لا تصدّقوا وعود الإنتخابات

لا تصدقوا ما تسمعونه من خُطب وبرامج في الموسم الإنتخابي.. خاصة مطلقي "السقوف العالية". فكلما علا "السقف" كبُرت الكذبة. والوعود "العرقوبية" مجانية. يُمكن ان تصدّقوا أكثر الوعود المتواضعة. الممارسة شيء والتنظير شيء آخر والسماء الزرقاء غير ساحة النجمة.

كان يقول كمال جنبلاط: "من يكثر في المزايدة يكون دائما مستعدا الى القبول بأرخص التسويات".

الوعود تتم في الفضاء الخارجي. في المهرجانات. الخطابات الرنانة لا يُبنى عليها لأنها خطابات "شد عصب" طائفي او سياسي. اما الترجمة لها فتبدأ بعد 7 أيار، في الكواليس وفي "الغرف السوداء" حيث تتم الصفقات وتوزيع "الحصص".

لا تصدّقوا، لأن هذا القانون الإنتخابي الجديد – لكنه حتما ليس الحديث – لا يسمح لا بالإصلاح ولا التغيير ولا يسمح بالشراكة الحقيقية ولا يحمي العيش المشرك ولا عدالة وصحة التمثيل. يمكن ان يسمح هذ القانون "الهجين" بزيادة منسوب "التكاذب والنفاق" المشترك بين اللبنانيين.

كل اللوائح التي أعلنت او ستعلن ليست أكثر من تجمّع متناقضات. حتى المرشحين في اللائحة ولو من حزب واحد سيتحولون الى اخصام بل أعداء. فلا "رفاقية" مع "الصوت التفضيلي".. ولا الألوان ولا الحبة ولا الخرزة الزرقاء تنفع.

ولذلك، لا تنتظروا في هذه الإنتخابات اي "برنامج" انتخابي موحد حيث اللائحة بحد ذاتها غير موحدة سياسيا. انها رفقة انتخابات.. وبعدها كل يذهب في طريقه.

أي قانون هذا الذي يذكّرك بايام "الحلف الثلاثي" الطائفي الذي خاض إنتخابات 1968 الشهيرة؟ الطائفية كانت راسخة في الماضي، فكيف اذا أضفنا اليه القانون "الأرثوذكسي" المقنّع. وقد يكون هذا القانون، على سوئه، اقل سوءا.

لكن علينا ان لا ننسى انه كان في المقابل خط وطني مثلته حركة وطنية متقدمة يواكبها حركة نقابية عمالية وطلابية ناشطة. وما كان يُقال عن يسار ويمين وصّفه كمال جنبلاط بعبارة مختصرة: "في لبنان اليمين غبي واليسار متخلف". وكان يفضل توصيف الإنقسام في لبنان بين خطين: "وطني وغير وطني".

اليوم لا صوت يعلو فوق الصوت الطائفي. ثم يحدثوننا عن العلمانية والدولة المدنية والغاء الطائفية السياسية وانتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، ونحن عاجزون عن تحقيق ما هو اقل، من الزواج المدني الإختياري الى حق المرأة بمنح الجنسية لأولادها الى توحيد الأحوال الشخصية.. ولم نقدر بعد على إلغاء الطابع الأميري "ورقة البول" فيما تخلّى عنه من اخترعه.

والخطابات الإنتخابية تحدثتا عن تطوير الإدارات والمؤسسات الرسمية، وهؤلاء يتشدقون ويُزبدون و"يٌرغون" ويعدون "الجماهير الغفيرة" بالمن والسلوى.. يعرفون انهم يكذبون ويعرفون ان الناس لا تصدقهم لكنهم من كثرة التكرار يصدقون هم كذبتهم.

لكن الكذب لا يؤمن الكهرباء ولا زالوا يوهموننا بصفقة البواخر فيما عدّاد الهدر على حد قول وليد جنبلاط يسابق الدين العام الذي تعدّى الثمانين مليار دولار ومخاطر الإفلاس ماثلة امامنا.

وماذا عن حل ازمات المياه وقد دق ابوابنا "التصحر" هذه السنة بشكل مخيف.

وماذا عن البطالة والسكن وتطوير المدرسة الرسمية والجامعة اللبنانية وحق التعليم والعمل للجميع، وماذا عن الضمان الصحي والإجتماعي وضمان الشيخوخة.. و...

ومن ينتظر الحل من باريس وروما عليه ان ينتظر اولا زيادة الدين العام فالمليارات الموعودة سيبتلع القسم الأكبر منها، الفساد والهدر والباقي ستبتلعه صفقات التراضي المشبوهة.

طغيان الخطاب الطائفي عند البعض مخيف. التجييش الطائفي في خُطب البعض، يجعل مطلقه أسير مواقفه والنزول عن الشجرة يصبح أكثر صعوبة.. وإعادة جمهوره الى أرض الواقع لن يكون سهلا. فالحقن والنفخ في أبواق الطائفية أكثر ما يسيء الى مسيرة العهد. خاطبوا العقول لا الغرائز اذا كنتم فعلا حريصين على الأمن والإستقرار والسلام والوحدة الوطنية وتثبيت "المصالحة" في لبنان وبين كل "شعوب لبنان"!

بعد 7 ايار يأتي الخبر اليقين وستبقى النتائج والأعداد مهمة كونها تمثل الأحجام السياسية لكل فريق. مع هذا القانون العدد اهم من الأرقام. انها معركة الصوت التفضيلي. والرابح الأكبر هو من تتمكن ماكينته الإنتحابية من رفع أعداد المقترعين. وهنا تكمن أهمية تجييش الناس ومخاطلة العقول أكثر من الغرائز، خاصة الشباب والطلاب للتوجه الى صناديق الإقتراع.