المعيقل يستعرض نماذج من حركة نقد الشعر في الجزيرة العربية

عبدالله المعيقل يستبعد من مراجعه ومصادره الدراسات الفردية التي تكون كلها مخصصة حول شاعر معين.
الناقد السعودي يشير إلى استئثار شعر التفعيلة بالكثير من الدراسات
الاهتمام بنقد شعر المرأة من باحثين وباحثات
التجارب الشعرية تتلاقح وتنفتح على بعضها البعض في مختلف الأقطار العربية

ثلاثة وعشرون كتابا وبعض الصحف والمجلات الخليجية رجع إليها الناقد السعودي الدكتور عبدالله المعيقل ليتابع حركة نقد الشعر في الجزيرة العربية خلال ثمانية عشر عاما، راصدا ومحللا ومتابعا للنماذج التي قاربت الحركة الشعرية الحديثة في تلك المنطقة من الوطن العربي، من أجل أن يضع ما خلص إليه ضمن صفحات التقرير الأول لحالة الشعر العربي الذي صدر عن أكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف السعودية 2019.
وقد استبعد المعيقل من مراجعه ومصادره الدراسات الفردية التي تكون كلها مخصصة حول شاعر معين، فهو يرى أن الكثير منها يغلب عليه طابع المجاملة والاحتفالية.
والملاحظة الأولى التي يقدمها لنا المعيقل هو استئثار شعر التفعيلة بالكثير من الدراسات، كما كان واضحا الاهتمام بنقد شعر المرأة من باحثين وباحثات، وهو لم يكتف بتلك الإطلالة على كتب الدراسات والنقد، ولكنه تابع أيضا دراسات نقد النقد في نهاية بحثه على اعتبار أنها تتحدث عن مفاهيم في النقد والنظرية الغربية، وتتعرض بعضها إلى محاسن ومآخذ وأساليب التطبيق في دراسات الشعر العربي، مما له علاقة بما طرحه نقاد الشعر العرب.
ويؤكد الناقد السعودي في مدخل بحثه أن ما قيل عن تراجع الشعر لصالح الرواية وغيرها من الفنون يكذبه الواقع الشعري في الوطن العربي، موضحا أن التجارب الشعرية تتلاقح وتنفتح على بعضها البعض في مختلف الأقطار العربية، وإذا كانت هناك فنون أخرى قد زاحمت الشعر فإنها لم تستطع أن تحل محله، مشيرا إلى أن الطباعة الحديثة ودور النشر والشبكة العنكبوتية ساهمت في شيوع الشعر وجعله في متناول القارئ والناقد. ومن الإسهامات الإلكترونية صدور أول موسوعة إلكترونية للشعر العربي أطلقتها في عام 1998 هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، وتم تحديثها عام 2016 لتضم أكثر من 3090 ديوانا لمختلف مدارس الشعر العربي.
في المقابل هناك جهود أخرى لنشر الشعر العربي مثل ما تقوم به مجالس النشر العلمي في الجامعات بدول الجزيرة العربية، وكراسي البحث التي تنشر الأبحاث العلمية والرسائل الجامعية وتشتمل بعضها على نقد الشعر، كذلك ما تقوم به الأندية الأدبية والمجالس الوطنية للثقافة وجمعيات الأدب والأدباء واتحادات الأدباء في دول الجزيرة.

كتاب فليح الركابي "الشعر العربي الحديث في الخليج: قراءة في ضوء النقد الثقافي" لا يتحدث – رغم عنوانه – عن النقد الثقافي كمفهوم شاع في الدراسات الحديثة

أما عن جهود النقاد في نقد الشعر العربي في دول الجزيرة العربية، فيبدؤها الدكتور عبدالله المعيقل بكتاب "حداثة النص الشعري في المملكة العربية السعودية" للدكتور عبدالله الفيفي، حيث يشير الناقد إلى حداثة النص لا حداثة الشخص، وكون الدكتور شاعرا أضفى على دراسته بعدا مهما فيما يتعلق بالحديث عن الأوزان الشعرية والصورة والإيقاع والبنية اللغوية، وما أسماه هندسة الأشكال الفنية.
