
المواطنة وسبل الخلاص في روايات 'بنت البحر'
أسئلة عديدة ودروب مختلفة تدعونا إذ نطرق موضوع المواطنة في مدونة المبدعة العربية. هذا المفهوم القديم الحديث الذي برز بصفة خاصة في العقود الأخيرة، مع الأحداث المتلاحقة التي زادت في تمزقات العالم العربي وخيباته، ما جعل مفهوم المواطنة يتجلى بقوة في عديد المجالات لمجابهة الأخطار الداهمة. كما تعددت الكتابات حوله سواء العربية أو الأجنبية، نذكر منها كتاب "ما المواطنة؟" لـ:
Dominique Scchanapper – Christian Bachelier
ترجمة سونيا محمود نجا ونشر المركز القومي للترجمة بالقاهرة في 2016
وكتاب"المواطنة والهوية الوطنية في الأردن والوطن العربي" الفائز بجائزة الملك عبد الله الثاني في 2018.
قد تتعدد مفاهيم المواطنة وتتسع، من المواطنة الاجتماعية، إلى الفلسفية، إلى العالمية ولكنها تشترك كلها في معاني: الحرية، الحق، العدالة والمساواة، وتحيل دوما إلى مفهوم الانتماء، مفهوم الوطن. ولكن " ليس الوطن الأرض، ولكنه الأرض والحق معا" كما يقول محمود درويش.
ولكن، أين هي هذه الحقوق في أوطاننا العربية؟ وكيف تجلت في مدونة الكاتبة العربية، خاصة في العشريتين الأخيرتين، مع ملاحظة أن هذه المعاني لم تغب عن مدونة الكاتبات العربيات الرائدات ، وحضرت بصورمختلفة، خافتة أو صاخبة فيها (وأخص بالذكر بعض الرائدات التونسيات كحياة بن الشيخ، هند عزوز، فاطمة سليم).
وأي خلاص نروم الوصول إليه، من خلال تجليات المواطنة، في إنتاج المبدعة العربية؟. ألا تكون الكتابة مواطنة؟ أليست تجلياتها المختلفة، انتصارا لها؟ أم هي مجرد صرخة عالية تتردد مطالبة بالحق والمساواة والعدالة التي تصبح زئبقية مائعة في أرض واقع متشظ مأزوم؟
ثلاثية هيبو: نموذج من الرواية العربية
انطلاقا من تجربتي الحارقة، اخترت أن أتناول المواطنة في أوسع معانيها من خلال نموذج من الرواية التونسية: "ثلاثية هيبو"، "دروب الفرار"، "العراء" و"نساء هيبو" و"ليال عشر"، لبنت البحر، يدفعني سؤال ملح، كاو:
في وطن عربي يتربص به، يتسلل إليه الذئاب الجياع، ويحاصره أخطبوط سرطاني ماكر، كيف تواجه المرأة العربية المبدعة هذا الواقع؟
كيف تحمي جسد الأمومة؟ .. جسد الأرض؟ كيف تنقذ الذاكرة المضيئة والهوية المهددة؟
أي جواب سيكون لنسائي؟ نساء انبعثن من رض حارقة، في مدينة يحيط بها البحر من كل الجهات، أخذتهن أحداث البلاد، بين قمع وتطرف واغتيالات، ليكمل المخيال حكاياهن في ثلاثية هيبو.
بدءا من رواية "دروب الفرار" إلى "العراء" إلى " نساء هيبو وليال عشر"، نماذج لرواية عربية اخترت، لكاتبة تؤمن بأن الأدب موقف وتؤكد مواطنة المبدعة العربية في أوسع معانيها وأعمقها.
كيف ستتجلى معاني المواطنة في مدونتي التي اخترت ؟ مع نساء يقاوم واقعهن؟.بمختلف الأشكال،.قد يكون الفن أبرزها؟.
.قد تسقط بعضهن في الطريق، ولكن تظل مدينة البحر تحضنهن، ترفع عاليا مع هدير البحر صرختهن الأخيرة، لتكون هيبو رمز الوطن المنهك بهمومه و المقاوم خيباته، الباحث مع نسائه عن الخلاص.
1- "دروب الفرار":

رواية صدرت عن دار سيريس في طبعتها الأولى عن دار سيريس، سنة 2004 قبل أن تتوالى طبعاتها في تونس وسوريا، عن دار كنعان.
