المشاهد البصرية لجمشيد بروزان لا تفقد ذاتها

الفنان الإيراني يستخدم لغة إبداعية تتوحد مع حكايته وألوانها مع الإتساق في مسار أحداثها التي تظهر فيها جوانب كبيرة من الحزن.
توحد الألوان مع مكونات مرتبطة بمواقف حياتية تخص الفنان
اكتشاف العمليات الخاصة المندفعة

يستخدم جمشيد بروزان (إيران، ماريوان 1975) لغة إبداعية تتوحد مع حكايته وألوانها مع الإتساق في مسار أحداثها التي تظهر فيها جوانب كبيرة من الحزن والذي يظهر على ألوانه أيضاً وإن كان أكثرها إستجابات لحالات ثقافية كان من الممكن الإستغراق فيها والإستمتاع بموجوداتها، ولكن توحدها مع مكونات مرتبطة بمواقف حياتية تخصه هي التي دفعته إلى اكتشاف العمليات الخاصة المندفعة، الجامحة في دائرة تكتسب خصائصها الجمالية الخاصة من خلال ربط هذه العلاقة بمشكلة الشكل والمضمون، فطرحه لأفكاره من خلال عمله الفني تحتم عليه أشكالاً مشبعة به وبنشاطه السيكولوجي الخاص الذي ينبغي أن يضعنا في حالة اتصال مع لا شعورنا الخاص، فحدوث الخبرة الجمالية هنا وإستثارته لدواخلنا تجعل عمله الفني الواحد قابلاً لتعدد التفسيرات وهذا بالضرورة يدفع المتلقي ودواخله لإستجابات جمالية بخصائصها المتحولة من العملية الأولية إلى العملية الثانوية، وهذا قد يكون كافياً لحدوث متعة جمالية باعتبارها عملية تواصلية عليها تترتب عمليات الإرتقاء والتخيل اللذين ينظمان العالم الداخلي لكل من الفنان والمتلقي.
معايشة المستويات المتعددة للشكل الجمالي وبحركات تتسم بالمرونة لدى الفنان الخبير تجعله يكتشف أشياء جديدة تظهر لنا أجزاء منها عند كل قراءة لها، كما تظهر لنا بعض أحجار بنائها الفني ومجموعة خطوطها المتصلة منها أو المنفصلة، الغاضبة منها والمتوترة أو الهادئة منها والحالمة، القوية منها والمكثفة أو الضعيفة منها والمتفرقة، يستخدمها جمشيد بروزان جميعها كأشكال متعارضة أو متوافقة، وفي أمور ومواضيع متفرقة جلّها تجسد حالات نفسية وإنسانية معينة يريد تصويرها بطرائق وأساليب خاصة تساعدنا على التذوق والإستجابة لها ولإبداعاته. 