ثم يستعرض المعيقل كتاب "تحولات الخطاب الشعري في المملكة العربية السعودية" للدكتور عبدالحميد الحسامي الذي ضم خمسين شاعرا وشاعرة مركزا على شعر التفعيلة وقصيدة النثر، راصدا ما أسماه "التحولات" حيث تركز دراسته على كشف طبيعة التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي طرأت على المجتمع ومرتبطة بالتحولات على المستوى الغربي والعالمي من خلال الدراسة التطبيقية.
أما كتاب "الشعر العُماني آفاقه وملامحه" فهو حصاد ندوة الشعر العماني التي أقيمت بين 10 – 11 يناير/كانون الثاني 2005، ويرى المعيقل أن هذ الكتاب هو من أهم الكتب وأكثرها شمولية لدارس نقد الشعر في سلطنة عمان، حيث ضم عددا من الدراسات للدواوين وللشعراء، موضحا أن الدارسين لا يذكرون منهجا محددا أثناء تناولهم للدواوين الشعرية.
ثم يستعرض الناقد كتاب "المكان والجسد والقصيدة" للدكتورة فاطمة الوهيبي ويصفه بأنه كتاب مهم ومؤسس لدراسة شعر المرأة في المملكة، حيث ضم كل الأسماء النسائية في الساحة الأدبية أثناء صدور الكتاب (2005) وهن إحدى عشرة شاعرة.
ومن الدراسات الحديثة لشعر المرأة أيضا يتوقف المعيقل عند كتاب الشاعرة العمانية الدكتورة سعيدة خاطر الفارسي "ظاهرة الاغتراب في الشعر النسوي الخليجي" موضحا أنه رغم ما يصفه العنوان إلا أن شاعرة واحدة من السعودية لم تكن ضمن الشاعرات المدروسات، مؤكدا أن هناك عددا كبيرا من الشاعرات في المملكة، وبعضهن من الأهمية بحيث لا يستقيم غيابهن عن كتاب كبير الحجم في صفحاته مثل كتاب الفارسي. أيضا يشير المعيقل إلى أن الباحثة استبعدت شاعرات قصيدة النثر رغم أن الظاهرة كما تقول: تمثل لديهن تميزا بارزا في شكلها السلبي، والسبب في هذا الاستبعاد ما تصفه الباحثة بقولها الخروج الصارخ على نمطية الثقافة بشكل عام.
أما الدكتور عبدالعزيز اللعبون فيصف المعيقل دراسته "شعر المرأة السعودية المعاصر" بأنها اعتمدت المنهج الإنشائي، مستعينة بمناهج أخرى، وعرضت لأبرز خصائص الرؤى والبنى التي يظهر من خلالها أن المرأة الشاعرة فارقت بها ندها الشاعر. ويرى المعيقل أن دراسة اللعبون الصادرة عن عمادة البحث العلمي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض (2009) هي أول رسالة دكتوراه عن شعر المرأة في المملكة.
ويأتي كتاب د. راشد عيىسى "قصيدة المرأة في المملكة العربية السعودية" ضمن دراسات شعر المرأة حيث يجمع الباحث في دراسته أكثر من شاعرة واحدة تحت عناوين فرعية وتقسيمات، وضمت الدراسة نصوصا تقليدية ونصوصا حديثة، وهي دراسة مضمون أكثر منها دراسة فنية.
أما كتاب "تشكيل الخطاب في ديوان شعراء الفصحى في قطر دراسة في البناء والدلالة" (2016) للباحثة مريم عبدالرحمن النعيمي، فقد احتوى على أربعة محاور: المعجم الشعري، والتناص بوصفه استراتيجية تركيبية وجمالية، والصورة، والتوازن الصوتي.