هي رواية شرود، عاشقة النغم، الحالمة بإبداع نغم يوقظ المدينة النائمة، المؤمنة بأن الحب يفتح كل الدروب، ولكن يتعرى لها قاع المدينة العتيقة التي تدخلها مع خالد، الزوج الشرقي والحبيب الماضي. وإذا هي في قلعة مسورة، يتسلل إليها التطرف الديني، يحرم النغم وخصلة الشعر الطائرة مع الريح.
تواجه شرود الدين الجديد"المتكئ على عكاكيز الجاهلية الأولى" بالهروب على الماضي، بالحلم، بالدراسة ، بالعمل. ولكن، مع التوغل في الرواية، يشتد القمع، ويكسر الأورغ الذي اشترته شرود بثمن أقراط الذهب التي باعتها. ويختفي شقيقها الطالب الثائر بعد إحدى المظاهرات. وتجر شرود أخيرا إلى الرازي، مستشفى الأمراض العقلية، بعد جريمة قتل رضيعها زهر.
وتظل قصاصات الجرائد المتناثرة التي جمعت في بيتها، شهادة على جرائم التاريخ في وطن تتالت خيباته وتواريخ القمع الدامي فيه (جانفي 78، جانفي 80...)، لتصبح الرواية "شهادة تتأمل التحولات العربية المأساوية التي أنتجتها سلط ظالمة ساهمت في اجتهاد كبير في صناعة الجهل المقدس، تحتفي بالأموات وتطارد الأحياء" كما كتب د. فيصل دراج عن الرواية في تقديم طبعة دار كنعان السورية.
مع انهيار شرود واستسلامها للأدوية المخدرة للعقل والذاكرة في مستشفى الرازي، بعد أن أخذتها دروب الفرار، فإنها في النهاية تمضي في درب حريتها، إذ تترك خالد يعود إلى مدينته، وتمضي وحيدة إلى البحر، تحت مطر شفيف، ليظل البحر يغني لها، لايكف عن الغناء". ويظل بعدها مفتوحا سؤال المصير .
هكذا تنتهي الرواية، على شاطئ هيبو تحت الرذاذ.
ولكن، تظل أصداء مدن أخرى تتداخل مع أصداء هيبو، المدينة البحرية المحاطة بالأسوار، لتعلو صرخة الطفلة الفلسطينية القتيلة في انفجار سيارة ببيروت، و"لتتطاير قصاصات أخبار الشرق العربي حيث تردم الأحلام والأشلاء تحت الركام، لتظل الكنائس والمساجد المحترقة شاهدا على دمار العالم العربي"، كما كتبت يوما شرود.
تصبح المدينة رمزا لشرق يحترق.
رغم سلبية شرود الهشة الظاهرة، فإن صرخة الإدانة ترتفع عالية، مع الحلم والكابوس، مع الفرار والمواجهة، مواجهة الواقع ولو بالجنون.
لعله الإحساس القاهر بالانتماء، والتوق الموجع إلى الحرية، للمرأة المختنقة داخل الأسوار المتوالية، هو الذي يفتح دروب المواجهة، دروب االفرار، ويطلق صرخة الإدانة عالية من خلال السرد لمقاومة الواقع المتردي.
رغم صدور الرواية في 2004، فإنها قدمت نبوءة ماعشناه في عشريتنا الأخيرة في تونس، مع هجوم الظلامية الدينية التي استباحت الوطن و سهلت امتداد أصابع الأخطبوط السرطاني الخارجي ليدمر القيم ، ويسجن الإنسان المواطن العربي في ظلمة الاستعمار الجديد المقنع.
ولكن ، أليس هذا هو دور الأدب، مع الإحساس القاهر بالانتماء، تتجلى فيه قيم المواطنة في أعمق معانيها، فينير الادب الماضي والحاضر و يستشرف القادم، ويرفع صوته عاليا، معريا الواقع المتردي، مدينا المظالم والتطرف بكل أشكاله، ولكن بجمالياته الفنية التي تحرر الإنسان من قبح واقعه، وتضيء ظلمته بنور الإبداع وتسقيه لذة الفن ونشوته؟
2- العراء:

على غلاف الرواية الثاني في طبعتها الأولى الصادرة في 2012 عن دار نقوش عربية ، قبل صدور الطبعة المصرية في 2018 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، نقرأ:
"يادجلة العشق المقهور..