ومن خلال الإقتراب الأكثر من عوالمه ومن هندسة ألوانه وتأثيراتها نشعر بشحنة إنفعالات تجتاح دواخلنا، بشحنة تأملات تتحرك بحرية الإحتمالات في ضوء تصنيفات خاصة، مع التركيز على أبجدية فنية مشرعة على أكثر من جهة ومن حركة، على أبجدية بها يدخل بروزان إلى فضاءات وارفة السحر والجمال حيث وهج الشرق بشمسه يلفح مشهده البصري على نحو معاصر، لا فجاجة فيه، ولا هيولى الحلم وحالته، وحده الشعور يقوده إلى حدود التلاشي بلا أبعاده التي تستقي طاقتها من مخزون فني هائل تمنحه دفئاً متخمراً بالتساؤلات التي لا يمكن الإحاطة بها مهما كانت الخصوبة ممتدة في جوانب اللوحة كلها، لكن يمكن الخروج من هذه الدائرة عبر رؤى تغتسل في انطباعية تميل إسقاطاتها إلى التواصل مع تعبيرية مشبعة بالتجريد.
الفنان يسيطر على السطوح وقيمها على نحو مذهل، دون مقارنتها بجذورها المحلية، ولهذا فهو يقطف ملامح جديدة لمشهده وإن كانت زخات المطر تهب من سموات ليست بعيدة عنه، تقبل الحوار في هطولها، فالفيضان اللوني المنساب من فرشاته يتحول إلى معطيات تحاكي حضوره الإنساني وتستدعي تداعيات انفعالية تقبل المحاكاة في جانبها اللحظي المبهر، وتستدعي أيضاً تفاصيل من حياته تواكب اللوحة وهي ترسم لذاتها مساراً جديداً مغايراً للمألوف، وكذلك يهتم وفي تجدد دائم بالمتعة الجمالية للحالة ومتغيراتها، ويعتقد أن العديد من خصائص الخلق عنده تتفق مع سلوك التذوق الفني الحامل لأكثر من عنصر انفعالي من المتعة ذاتها، فهو يميز المؤثرات الجديدة المتاحة له على شكل تراكيب متنوعة، وغير معقدة، فيها من المهارة ما تجعل ملكاته الخاصة مساهمة في تحسين كفاءته، فيها من المهارة بقدر ما فيها من الدقة والحيوية التي تمكننا من الحكم على مستوى جمالياته التي ترتدي نهر أحاسيس تمنحه من الممارسة والتدريب ما يخولانه تجنب التحديدات المسبقة مهما كانت قيمتها.
وبمعنى ما فإن مشاهده البصرية لا تفقد ذاتها بل تعزز وجودها، وتدعم هويتها وتكونها ضمن وحدة من التماسك بين عملياتها المبكرة الخاصة بتكويناتها وبين تلك العلاقات المتخيلة والمتمايزة التي تتضمن كسباً أكبر لحركات هي علامات بذاتها، وللغة تترتب عليها إكتشاف عوالم الواقع وحاجاته، فقدرته على الأمر والنهي تجعل الصور الموجودة داخل مرآته تتداخل على نحو مختلف حيناً تبعاً لنظامها التخيلي، وحيناً على نحو متجانس تبعاً لرغباتها وحاجاتها، فالنسق الخاص الذي يتطور من خلاله تلك اللغة وحركاتها تجعل جمشيد بروزان يتحكم بتلك التراكمات التي تغزو اللوحة ولولا حرفيته لتحولت إلى عبء عليها من الصعب التخلص منها أو حتى من تخفيفها، ولكن تمكنه من التعامل مع ألوانه وأدواته جعلته يخرج منها بلوحته معافى، دون أن يحتاج إلى إجراء أي تغيير في طقسها، وفي الوقت ذاته وضمن متغيرات دائمة يتعرف على تلك الخيوط الحسية بكل تفاصيلها ويدخل إلى أعماقها علّه يحرضها على الوصول مع تداعياتها إلى أشكال وألوان تحمل ملامحها الخاصة بأجنحتها الخاصة. 

ومن الأهمية بمكان أن نؤكد على تكوين علاقات تندرج تحت مسميات مختلفة / بصرية، تشكيلية / بين أساليبه في امتزاج تجربته بعمليات تقريب المسافات الجمالية وفق رؤية تظهر موجاتها من خلال إزاحات لونية تغلب عليها تبلور النفور والتباعد مع المحافظة إلى حد كبير على حركاتها بإيقاعات خاصة تجسد قيم وأفكار وأحلام وإنفعالات الفنان نفسه، وبين تلك المشاعر الداخلية الخاصة التي تثير الكثير من الخيال، والكثير من التعاطف والتطهير، وتهتم بالطبيعة التفاعلية للعمل الفني بوصفه نصاً في حالة من التجدد الدائم، مشحوناً بطاقة إنفعالية خاصة، متسمة بقوة المشاهدة، وبقوة الإستجابة الجمالية لفعله الإبداعي بوصفه بنية معطاءة يمكنها أن تفعل فينا كمتلقين تأثيرات واسعة، والتي لا تحدث إلا على أساس من إفتراضات تتطلب بالضرورة تكوينات جمالية خاصة بالتلقي.