المقرئون لا يقتصر دورهم على قراءة القرآن الكريم

الأعظمي: هناك 14 مقاما يستخدمها القراء العراقيون ويكرهون القراءة بـ الحليلاوي.
القرآن نور فإذا كان صاحب الحفظ على بينة من هذا الأمر وكان تقيا ورعا من الله فالحفظ سيكون سهلا
كل الأنغام مقربة إلى وجدان ومشاعر المقرئ العراقي

حتم الواجب التراثي والأخلاقي تأسيس جمعية القراء والمجودين العراقيين في تسعينيات القرن الماضي أسوة بالجمعيات العالمية التي تعنى بتحفيظ القرآن الكريم وتعليمه في الدول العربية والإسلامية، وكان مقر الجمعية في مسجد الإمام الأعظم ثم انتقل إلى خارج العراق، ومنذ ذلك الحين والجمعية تواصل نشاطها كرابطة للقراء والمجودين على الطريقة العراقية البغدادية الشهيرة، ولتسليط الضوء على هذه القراءة التي تعاني برغم محليتها المرموقة من صعوبات جمة تعترض طريق انتشارها في عموم الوطن العربي، وحاورنا المقرئ حمدي شهاب الأعظمي أحد أعضاء الجمعية البارزين الذي قال عن دور المقرئ: الكثير من المقرئين لم يقتصر دورهم على القراءة بل تعداه إلى تعليم القرآن وتحفيظه، وأذكر لكم أن الشيخ الراحل عبدالقادر الخطيب كان علما في القرآن الكريم وفي القراءات العشر، وهو مجاز إجازات عدة من علماء الموصل وعلماء الأزهر وعلماء دمشق، وأصبح علما من أعلام الأعظمية، وكان خطيبا مفوّها على مدى أربعين سنة، وهو من كبار العلماء، وأصبح رئيسا لعلماء العراق في زمانه وحتى وفاته سنة 1969، وكان قبله أيضا القارئ الكبير نعمان العمر توفي 1949، وكان يقرأ في القراءات العشر وكان إذا قرأ في الصلاة أبكى من خلفه خشوعاً .
ولا يقتصر دور المقرئين على تلاوة القرآن بل وإقامة المناقب النبوية الشريفة والتواشيح الدينية كذلك. وينبغي تعلم القرآن الكريم مشافهة من أفواه العارفين، كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمر قائلا: "خذوا القرآن من ابن أم عبد"، وذلك لفصاحة لسانه وقراءته الصحيحة التي كان يقرأها عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.

البعض يرى أن أول من نقل طريقة الترتيل إلى العراق هو القارئ المصري الراحل الشيخ محمود خليل الحصري، فهو أفضل قارئ مصري وعربي في مجال الترتيل

