المقاومة وحربها على قوى الاستكبار العالمي
أما وأن المقاومة الإسلامية تحتاج إلى الدولار الأميركي في حربها على قوى الاستكبار العالمي فإن في ذلك ما يُكذب الصراخ المتشنج الذي يرافق تلك الحرب الدعائية التي لم نر أثرا لها على الأرض إلا من خلال صور مدن رثة وجياع يتنقلون بين المزابل وأرامل وأمهات قتلى تسميهم المقاومة شهداء ومسيرات جنائزية تلتهم مواد غذائية تكفي لإطعام شعوب.
وأما ما يتعلق بقوى الاستكبار العالمي فإنها تنظر إلى المشهد المتداعي من بعيد من غير أن يلحق بها أي ضرر يُذكر. دول مزدهرة وشعوب تعيش في هناءة واستقرار وأمن وتخدم مسيرة التطور الإنساني من خلال رعاية الشرط الإنساني الذي يتضمن حقوقا لا تُمس.
تلك حرب لا تنتج إلا خرابا في دول، صارت شعوبها حطبا لنار عقائدية تُلهب الحماسة في المشاعر الضعيفة وتغذي غريزة الشر لدى المستضعفين فيما مافيات الفساد المنتشرة بين أصقاع الأرض تطور أساليبها في سرقة ثروات تلك الشعوب في سلسلة من عمليات النصب والاحتيال، صار خبراء الفساد يتلقون دروسها مثل صفعات تأتيهم من جهات لم يتوقعوها.
وإذا كانت إيران هي المعبد الذي يتوجه إليه الفاسدون من مقاومي قوى الاستكبار العالمي بصلواتهم إليه فإن حزب الله وهو منظومة فساد معقدة يمتد بمصالحه التي يديرها عملاؤه من فنزويلا إلى الفلبين مرورا بدبي. وكلما أعلنت السلطات في هذه الدولة أو تلك عن الكشف عن شبكة تهريب أو غسيل أموال يتبين أن هناك ما لا يُحصى من الشبكات لا تزال تعمل في الخفاء.
كل تلك الأموال التي يتم ضخها في قنوات الإرهاب هي أموال منهوبة من ثروات الشعوب التي نُذرت من أجل مقاومة قوى الاستكبار العالمي. وفي كل الأحوال فإن تلك الشعوب عاجزة عن استرداد أموالها ما دامت قد دخلت في إطار حرب لا يقاتل طرفاها دفاعا عن حق الشعوب المنهوبة في العيش الحر الكريم.
فبالنسبة لقوى المقاومة لا وجود لمفهوم العيش الحر الكريم في ظل النهب المستمر للثروات خدمة للأهداف السامية التي تتجاوز الواقع لتصنع تاريخا لن يتمكن من رؤيته الجياع. وبالنسبة للدول التي تستولي على تلك الأموال المنهوبة فإن قوانينها عمياء لا ترى سوى لصوص ينتحلون صفة رجال أعمال وهو ما يهب الدول الحق في الاستيلاء على أموالهم. دائرة محكمة الإغلاق لا مكان للشعوب وهي صاحبة الحق مكان فيها.
حين قرر بنك الاحتياطي الأميركي أن يحد من عمليات تهريب الدولار إلى إيران من العراق كان رد فعل المقاومة في العراق صاعقا ومدمرا. فبين لحظة وأخرى صارت العملة العراقية تنهار في أسواق صرفها أمام الدولار الأميركي وهو ما فتح الباب أمام أزمة اقتصادية، صار العراقيون بسببها يكثرون من الدعاء (وهي عادتهم) على قوى الاستكبار التي قررت أن تُحرم المقاومة من حقها في نهب الدولار الأميركي وتحويله إلى إيران من أجل انقاذ اقتصادها.
شعار قوى المقاومة هو الاقتصاد الإيراني أولا. اما اقتصاد العراق فإنه لا يخطر في بالها. لقد ضرب الإجراء الأميركي المواطن العراقي العادي بمقتل. فحين انهار الدينار العراقي ارتفعت أسعار المواد الغذائية والأدوية في ظل عجز حكومي واضح عن معالجة الأزمة. فالحكومة هي من صنع قوى المقاومة التي قررت أن تحارب قوى الاستكبار العالمي من خلال تجويع الشعب العراقي.
ما من حل إذاً سوى بالعودة إلى النظام القديم الذي أوقف العمل به البنك الاحتياطي الأميركي. وهو ما حدث فعلا من غير أن يؤثر ذلك على سعر صرف الدينار العراقي الذي ظل متدنيا وسيظل كذلك ما دامت الحرب على قوى الاستكبار قائمة.
ولكن متى تنتهي تلك الحرب؟ ما من أمل في أن تنتهي إلا إذا فك العراق ارتباطه بإيران. فالحروب الوهمية لا تنتهي. هي أشبه بحرب دون كيشوت على العالم في الحكاية الإسبانية. وفي واقع المقاومة هناك مئات المليارات من الدولارات التي يجب الاستيلاء عليها لتوضع بين يدي إيران لتسند من خلالها حربها على العالم. ولأن اللصوص ربحوا الحرب هذه المرة في العراق وقبلها في لبنان من غير أن ينالهم شيء من العقاب فإنهم سيذهبون بعيدا في تأسيس شبكات فساد جديدة تقوم على أساس مهارات مبتكرة لن يتمكن العقل البوليسي العالمي من اكتشافها إلا بعد أن تحقق أهدافها التي تنتهي خيوطها كلها بين يدي الولي الفقيه.