المرأة وتطوير السرد العربي

الناقد المغربي محمد معتصم يرى في كتابه الجديد 'المرأة وتطوير السرد العربي: النسائية، النسوية، الأنوثة' أن هذه الكتابة جمعت بين قضايا المرأة وقضايا السرد.
مسيرة الكتابة النسائية لم تكن سهلة، فقد واجهت عراقيل عديدة
المرأة كانت تكتب في غياب الذات، أو في غياب الوعي بالخصوصية النوعية والجنسية

تحضر قضايا المرأة بقوة في النصوص السردية للكاتبات العربيات خلال النصف الثاني من القرن الماضي، لكن إثارة الموضوعات التي تخصّهن، أو تهمّ جنسهن ليست فقط هي ما ميّزت إسهامات هؤلاء الكاتبات في مجال السرد الأدبي، بل تعدّت ذلك إلى تطوير أساليب السرد ذاته، وفي أحيان كثيرة تفوقن فيه.
يرى الناقد المغربي محمد معتصم في كتابه الجديد "المرأة وتطوير السرد العربي: النسائية، النسوية، الأنوثة" أن "الكتابة النسائية اهتمّت بالقضايا النسوية ذاتها، لكن مع تغليب الجانب الأدبي والجمالي والفنّي للسرد، أو أن هذه الكتابة جمعت بين قضايا المرأة وقضايا السرد، فتناولت الموضوعات الأثيرة نفسها، المرتبطة بمعاناة المرأة اجتماعيا وتأثير النظرة القصيرة نحوها ونحو كينونتها المختلفة، والنظرة الموروثة والراسخة في الفكر الشعبي المستند إلى الخرافة والأسطورة والمبتعد عن النظرة التحليلية العلمية".
ويضيف معتصم أن المرأة طرحت هذه القضايا في كتاباتها بصور أدبية في سياق المتخيّل الأدبي، مشيرا إلى أن من خصائص السرد النسوي العربي الحياكة أو الحبكة المتقنة وبناء الشخصية، والتدفق اللغوي أو اللغة الشعرية، وتوسع دائرة كتابة السيرة الذاتية، بل تفجيرها لتحتويَ عددا كبيرا من أشكال كتابة الذات، إثر التحوّل الاجتماعي والسياسي في العالم العربي بعد استقلال العديد من بلدانه.
يقف الناقد في كتابه، الصادر حديثا عن دار الآن ناشرون وموزعون في عمّان، على نماذج من السيرة، مبينا الصعوبة في كتابة سيرة ذاتية نسائية تقوم على الخصائص النوعية والمميِّزة كما بيّنها جورج صاند، وهي: التلقائية والوفرة والسرعة والحلم والتدفق السردي. ويؤكد أن مطلع الثمانينات مثّل بداية مرحلة النضج الفنّي للسيرة النسائية العربية؛ إذ بدأ ظهور نماذج من السير النسائية التي تنطبق عليها إلى حدّ كبير شروط السيرة الذاتية كفنّ ونوع أدبيّ.

كانت الكتابة النسائية لا تجرؤ على كتابة الذات أو الجهر بالخصوصية الأنثوية، فلجأت الكاتبات إلى الأسماء المستعارة، أو إلى الكتابة الصحافية والأنواع النصية التوجيهية والوعظية

السرد مر كما مرت المرأة وقضاياها ونضالاتها، بمراحل متعددة متنامية ومطّردة في التصاعد والارتقاء إلى الإبداع والكتابة النسائية
وفي دراسته لعدد من أعمال الروائيات العربيات، مثل علوية صبح، هدى بركات، ليلى الأطرش، سميحة خريس، فوزية شويش السالم، ليلى العثمان، هدية حسين، زينب حفني، سهير المصادفة، سحر خليفة ودينا سليم، يتوصل معتصم إلى أن المرأة العربية المعاصرة أظهرت قدرة فائقة على تتبع القضايا الكبرى لبلدها وأسهمت في بلورتها بالنقاش والاعتقال والتضحية الشخصية. كما برعت هؤلاء الروائيات في تحليل أوضاع بلدانهنّ سياسيّا وثقافيّا وفكريّا واجتماعيّا، بل والتعبير عن الرغبة في فكِّ الأغلال التي تقيد اللغة والسرد والذات من أجل الانطلاق وبناء الخصوصية المميزة للكتابة عند المرأة.
وينطلق الناقد من مرتكزين أساسيين لفهم تجربة المرأة العربية في السرد ودورها في تطويره وتثويره، يتمثل الأول في أن الرواية خطاب متنوّع ومتعدّد ينهض على تركيب "نسيج نصّي" مميز، غير بسيط، وأن هذا الخطاب أفاد من شخصية شهرزاد في الأدب العربي (شخصية السارد والشخصية المشاركة) في نسج الحكايات وتركيبها، وشخصية بنيلوب المشهورة كما هي في أوديسيا هوميروس، التي تشتغل على مادة واحدة عبر عملية نسج النص وتفكيكه إلى ما لا نهاية.
أما المرتكز الثاني فيتمثل في أن الثورة التقنية، والسيولة المعرفية، والانفتاح على عوالم افتراضية واسعة الآفاق قد مكّنت الكاتبة من نقل تجاربها وخبراتها إلى أبعد نقطة ممكنة للتواصل، متجاوزة الحصر والحظر اللذين كانت تضربهما عليها الكتابة الورقية، ووسائل الاتصال والتواصل المحدودة والمراقبة.
يذهب معتصم إلى أن مسيرة الكتابة النسائية لم تكن سهلة، فقد واجهت عراقيل عديدة بدءا من المرحلة الأولى المبكرة، التي انشغلت فيها الرائدات بكتابة المجتمع انطلاقا ممّا يفرضه المناخ العام والمحافظ داخل المجتمعات العربية وحركات التحرّر والاستقلال، وهنا كانت الكتابة النسائية لا تجرؤ على كتابة الذات أو الجهر بالخصوصية الأنثوية، فلجأت الكاتبات إلى الأسماء المستعارة، أو إلى الكتابة الصحافية والأنواع النصية التوجيهية والوعظية، أي أن المرأة كانت تكتب في غياب الذات، أو في غياب الوعي بالخصوصية النوعية والجنسية (الجنوسة)، بحيث لا يمكن الحديث عن إضافات نوعية في السرد.
ويوضح أن السرد قد مر، كما مرت المرأة وقضاياها ونضالاتها، بمراحل متعددة متنامية ومطّردة في التصاعد والارتقاء إلى الإبداع والكتابة النسائية، حيث تبدع المرأة بندية، بل بتفوق ودون مركب نقص أو خوف من الاسم العلم، والنسب، وذكورة المجتمع وسلطة الرجل سوى سلطة الإبداع والخلق الفني والجمالي.
ويؤكد أن كتابات المرأة أسهمت إلى جوار بعضها البعض في إبراز نضال المرأة من أجل إثبات الذات والدفاع عن الحق في المواطنة الكاملة وغير المشروطة، والإسهام الفعلي في تنمية المجتمع وتطويره والمشاركة في الحياة العامة والتدبير وتسيير الشؤون العامة والتخلّص من كل أشكال ومظاهر التميز الجنسي والجسدي.
يُذكر أن للناقد محمد معتصم مجموعة مؤلفات سابقة منها (الشخصية والقول والحكي، الرؤية الفجائعية: الأدب العربي في نهاية القرن وبداية الألفية الثالثة، المرأة والسرد، الصيغ والمقومات في الخطاب الروائي العربي، الذاكرة القصوى: دراسات في الرواية المغربية المعاصرة، والقصة القصيرة المغربية في السبعينات).