ماذا يريد الناقد من النص؟

للنقد الأدبي مكانة مهمة تجعل منه ركيزة أساسية لا غنى عنها في العملية الإبداعية وفي تجويد النص والرفع من قيمته.
طبيعة النص الأدبي وحمولاته الفنية والجمالية 
تبيان ما للنص من قيمة فنية وأدبية وما عليه من هنات وجب الاعتناء 

لا شك أن للنقد الأدبي مكانة مهمة تجعل منه ركيزة أساسية لا غنى عنها في العملية الإبداعية وفي تجويد النص والرفع من قيمته، والأهم من هذا وذاك، في نظرنا، التعريف به لكي يخرج من عتمة النسيان إلى نور التداول، خاصة في خضم مشهد ثقافي مضطرب تختلط فيه الكثير من المفاهيم وتطفو على السطح الكثير من التعبيرات والخطابات الإنشائية، سرعان ما تجد لها مكانا في الصحف والمجلات ضمن خانة النقد الأدبي وهي في الحقيقية لا تغدو كونها مجرد انطباعات حول النص أو في أحيان كثيرة تصورات شخصية وإسقاطات فكرية وإيديولوجية تقتحم النص قسرا غير آبهة بنظريات علم الجمال والمعايير الموضوعية والفنية، وغير ذلك من القواعد المعتمدة لتقييم النص. لذلك نطرح السؤال التالي: ماذا يريد الناقد من النص؟
السؤال يحمل في عمقه شقين: الأول يتعلق بحضور ذات الناقد في النص، والثاني بمدى موضوعية الناقد وحياده أثناء تناوله للعمل الأدبي.
يرتبط النقد ارتباطا شديدا بالناقد ولا يمكن فصلهما دون استحضار معايير موضوعية تحجم الذاتي لصالح الموضوعي. بيدا أن طبيعة النص الأدبي وحمولاته الفنية والجمالية وأحيانا العاطفية، قد تربك الناقد وتجعله على حافة التماهي مع النص ليصبح عاشقا له بدلا من تحليله وتبيان ما له من قيمة فنية وأدبية وما عليه من هنات وجب الاعتناء بها للرفع من جودته والرقي به.

ما فائدة إعادة اجترار ما كتب قبلا حول رواية فائزة بجائزة ما دون أية إضافة علمية أو فنية تذكر؟

الحديث عن هذا الموضوع يعود بنا إلى بدايات النقد الأدبي والتي يكمن إرجاعها إلى الأثر الانطباعي الذي يحدثه النص في نفسية المتلقي بصفة عامة أو الناقد بصفة خاصة، حيث يحكم هذا الأخير بجودة النص الأدبي أو برداءته دون اللجوء إلى التعليل أو إيضاح أسباب هذا الرأي أو ذاك. عموما يعتمد هذا النوع من النقد الذي لا يزال منتشرا على الذوق الشخصي والأثر الانطباعي.
ومع مرور الزمن وظهور مجموعة من المذاهب والنظريات والمدارس الأدبية وتراكم المعارف في شتى المجالات الفكرية، أصبح النقد أكثر موضوعية وأشد صعوبة، وبدأ النقاد، قدر المستطاع، يلتزمون بقواعد ومعايير محددة للحكم على النص. غير أن هذا الأمر لم يجعل من الأحكام النقدية كثلة متجانسة وموحدة رغم لجوء البعض أحيانا إلى مخرجات أكاديمية صارمة، لتظل المواقف والآراء متباينة حول النص نفسه، من مستحسن له إلى رافض لمحتواه أو جماليته أو غير ذلك. غير أن هذا النوع من النقد، وإن اختلفت نتائجه لاختلاف المعايير والمناهج المعتمدة وتكوين الناقد ومشاربه الفكرية والإيديولوجية، يظل موضوعيا وتتقلص داخله الذاتية إلى حد كبير.
هذه المرور التاريخي السريع يحيلنا على مآل النقد الأدبي أو على الأقل مآل بعض الكتابات التي تصنف ضمن النقد الأدبي في الوقت الراهن؟
بعيدا عن المجلات المحكمة وما يدور في فلكها وبعض المنابر الملتزمة بالصرامة المهنية، المتتبع لما ينشر في الكثير من الصحف وعلى بعض المواقع الالكترونية أو على وسائل التواصل الاجتماعية، لن يجد صعوبة كبيرة في الكشف عن طغيان الذاتي في ما ينشر على أنه نقد، ويسهل عليه أكثر  القبض على خيوط الإهمال الكثيرة لأعمال عديدة مقابل التركيز ربما على أخرى نالت حظها الوافر قراءة ونقدا، وكأن الناقد هنا يبحث عن تلميع اسمه من خلالها، ماذا يفيد مثلا إعادة اجترار ما كتب قبلا حول رواية فائزة بجائزة ما دون أية إضافة علمية أو فنية تذكر؟ فيما تظل ربما جواهر أدبية طي النسيان وحبيسة الرفوف، لا لشيء سوى لأن صاحبها لم يستطع نسج علاقات مع هؤلاء أو لم يتسن له تسويق محتواها بشكل لائق أو لأسباب لا دخل له فيها. 
نحن إذن أمام نقد غير موضوعي وغير مستقل، نقد يعود بنا إلى البدايات شكلا واستسهالا، وكأن النقد مجرد اجترار للعمل وصورة باهتة له. ربما هنا تبرز الحاجة إلى امتلاك النقاد الأدوات الأساسية لتحليل النص المتغير باستمرار والمتمرد أحيانا على كل القواعد والمعايير.
 نحن على الأرجح بحاجة إلى نقاد يكتشفون قيمة رواية "موبي ديك" (Dick Moby) فور صدورها وقيد حياة كاتبها وليس بعد موته كمدا وإحباطا، نقاد يملؤون فراغات العمل ولا يسقطون ذواتهم داخله، نقاد يكتبون النص من جديد ومنفتحين على مختلف الحساسيات الأدبية والمعرفية لكي لا يحشرون النص في  قالب لا يناسبه بالضرورة، نقاد يجعلون من النقد إبداعاً يضاهي الإبداع الأدبي أو يتفوق عليه وليس فقط انعكاسا باهتا لذات الناقد.