إلى أي جحيم رميتني، لأخيط جرحا غامضا عز على المداوين ، وأتوغل في دروب الوجع التي رسمها شتات أوراقك، والحفارة التي نخرت جسدك البض الجميل، وطالت مدنك، ما زالت هادرة تحفر الأرض وتمد أيادي الأخطبوط ليفترس الذاكرة "
بهذه الصرخة لغسان سلمان، الشاعر الفلسطيني المهجر إلى تونس، ترفع رواية العراء رايتها المنذرة: الذاكرة المهددة بالافتراس، ذاكرة الأرض، ذاكرة الوطن.
هذه الذاكرة تتجلى أهميتها من العتبة الأولى،ليكون الإهداء إلى :
"امرأة الغياب الباقية، التي أجهشت بالبكاء، على سرير الإنعاش، وهي تذكر أطفال فلسطين النازفين في الشوارع".
نلتقي في رواية العراء بدجلة العامري، في أول فصل، روحا على أبواب السفر إلى السماء، تستعيد حياتها القصيرة الزاخرة قبل الرحيل، وترك صغيريها وزوجها والحبيب. نلتقي بها امرأة في عنفوانها، تبحث عن مراجع لكتابة رواية عن فلسطين، فالفن بالنسبة لها مقاومة لأجل الحياة،" مقاومة للموت"، كما يقول أندري جيد.
كان هاجس الرواية الأول الجسد بكل رموزه. ولكن المعنى اتسع وتعمق، ليرتفع قلمان يكتبان الرواية ، يسكنهما هاجس الخلق: دجلة العامري الروائية التونسية وغسان سلمان الشاعر الفلسطيني المهجر، لنحيا " قصة حب مستحيل، لادواء له إلا الداء الأكبر، الفراق ثم الموت"، كما يقول د، محمد آيت ميهوب عن الرواية.
من خلال هذا اللقاء، يتعرى تاريخ التغريبة الفلسطينية الثانية من سنة 1982، بدية من28 أوت ، يوم قدوم الباخرة اليوناية من بيروت الحرب، إلى ميناء بنزرت"هيبو" وعلى متنها حوالي ألف من الفلسطينيين المهجرين إلى تونس.
يتعرى الواقع يغزوه السرطان، سرطان يتسلل إلى جسد دجلة كما جسد فلسطين، إذ ينشب مخالبه في نهد الأمومة و يقتحم حرمة الأوطان في غارة حمام الشط ويقتل "أبو جهاد" بتونس البعيدة عن المشرق العربي، أين زرع السرطان .
تتداخل في الرواية هموم الفرد وهموم الجماعة، تتراشح المأساتان وتنصهر التجربتان، ويصبح جسد دجلة لوحة تعلق عليها كل الرموز. وإذا الجسد الأنثوي الذي تسلل إليه السرطان ، هو الجسد العربي الممزق في عالم تحكمه سلطة الأقوى المفترسة للأرض الماحقة للقيم.
كيف تواجه دجلة هذا السرطان؟ كيف تقاوم؟ وكيف تتجلى المواطنة في أوسع معانيها، في تأكيد الحق في الحرية، في العدل، في الحياة؟
"احمل سلاحك، في كل ملجإ مهما نآى..الكلمة لك سلاح." يقول القائد الفلسطيني أبو جهاد مودعا غسان الغاضب، وهو يستعد لركوب باخرة التهجير من بيروت الحرب إلى تونس، بعد أن أسقط من يده السلاح، مذكرا بسلاحه الثاني، الكلمة.
نفس العبارة تتردد في ذاكرة غسان " الكلمة سلاحي" تقول دجلة العامري.
تعلو دعوة المقاومة، بالكلمة، بالفن، لتقديم الشهادة و إثبات الهوية وحفظ الذاكرة التي يسعى الاحتلال إلى سرقتها بكل الطرق. أولم تقدم فرقة إسرائيلية أغنية لسيد درويش، على أنها من التراث الإسرائيلي كما جاء في إحدى صفحات الرواية؟
تقول دجلة: "سأنهض وأقاوم، أمسك من جديد بالقلم الذي سقط من يدي،أكتب بالسواد على البياض، ذاكرة زاخرة، حياة تخضر وتزهر في قلب الريح و العاصفة".