وعن الطريقة المثلى لحفظ القرآن الكريم قال حمدي شهاب الأعظمي: الأساس في الحفظ هي التقوى، فمهما كانت الطريقة المتبعة، وتبقى التقوى هي أساس الحفظ، والله عزّ وجل يقول في كتابه الكريم: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ}، والقرآن نور فإذا كان صاحب الحفظ على بينة من هذا الأمر وكان تقيا ورعا من الله فالحفظ سيكون سهلا، وسمعت من أحد القراء الذي يقرأ على الروايات السبع في سوريا في جامع قاشيش في دوما، قال أتاني رجل عمره يناهز الـ82 عاما، مصر على حفظ القرآن، وجلس معي سنتين في المسجد وحفظه كاملا، فهذا يعطينا صورة أن حفظ القرآن يأتي للإنسان بصدقه وتقواه.
وقال عن ضوابط استخدام المقامات في القراءة العراقية: هناك 14 مقاما يستخدمها القراء العراقيون، فالمقرئ المتمكن ينتقل في القراءة من مقام إلى آخر، وتوجد بعض المقامات التي كره العلماء استخدامها مثل المقام الحليلاوي، حيث كرهوا استخدامه كراهة التحريم، لأنه يستخدم في الغناء فقط، ففيه ترجيع والترجيع في القرآن غير صحيح. ونشترط على المقرئ أنه إذا قرأ أن يلتزم بقواعد التجويد وأحكام التلاوة.
ويشير الأعظمي إلى أن الدعم المادي يشكل العقبة الأساس، فإذا دعمت الجمعية ماديا فنستطيع حينئذ أن نتقدم بالجمعية بصورة كبيرة نحو الأفضل، ونتمكن بذلك من توظيف المزيد من الأساتذة والمشايخ لدى الجمعية فنقوم بواجبنا الذي أمرنا به الله تعالى ويرضى عنه.
وعن القراءات والمقامات التي يستخدمها القراء العراقيون، يقول القارئ محمد واثق العبيدي: كل الأنغام مقربة إلى وجدان ومشاعر المقرئ العراقي، بيد أنه ينجذب نحو أحدها بموجب ضوابط موضوعية، وهنا تدخل مسألة أخرى وهي ثقافة القارئ ومدى غرفه من العلوم القرآنية على وجه العموم، فإن كان بصدد آية تتضمن وعيداً فسيختار أنغاما تتوافق مع هذا المعنى، مثل (الصبا، اللامي، المدمي)، وإن كان بصدد آية تتضمن ترغيباً فسيختار أنغاما رقراقة وشجية، مثل (الاورفه، العجم، الهمايون، نهاوند)، ومن هذه الضوابط ما يعتمد على الفراسة وقوة الملاحظة، فإن كان القارئ يقرأ على جمهور ينحدر من جنوبي العراق، فإنه سيختار أنغاماً ترتاح لها آذانهم، مثل (الطويرجاوي ،العياش ، الصبية، والمدْمي)، وأما اذا كان يقرأ في جمهور من السليمانية وأربيل فيتوجب عليه التركيز على مقام (الاورفه وخاصة قطعة الزازة)، أما إذا كان الجمهور من كركوك فإنه حينئذ سيجهد نفسه بالتركيز على مقامات (القوريات، تفليس، عمر كَله)، وأما الجمهور البغدادي فهو وحده الذي لا يتنازل عن التسلسل النغمي الذي اعتاده.
وهناك ضوابط مهمة أوجبتها الأذن السمعية والذائقة المرهفة فحكمت على التراث ان يكون سلطانا على المجتمع. ففي العيدين يستحب للقارئ أن يقرأ ما يهواه الجمهور فيقرأ على مقام الـ(جهاركاه) ومنه (الخلوتي، والماهوري، والعجم)، كما أنه يقرأ من سورة الصافات ذاك أن فيها إشارة إلى الاضحية، ومن سورة الحج بمعنى أنه يراعي المناسبات.
ويرى العبيدي أن سنوات الحصار الظالم من جهة وأحداث 2003 وما بعدهاـ قد أتت على كل شيء إيجابي يجلب إلى النفس البهجة والسرور، فتعرضت جمعيتنا شأنها في ذلك شأن الكثير من المؤسسات العراقية وبقيت إلى فترة طويلة في سبات فتأثر أداؤها بكل تأكيد.