وتأتي دراسة شارة يحيى محمد مجيردي "جماليات الصورة الكونية في شعر التفعيلة السعودي المعاصر، دراسة نقدية تحليلية 1990 – 2001" في خمسة فصول هي: المفهوم والمقومات، التشكيل الإيقاعي للصورة الكونية، التشكيل السياقي للصورة الكونية، تشكيل الصورة الكونية، التشكيل الدلالي للصورة الكونية. ويوضح المعيقل أن الباحثة تقصد بمصطلح الصورة الكونية استدعاء الشاعر للعناصر الكونية الأربعة: الماء والتراب والهواء والنار، موضحا أن الدراسة اعتمدت على العملية الإحصائية.
ثم يتوقف المعيقل عند كتاب "شعرية الإيقاع في النص الشعري السعودي المعاصر .. شعر التفعيلة أنموذجا .. دراسة تحليلية" (2014) لمريم بنت عبده عبدالله حديدي، حيث تتخذ الباحثة من "الشعرية" أساسا في قراءة النصوص وتحليلها، وتفتح الباب واسعا أمام معطيات العلوم الإنسانية الأخرى كعلم النفس وعلم الاجتماع، لتقيم حوارا تكامليا مع المناهج النقدية في قراءة النصوص، مبتعدة عن التنظير، مهتمة بالتطبيق.
ولا يفوت الناقد عبدالله المعيقل أن يتوقف عند مساهمات الباحثين العرب الذين شاركوا بدراسات كثيرة عن الشعر في المملكة ودول الخليج، ومن هؤلاء الدكتور نذير العظمة الذي كان مشاركا في الحراك الأدبي السعودي أثناء وجوده في جامعة الملك سعود وأصدر كتابه "قضايا وإشكاليات في الشعر العربي الحديث: الشعر السعودي نموذجا"، وقد تطرق الكتاب لعناوين وموضوعات كثيرة لا يربطها ببعضها البعض منهج أو ظاهرة معينة تجمع عددا من الشعراء، بل يعالج العظمة كل ظاهرة عند الشاعر الواحد منفردة عن الآخرين. 

The case of Arabic poetry
إحالات القصيدة

ويتوقف المعيقل عن كتاب الدكتور محمد الشنطي "التجربة الشعرية الحديثة في المملكة العربية السعودية" الصادر عن النادي الأدبي بمنطقة حائل 2003 مؤكدا أن الباحث في الأدب السعودي المعاصر لا يستغنى عن العودة إلى جهود الشنطي حيث يجتمع النقد والتوثيق التاريخي للأدب السعودي شعرا ونقدا ورواية وقصة ومسرحا. أما كتابه المشار إليه فيشتمل على ثلاثة مجلدات: القصيدة المجدَّدة، القصيدة الحديثة، قصيدة النثر والقصيدة النسائية. وقد بلغت صفحاته أكثر من ألف ومائتي صفحة.
أما كتاب هشام مصطفى "في أروقة الحداثة بين متاهات الفهم ومحاولات الوصول" فقد خصص الباحث كل فصل من فصوله لدراسة ظاهرة معينة من خلال مقاربة لبعض الدواوين.
وعن الشعر الإماراتي المعاصر يجيء كتاب وفاء أحمد راشد العنتلي "الوطن في الشعر الإماراتي المعاصر" الصادر عن أكاديمية الشعر في أبوظبي 2014، وتؤكد الباحثة أن المتتبع لحركة الشعر في الإمارات يجد أنها مرت بعدة مراحل قبل الاتحاد وبعده فتطورت قصيدة الوطن وأدوات الشعر.
ويشير المعيقل إلى أنه من الدراسات الجديدة التي تهتم بشعر المناطق دراسة الدكتور أحمد التيهاني "الشعر في عسير" مؤكدا أن الباحث استطاع أن يتوفر على كم كبير من الشعر في منطقة عسير وأن يقدم دراسة نقدية علمية أكاديمية.
أما الباحث القطري محمد عبدالرحيم كافود فيقدم كتابا بعنوان "دراسات في الشعر والنقد" يحتوي على عدد من الفصول في دراسة الشعر، من بينها فصل تأسيسي بعنوان "أوليات النقد الأدبي في دول مجلس التعاون".