تواصل إذ تستذكر قولة دستوفسكي ص127، "إن الحياة لا توهب بغير مقابل وإنما تتطلب ثمنا غاليا، ولا تكتسب بغير الصبر والألم والجهاد".. فجاهدي يا دجلة واستقوي على الخراب، واتركي الذاكرة تضيء مصابيحك، علك تقدرين على الفوز والانتصار على هذا الزمان".
الانتصار الذي تريده دجلة هو الانتصار في أوسع معانيه وأعمقها الانتصار على سرطان الأرض والذاكرة.
يتعدد الاستنجاد بالفن في العراء، الفن بكل أشكاله: الموسيقى والشعر والتشكيل والكتابة، مع توظيفه في النسيج السردي، لأجل كتابة الشهادة وحفظ الذاكرة وفضح اللصوص والقتلة، فتتعدد الحيل الفنية، وتتوالى القصاصات والمراجع تجمعها دجلة لكتابة الرواية داخل الرواية ، التي انطلقت فيها دجلة العامري قبل غزو السرطان للجسد.
تقول في صفحة 121، بعد مشاهدتها شريط "عروس الجولان" الذي منع فيها الاحتلال، يوم العرس، دخول العروس إلى الجولان المحتل حيث ينتظرها العريس:
" عدت أتصفح الأوراق الماضية: الشرق الممزق يتآكله السرطان، يسقط إكليل الفرح، يقتلع جذور الشجر، يدمر معمار مدن الشرق المتوالية من حيفا إلى بيروت، من القنيطرة إلى قرطاج.. رفعت كأسي الحارقة، تلمضت مرارة قهوتي، وعدت أكتب متناسية جرح أرضي و ملامة جسدي."
هكذا، بالإصرار والتحدي والجهاد، تقاوم دجلة لتؤكد مواطنة الإنسان المكافح في وطن عربي مستهدف على الدوام. ولكن السرطان اللعين يتغلغل من النهد إلى الرحم إلى كامل الجسد. تستنجد دجلة بغسان، بعد أن أسقط السرطان من يدها القلم.
أخيرا تكتمل الرواية بإمضاء الحبيبين، وتنجو الشهادة، وتنتصر المقاومة بالفن في العراء. تكتمل الرواية مع أصوات الأطفال وجرس المدرسة وحوار طفلين قريبا من سور المقبرة حيث أودع جسد دجلة التراب،" ستزورنا يوما الكاتبة دجلة العامري، هكذا قالت لنا المدرسة". ويظل صوت المتنبي يتردد في بياض السماء، يستقبل دجلة العامري " كم قد قتلت ، وكم قد مت بينكم ... ثم انتفضت، فزال القبر والكفن".
3 - "نساء هيبو وليال عشر":

دروب أخرى للمواطنة تتجلى في هذه الرواية الصادرة عن دار الأمينة للنشر بالقيروان في 2024، لتكتمل بها ثلاثية هيبو، مدينة البحر الصاخب في أقصى الشمال التونسي.
يعلو هدير البحر فيها مع أصوات مريم وأحلام وسناء ودنيا، في رحلة بحث عن الحقيقة، عن الخلاص. تمتد على 10ليال من ليالي هيبو دياريتس-الاسم الفينيقي القديم لمدينة بنزرت.
هي شهادة على تاريخ قريب، من العشرية الأخيرة، في تونس، وطن استبيح، لتتوالى فيه الأحداث الصادمة والاغتيالات الفاجعة. وإذا هو الصدام مع القانون إثر جريمة اغتيال ، اختفى إثرها طالب الهندسة نادر العلمي.
تتوالى فصول الرواية بأرقام الليالي العشر، تكتبها نساء هيبو الأربع مع هدير البحر الصاخب، المقاطع أصواتهن في بحثهن عن الخلاص.
