الناخب اللبناني بين 'الحاصل' و'المحصول'

لنتفق اولا ان النسبية التي اعتُمدت في قانون الانتخابات النيابية في لبنان هي "نسبية مزورة" او "مشوهة" اما "النسبية الحقيقية" فهي قائمة في الأنظمة الديمقراطية "اللاطائفية". ورغم ذلك تخلت عنها الكثير من الدول لأنها تكرّس الإنتهازية وعدم الإستقرار في الحكومات.

ولنتفق ثانيا، ان لبنان الغارق في الطائفية والمذهبية والعشائرية حتى أذنيه، لا يمكن تطبيق اي نظام إنتخابي فيه، عادل ومتوازن، قبل إلغاء الطائفية السياسية فيه.

ولنتفق ثالثا، ان من صاغوا "الطائف" ولمعرفتهم الدقيقة بالوضع الداخلي اللبناني القائم على اساس التوافق والتوازن الدقيقين بين طوائفه، لم يأتوا على ذكر "النسبية" إلا في مكان واحد لا علاقة له بقانون الإنتخاب، حيث يقول الطائف في باب "الإصلاحات السياسية" الفقرة (5):

"الى ان يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي توزع المقاعد النيابية وفقاً للقواعد الآتية:

أ ـ بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين.

ب ـ نسبياً بين طوائف كل من الفئتين.

ج ـ نسبياً بين المناطق".

والنسبية في قوانين الإنتخابات النيابية لها أصولها وطرقها التي لا تتناسب و"النسبية اللبنانية" المسخ التي ابتُدعت لإسقاط فريق سياسي او لإيصال مرشح ما وقٌسمت الدوائر للأسباب ذاتها.

صحيح ان هناك لوائح "مجمدة" في القانون النسبي ولا يحق للمقترع إجراء أي تعديل عليها، لكن هذه الطريقة تُعتمد في نظام الحزبين او ثلاثة احزاب. والحزب هو من يضع لائحته الحزبية، لا كما هو الحال في لبنان، لائحة تحالفات "ظرفية" متناقضة "رفقة تاكسي" وبعدها يذهب كل في طريقه. ولهذا لا نرى "برامج" للوائح، حيث لكل مرشح برنامجه الخاص به.

وفي هذه الحال، وضع هذا القانون اللبنانيين، امام ثلاث خيارات: اما التصويت للائحة غير مقتنع ببعض أعضائها لكنه ملتزم بقرار حزبه، وهذا يحدّ من حرية الناخب؛ أو ان يقترع بـ"ورقة بيضاء"؛ والخيار الثالث وهو الأخطر، ان لا يتحمس للمشاركة في الإنتخابات.

وفي اللائحة "المجمدة" هناك خيار آخر يحترم حق الناخب بترتيب المرشحين الذين يختارهم فتفوز اللائحة بحصتها حسب الترتيب التسلسلي الذي وضعه المقترع.

ومن أصول النظام النسبي "الطبيعي" احترام النتائج حيث تحكم الأكثرية فيما تعارض الأقلية، وهذه الأصول لا قيمة لها في لبنان حيث يمكن ان تحكم الأقلية "النيابية" بحكم الوضع القائم او تُشكّل حكومة إئتلافية وهي غالبا غير منتجة.

ولذلك فان "النسبية المسخ" على الطريقة اللبنانية قد تؤمّن "العدالة الحسابية" في توزيع المقاعد لكنها حتما لا تؤمن العدالة الوطنية خاصة بعد إدخال الصوت التفضيلي "الأرثوذكسي" المقنّع على هذا النظام الهجين.

اما "االصوت التفضيلي" وإن كان مريحا الى حد ما للأحزاب "الحديدية" او "الصنمية" التي تحكمها الفتاوى او التكليف الشرعي او "العسكريتاريا" مثل حزب الله او الحزب القومي او الأحزاب الإسلامية والمسيحية المتطرفة حيث ان هذه الأحزاب هي الأقدر على تنظيم توزيع "التفضيلي" على اعضاء اللائحة. غير ان مثل هذا العمل فيه الكثير من الصعوبات والتعقيدات، والشاهد على ذلك دائرتي بعلبك – الهرمل وكسروان – حبيل وغيرهما.

بالطبع، "توزيع" الصوت التفضيلي في الأحزاب الديمقراطية او "شبه" الديمقراطية هو أصعب وأخطر بكثير. وخطره الأكبر هو على "اللوائح القوية". فاللائحة "القوية" عليها ان تنتبه أكثر وجيدا على توزيع "التفضيلي". فالأقوياء في اللاحة هم الأكثر خطرا.

ففي هذه الأحزاب الديمقراطية وحتى في الأحزاب الحديدية، "المونة" هو على الحزبيين او جلّهم، اما "مونة اللإلتزام" فهي شبه مستحيلة على المؤيدين والمناصرين، مع الأخذ بعين الإعتبار ان أكثر من نصف المؤيدين وحتى المحازبين يجهلون القانون. فكيف اذا أضفنا على إرباكهم، ارباكا إضافيا بتوزيع الأصوات التفضيلية.

انتبهوا، فان الخطأ بـ"ادارة" الصوت التفضيلي قد يصيب اللأئحة بنكسة غير متوقعة، وقد يدفع الثمن رئيسها. ولا أدري اذا كان من الأفضل ترك الناخبين يقترعون حسب قناعاتهم، بين إحتمال خطأ الإدارة وترك الحرية للناخب علينا اختيار الثاني.

حتى في اللوائح المتجانسة سياسيا سيكون الصوت التفضيلي موضع تنازع بين افرادها فكيف سيكون الحال اذن في لوائح القوى المتناقضة والمركبة. الصوت التفضيلي "وديعة ملغومة"، وُجد اصلا لإرباك الماكينات والمقترعين والقوى السياسية فلا تحمّلوا المواطن المقترع "عجقة" فوق طاقته. خاصة بعد ان أصبح "الحاصل" "محصولا" "رقميا" للمقرعين بحسب القانون "الباسيلي". وهذا مسيء للجميع بعد ان بات الرقم "التفضيلي" هو الأهم.

ولذلك، اذا كانت الماكينات المركزية "العريقة" وذات الخبرات والقدرات العالية، مربكة بكيفية ادارة الصوت التفضيلي. فنصيحتي الا تزيدوا ارباك المقترعين.