'النص المسرحي بين الشعر والنثر' على طاولة مكتبة الإسكندرية

الندوة تحدث فيها الشاعر والناقد د. فوزي خضر وقدمها الشاعر والروائي الكبير أحمد فضل شبلول.
خضر: جائزة عربية كبرى وراء انتعاش الشعر المسرحي
خضر: سويلم وآخرون من الشعراء المعاصرين كتبوا المسرح الشعري قبل الجائزة
شبلول: خضر هو رائد المسرحية الشعرية القصيرة جدا
شبلول: كليوباترا انتحرت حتى لا يتم تعذيبها مثلما حدث مع الفيلسوفة هيباتيا

تحت عنوان "النص المسرحي بين الشعر والنثر" كانت الندوة التي تحدث فيها الشاعر والناقد د. فوزي خضر وقدمها الشاعر والروائي الكبير أحمد فضل شبلول، حيث تحدث خضر عن "صاحب التذكرة داوود الأنطاكي" وهي تنتمي للمسرحية الشعرية.

وعن سبب اختياره للمسرح الشعري عن داوود الأنطاكي يقول خضر: "المسرح الشعري اتجاه في كتابة المسرح، فهناك مسرح نثري ومسرح شعري، وهذا الأخير قد ضعف عن السابق، لذلك اخترت هذا القالب، ونفس السبب كان وراء عمل جائزة عن المسرح الشعري هي جائزة "الأمير عبدالله الفيصل العالمية التي تقدمها أكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف بالسعودية" وبالفعل حدث رواجٌ بين الشعراء لكتابة المسرح الشعري بعد إطلاق الجائزة، وهذا بالطبع لا ينفي أنه كانت هناك إبداعات مستمرة في هذا السياق حتى قبل إطلاق الجائزة، من أهمهم وعلى رأسهم أمير الشعراء أحمد شوقي. وهناك من المعاصرين الشاعر أحمد سويلم ومحمد إبراهيم أبو سنة وفاروق جويدة، ومن قبلهم رائد المسرح الشعري التفعيلي الشاعر صلاح عبدالصبور.

وأشار خضر أنه منذ سنوات فكر في كتابة مسرحيات شعرية قصيرة جدا مدتها 10 دقائق، وهي أيضا كتبتها من التراث، وكتبت 27 مسرحية شعرية في الكتاب، جدير بالذكر أن المسرحية القصيرة جدا هي جزء من مسرحية الفصل الواحد، أو أقل.

وكتابة المسرحية من التراث لا يعني فصلها عن الواقع، فعلى سبيل المثال أيام هارون الرشيد كان هناك شارع فيه ناس فقراء، والآن كذلك، وبذلك فالماضي يناقش الحاضر، ولذلك استخدمت التراث.

وعن عمل مسرحيات حديثة جدا، وهل هي منبتة عن المسرح العالمي أو المسرح الشعري؟ يقول خضر "أنا أستخدم الجوقة في بعض المسرحيات، و23 مسرحية فيها الجوقة وتبدأ بشعر عمودي وتنتهي بشعر عمودي، وحاولت استخدام مواقف كوميدية، وعلى سبيل المثال في صاحب التذكرة، التي كتبها خضر عن شخصية داوود الأنطاكي، رئيس الأطباء في مصر والشام، وواضع قانون الدواء الذي ما زال يعمل به حتى الآن.

ذهب "داوود الأنطاكي" ليستعير كتب من مكتبة الوالي أيام الوالي العثماني، فيدخل داود إلى قاعة العرش، يقوده شهيب حتى يقفا أمام الوالي محمد باشا.

داوود: السلام عليكم  أيا سيدي الوالي محمد

أيها الباشا الكريم

الوالي :استرح داود .

واجلس في يمين المجلس

(يقوده شهيب)

شهـيب: من هنا يا سيدي

يسيران، يجلسه، ويجلس خلفه

الوالي : (زاعقًا) أنتَ معزول

داوود: (منتفضا) أنا؟

الوالي: (في غضب) أنا لم أنظر لك بالمرة

شهـيب: (هامساً) هو يتحدث لرئيس الشرطة.

داوود: عفوا يا مولانا

الشرطي: ولماذا تعزلني يا مولاي الوالي؟؟

هل قصرت؟

الوالي: أجل، أهملت كثيراً يا قائد شرطتنا.

الشرطي : إني لم أهمل في شيء من أعمالي يا مولاي

الوالي: أو لم تبلغني أن رجالك قالوا إن أهالي الفيوم رفضوا دفع ضرائبهم؟؟

شرطي: هو ذاك

الوالي: فأين العسكر؟؟

شرطي: يا مولاي تجمع كلُّ أهالي الفيوم حول العسكر.

