النص الأدبي بين المؤلف والقارئ

العلاقة بين النص الأدبي ومؤلفه (الكاتب) من جهة، والنص والقارئ من جهة ثانية، علاقة جدلية معقدة.
السعي إلى إقحام المتلقي في العملية الإبداعية 
منح القارئ مساحة أوسع تجعله يملأ الفراغات ويُقيم النص وفق تصوره الخاص

العلاقة بين النص الأدبي ومؤلفه (الكاتب) من جهة، والنص والقارئ من جهة ثانية، علاقة جدلية معقدة، تناولتها مجموعة من الدراسات والأبحاث وصيغت على أساسها عدة نظريات تهم مختلف الأجناس الأدبية، وذلك لأن أركان الأدب تتمحور أساسا حول المؤلف والنص الأدبي والقارئ، ولا بد للكاتب وهو يُقدم على فعل الكتابة أن يستحضر فعل القراءة. 
هنا يبرز السؤال: هل يمتلك النص الأدبي وجودا قائما بذاته تجعل له ماهية أنطولوجية يمكن من خلالها إدراكه في جوهره دون اللجوء إلى التأويل والخضوع إلى سلطة القارئ؟
سؤال يحيلنا على تاريخ النظرية الأدبية وحقبها التي يمكن إدراجها عموما ضمن ثلاث مراحل وفق رأي الناقد البريطاني تيري إيغلتون (Terry Eagleton): الانشغال بالمؤلّف (المدرسة الرومانتيكية، خلال القرن الثامن عشر) والانشغال الحصري بالنص (مدارس: النقد الجديد والشكلانية والبنيوية) والاهتمام بالقارئ (نظرية التلقي). تطورت إذن العلاقة بين هذه الأركان الثلاثة، من التركيز أساسا على المؤلف مرورا بالاهتمام بالنص وعناصره إلى الانشغال بالمتلقي أو القارئ باعتباره محور العمل الأدبي.
استمدت هذه النظرية الأخيرة (نظرية التلقي) أصولها من الفينومينولوجيا التي يعرفها إدموند هوسرل (Edmund Husserl) بأنها العلم الذي يدرس خبرة الوعي بذاته وبالأشياء، وبالتالي أصبح دور القارئ (المتلقي) مهما في تأويل النص الأدبي، وبات التصور الذاتي منطلقا رئيسا في تحديد ماهية الموضوعي. 
بهذا المعنى، وضعت هذه النظرية حدا لسلطة المؤلف وللدراسات الأدبية والنقدية التي انشغلت بالمؤلف حصرا لفترة مهمة من الزمن. ولعل من أهم أهدافها، السعي إلى إقحام المتلقي في العملية الإبداعية ومنحه مساحة أوسع تجعله يملأ الفراغات ويُقيم النص وفق تصوره الخاص وبالتالي يُخضع المؤلف لسلطته.
ضمن هذا السياق، يصبح النص الأدبي مرتبطا جدليا بالقارئ وبالقراءة كما يعرفها جان بول سارتر(Jean-Paul Sartre ) على أنها عملية تساهم في خلق الإبداع والإنتاج من خلال كشف شفرة الكلمات والتراكيب اللغوية والرقي بها إلى صور ذهنية تخيلية ترافق القارئ أثناء القراءة، ليتم صياغة النص وفق منظور جمالي وفني، يمتزج بثقافة القارئ ورؤيته، وبهذا المعنى يصبح القارئ فاعلا في العملية الأدبية والإبداعية وكأنه يؤلف النص من جديد.
في المقابل، لا يمكن أن يظل النص خاضعا لكل تأويل بدون أن يحتكم إلى مجموعة من المعايير والضوابط حسب تصور الروائي الإيطالي أمبرتو إيكو(Umberto Eco)، لا بد أن تحترم كل قراءة أو تأويل وحدة النص وانسجامه الداخلي، ومقاصده ولا يجب حشر النص في قالب لا يلائمه بالضرورة، وذلك خلافا لطرح الفيلسوف ريتشارد رورتي (Richard Rorty) الذي لا يؤمن بقراءة سيئة وأخرى جيدة للنص. كما حدد إيكو جملة من المقاييس كحقل الإيحاء وحقل الاختيار لأن النص في نظره  يحمل مجموعة من المحددات لا بد من احترامها أثناء عملية التأويل.
رغم وفرة النظريات والدراسات الأدبية التي تناولت بإطناب علاقة النص الأدبي بالقارئ وعلاقتهما بالمؤلف يبقى النص الأدبي عصيا على التطويع ومتمردا على أية قاعدة تحاول كبح جماحه؛ عندما يخرج النص من يدي مؤلفه، يصبح ملكا للقارئ وسلطته ويتنازل المؤلف مرغما عن سلطته على النص الذي أنتجه، وتبقى الكتابة تجسيدا لذات الكاتب داخل النص مهما حاول إخفاءها ومهما حاول أي تأويل طمسها.