ويأتي كتاب فليح الركابي "الشعر العربي الحديث في الخليج: قراءة في ضوء النقد الثقافي" لكي لا يتحدث – رغم عنوانه – عن النقد الثقافي كمفهوم شاع في الدراسات الحديثة، بل إنه – كما يرى المعيقل – لا يشير إلى هذا المفهوم في هذا الكتاب الذي توزعت فصوله بين ظواهر ثقافية في القصيدة العربية وعلاقة القصيدة بالموروث والتراث الشعبي، وتعدد الأصوات في القصيدة، والتحولات الشكلية والموسيقية في القصيدة العربية في الخليج والجزيرة، والشعر النسوي.
ثم يتوقف الناقد المعيقل عند كتاب "توظيف التراث في الشعر الكويتي المعاصر" للدكتور أحمد نزال الرشيدي الذي جاء في ثلاثة فصول: توظيف التراث الديني، توظيف التراث الأدبي، توظيف التراث التاريخي كشخصيات وأحداث.
ثم ينتقل عبدالله المعيقل للحديث عن النصوص الشعرية على الشبكة العنكبوتية، موضحا أنه لا يعرف أحدا قد تصدى لدراسة ظاهرة الشعر الشبكي، هذا النص الإبداعي الناتج عن التواصل الجماعي، ولكنه يشير إلى دراستين مهمتين قاربتا نصوص الرسائل المتبادلة في الجوال SMS ومنها بعض الأبيات الشعرية، والدراستان للدكتورة لميا باعشن بعنوان "زوايا الدائرة" والدكتور عبدالرحمن المحسني بعنوان "خطاب SMS الإبداعي".
ويوضح المعيقل أن دراسة المحسني قامت على جمع مئتي نص sms متبادل بين المثقفين والأدباء، وكان من بينها نصوص شعرية، وجاءت في ثمانية فصول، أما كتاب باعشن فهو يختلف في منهجه عن كتاب المحسني في اعتماده على رسائل حوار بين عدد من المثقفين، مؤكدا أن الدراستين رائدتان في موضوعهما ولعلهما تفتحان الباب لأعمال قادمة في دراسة هذا النوع من النصوص والأدب الرقمي بشكل عام.
ويختم المعيقل بحثه المنشور في التقرير الأول لحالة الشعر العربي بالدراسات التي وردت في نقد الكتب التي صدرت عن الشعر في الجزيرة العربية، مشيرا إلى كتاب خليفة بن عربي "الاتجاهات النقدية في الشعر العربي الحديث في الخليج" حيث يرسم الباحث صورة متفائلة عن مسار النقد الشعري في الخليج.
ثم يشير إلى جهود الدكتور سعد البازعي الذي قدم أكثر من اثني عشر كتابا منها كتاب "إحالات القصيدة"، وكتاب "استقبال الآخر، الغرب في النقد العربي الحديث" حيث بيّن المشاكل التي وقع فيها النقد العربي الحديث في سعيه للمثاقفة مع الغرب.
وفي نهاية بحثه يتحدث عبدالله المعيقل عن الصعوبات التي يمكن أن تعترض النقد العربي للشعر المعاصر وهي كثيرة، من خلال ما أورده الباحث اليمني مبارك سالمين الذي شخص في مقال له حالة الكثير من نقد الشعر، ليس في اليمن فقط، وإنما في مجمل نقد الشعر العربي، وقال بصراحة وجرأة علمية ما يقصر عن قوله الكثير من النقاد. كما يستعرض المعيقل – سريعا – آراء شعراء نقاد من الخليج من أمثال حسين السماهيجي ود. فهد حسين وقاسم حداد.
وليس هناك شك في أن هناك كتبا أخرى لم يعرض لها الناقد وتناولت الشعر الخليجي أو الشعر في الجزيرة العربية بشكل عام، وأعتقد أن المساحة المتاحة له في التقرير لم تسعفه لتناول كل ما كتب عن هذا الشعر.