ويذكر أنه من مشايخ الأعظمية المعروفين الشيخ الجليل أمجد الزهاوي، والحاج حمدي الاعظمي، والحاج نعمان الأعظمي والحاج شاكر الملا رشيد، والشيخ عبدالقادر الخطيب، أما عن القراء المحترفين على وجه الخصوص فكان منهم: الملا حمودي الاعظمي، الحاج بدر الدين الأعظمي، الحاج سامي الأعظمي، الملا نشأت الأعظمي، الملا عبدالجبار النعيمي، الحاج محمود عبدالوهاب، وجامع هؤلاء القارئ الراحل الكبير الحافظ خليل إسماعيل، الذي تسلم الراية من القارئ الكبير الحافظ مهدي، أما بالنسبة إلى القراء الموجودين على الساحة الآن فيأتي في مقدمتهم عبدالمعز شاكر، وضياء مرعي، وحازم ملا حويش، والملا منذر العبيدي وغيرهم كثير.
وتحدث القارئ محمد العبيدي عن شروط وصفات قارئ القرآن الكريم فقال: على من يزمع أن يكون قارئا محترفا عليه أولا أن يتأكد من وجود الموهبة لديه، أو ما يدعوها بعضهم بـ "الخامة" فإذا كانت حنجرته قد جبلت على الطاقة والمقدرة من جهة وعلى اللطف والرخامة من جهة أخرى فعليه عندها العناية بها، والنهل من علوم القرآن، ليثقف نفسه مستذكرا في كل وقت وحين أنه يتعامل مع كلام الله العزيز فعليه بالتقوى والورع.
وعن الواقع الإقرائي يرى العبيدي أنه منذ بدايات القرن العشرين ونشوء الإذاعة والتلفزيون أفرز لنا أمرا مهما من خلال ما وصل إلينا من تسجيلات قرآنية، حيث تعرفنا من خلالها على مدرستين فرضتا نفسيهما في مجال القراءة، الأولى هي مدرسة الحافظ مهدي، المتوفى سنة 1961، فهذا الرجل الكفيف المتلفع باللباس الديني كان بديعا في أدائه للنغم، بديعا في تجسيده للآيات القرآنية الكريمة، وكان يقرأ القرآن الكريم بنغم الـ"رست" دون أن يعرج إلى تشعباته ثم يتحول إلى مقام آخر لينهل من رياحينه العبقة من دون مبالغة، أما المدرسة الأخرى فهي مدرسة القارئ المتمكن والفريد من نوعه الراحل الحافظ خليل إسماعيل، وطريقته هي التي سادت في الواقع الإقرائي الحالي مع أن طريقة الحافظ مهدي لا تشوبها شائبة ولا ينقصها شيء ولها أتباعها حتى الان، ولكن تطور العلوم والتأثر بالقراءة المصرية، التي تلتها القراءة السعودية ربما أدى الى انحسار محدد في طريقة الملا مهدي.
وعلى ذكر الطريقة المصرية ومقارنتها بالطريقة العراقية يرى العبيدي أن لكلا الطريقتين مميزات وصفات وضوابط، ولكل منهما حضور وإن تباين واتسع بقراءة دون أخرى، فذلك يعزى إلى الظروف الموضوعية التي تساعد هذه الطريقة دون الأخرى في الانتشار، ولا نقص في إحداها على الإطلاق.
وما ساعد في انتشار الطريقة المصرية أن الازهر قد وظّف أجهزة الدعاية والإعلام في خدمة القارئ والقراءة، واهتمَّ بتربية وتنشئة القراء على وفق منهج علمي ينهلون منه، في حين أن الطريقة العراقية لم تلق الاهتمام والرعاية المطلوبتين من وسائل الإعلام.
ويستطرد العبيدي فيقول عن الترتيل في العراق أن البعض يرى أن أول من نقل طريقة الترتيل إلى العراق هو القارئ المصري الراحل الشيخ محمود خليل الحصري، فهو أفضل قارئ مصري وعربي في مجال الترتيل، كما أحدث مجيء القراء المصريين الأفاضل إلى العراق كعبدالفتاح الشعشاعي، وأبوالعينين شعيشع، وعبدالباسط عبدالصمد، بما يمتلكون من أصوات هادرة وقوية طفرة في انتشار طريقة الترتيل في قراءة القرآن، في حين يرى بعضهم الآخر أن قراءة رئيس الرابطة الإسلامية الراحل الحاج عبدالقادر الخطيب أثناء الخطبة هي السبب في انتشار الترتيل في العراق.