يتداخل البوليسي مع الاجتماعي والسياسي، ليثير السرد أسئلة حارقة عن الوطن، عن الشباب الضحية، عن القانون الملتبس:
*كيف يتسلل السرطان الخارجي ليسرق العقول ويغتال المقاومين ويذل الأوطان؟
*كيف نؤمن بمصداقية القانون حين يصيبه العمى؟ يقول محمود درويش " كم نحن أبرياء حين نصدق أن القانون وعاء للحق والعدل" كما جاء في إحدى صفحات الرواية.
أمام واقع صادم، نتابع في ليال عشر:
*كيف واجهت نساء هيبو جريمة الاغتيال؟
*هل وجدن في القانون حماية؟ أم أن الجريمة كانت أكبر من القانون؟
*هل استطاعت المواطنة والتمسك بالحق أن تفتح لديهن سبل الخلاص؟
*أم أن الصراع يظل قائما، بلا خلاص نهائي، بين مواطنة مقاومة و محبطات الواقع المتردي؟
في ورقة طائشة، رمتها المؤلفة إلى البحر، نقرأ في صفحة 231 من الرواية:
"سناء..يا ابنة دجلة العامري، لم تلقين سلاحك؟ وأنت تضيفين إلى سلاح من رضعت حليبها-الكلمة- سلاح القانون؟.. أم أن القانون أصبح لعبة الأقوياء ، زمن الانهيار الأخير؟"
"القانون ، المائع الماكر الأعمى.. هو ذا يهزمك يا سيدة القانون، لتعلني انسحابك وتلقي الروب الأسود الذي به تختالين، مرافعة عن المظلومين والمنكسرين.."ص233
مهما كان الجواب ومهما كانت نهاية الليالي العشر، فإن أصوات نساء هيبو ترفع صرخة إدانة عالية للقانون الأعمى. ولسلطة الأقوى. تتساءل إحداهن منذ البداية، في صفحة الفاتحة: " أهو صوتي حقا الذي علا، وارتفعت أصداؤه مع هدير البحر الغاضب، يرشني زبده المجنون؟ ..أم هي صرخة المدينة البحرية، تنطلق من حلقي الجريح؟ صرخة هيبو دياريتيس الأخيرة؟" ص 10
مع هذا، يظل السؤال قائما: ألا ينتصر الحب في النهاية؟ وهل يكفي الحب؟ للانتصار ؟ ولإنقاذ الضحية؟ أم أن الضحية شرط للوصول إلى الحقيقة كما ورد في أولى العتبات؟
وهل من وصول إلى الحقيقة؟ أم أننا سنظل نتابع لاهثين نساء هيبو في ليال عشر ، على هدير بحر شتائي صاخب يروي حكاياهن، حكايا الحب والشوق والفقد والحنين، دون الوصول إلى جواب أو خلاص ؟
رغم السؤال المعلق، تظل مدينة البحر هيبودياريتيس، مدينة الشهداء دوما ، تحضن نساء هيبو، يواسي بحرها الهادر أوجاعهن، أوجاع نساء يصارعن واقع وطن مخترق، منهك بهمومه وخيباته ومؤامرات المهددين شبابه، المصوبين رشاشاتهم نحو مستقبله، مغتالين فيه كل روح مقاوم.
ولكن تبقى المقاومة بالكلمات، تعلي قيم مواطنة لا تنكسر ، مهما كانت العوائق.
على سبيل الختام:
بالنظر في تجليات المواطنة في الثلاثية الروائية التي اخترت، ورغم المسافة الزمنية بين الأجزاء الثلاثة، فإنها تتنزل في مشرو ع واحد متواصل، لعل عبارة الناقد د. محمد القاضي تلخصه (وقد جاءت في مقدمة رواية دروب الفرار): " هي صرخة إدانة لمجتمع الذكورة في البيت والعسف في الحكم والظلامية في الدين".
ختاما، هل يكفي التعبير عن قيم المواطنة بمختلف تجلياتها في مدونة المبدعة العربية؟ هل يكفي الدفاع عنها من خلال الإنتاج الفني؟ إضافة إلى العمل الميداني؟
أم أن التحدي أكبر وأهم، وهو في كيفية التعبير والمواجهة؟ أي في الجانب الفني الذي بقدر الاشتغال عليه، يكون التحدي الحقيقي، وانتصار المبدعة العربية لقيم المواطنة التي تتجلى وتشع في العمل الإبداعي الصادق المتوهج، اللافت للأنظار، المتجاوز للحدود؟