبط عشواء من تصب.