الوالي: ملعون أنتَ وهُمْ، أولا يملك عسكرك بنادق؟

لِم لَم تأمر أن يطلق في صدر أهالي الفيوم رصاص بنادق جندك؟!!

الشرطي: يا مولاي الوالي، هل كنت تريد أن نقتلهم؟!

الوالي: من لا يَدْفَع يقتل

هل تفهم؟! أم أنك لا تحيا في مصر؟!

الشرطي: عفوا يا مولاي فيما فات ..

بعض من رؤساء الشرطة حقاً كانوا لا يتأخر أحد منهم عن قتل الناس إذا لم يحصل منهم يا مولاي علي مال ضرائب قررها الوالي

الوالي: تعرف هذا الأمر إذًا!!

شرطي: هو ذاك لكن ...

الوالي: لكن ماذا ؟؟!

الشــرطـي: رؤساء الشرطة فيما فات

كانوا أتراكا مثلك، ما كانوا مثلي مصريين

الوالي: ويلك ، ماذا تعني؟!

الشرطي: أنا مصري يا مولانا الوالي

وأنا لن أقتل مصرياً لم يدفع لك، مهما كان

لن أقتل رجلاً من بلدي لم يقدر أن يدفع مقدار ضريبتكم

الوالي : (زاعقًا) معزول

هل تسمع؟!

معزول أنتَ، رئيس الشرطة معزول ويعين نائبه

الشرطي: يا مولانا

شرف لي هذا العَزْلُ

الوالي: شرفُ لك؟!

الشرطي: بالتأكيد

الوالي: مقبوض أنت عليك

هل تأمل أن تصبح بطلاً في عين الناس؟؟

يا حُرَّاس ... خذوه إلى السجن

حتى أتفرغ لأوقع حكم الإعدام عليه

(يحيط بعض الحراس برئيس الشرطة ويسحبونه للخارج)

الشرطي: لم أتوقع لنهاية عملي معكم أفضل من هذا

(يخرج الحراس برئيس الشرطة)

الوالي: بل هو أسوأ يا مسكين ...

وأنت، ماذا تبغي؟

داوود: جئتك يا مولاي لكي

الــوالي: (مقاطعًا) أسكت أنت، أنا لم أتحدث لك

داوود: عفوا يا مولاي الوالي

الوالي: أنت ... ماذا تريد؟؟

الصياد: قد كنتُ صيادا، وعندي مركب في النيل يا مولاي

قرر كاتب الديوان أن ضريبتي عنها تكون سبعون دينارا.

جدير بالذكر أن هذه المسرحية الشعرية تتناول حياة العالم العربي العبقري داود بن عمر (950-1008هـ ) صاحب كتاب "تذكرة أولى الألباب والجامع للعجب العجاب" الذي ملخصه بين الناس بعنوان "تذكرة داود" وهو من أعظم الصيادلة في تاريخ البشرية، حيث جمع في كتابه ثلاثة آلاف نوع من الدواء، منها ثلاثمائة دواء من اكتشافه تضم كثيرًا من الأدوية المركبة، وتم تدريس كتابه في أوروبا زمنا طويلاً، وكان طبيبًا بارعًا لدرجة أنه صار رئيسا لأطباء مصر والشام في عصره، وألف ستة وعشرين كتابًا.. والعجيب أنه كان ضريرا . كانت حياته مفعمة بالمواقف الدرامية، وكان داود الأنطاكي مثلا إنسانياً راقيًا للإصرار على النجاح والسعي إلى التفوق بالرغم من ظروفه الصعبة. تنحاز هذه المسرحية إلى الحوار الشعرى القصير والتصاعد الدرامي المشوّق والبناء الفني للشخصيات مع استخدام ما يتناسب معها من التقنيات الحديثة للمسرح.

ويتذكر خضر ذكرياته مع "كتاب عربي علم العالم" فيقول: "أنا ضد أن يقول الممثل فقرة كاملة، فأنا ككاتب الصحيح أقطع كلماته وجمله القصيرة كسرا للملل، فكان النجم محمود مرسي يقول حين يراني مهللا: "فوزي خضر، ولكن ماذا؟"

من جانبه أضاف شبلول أنه كانت هناك محاولات لكتابة المسرح قبل أحمد شوقي، وأشار إلى أن السبب وراء صعوبة الكتابة للمسرح الشعري أنك تجمع بين الدراما والشعر، وهو ما يجعل البعض يتراجع عن كتابته، وهذا ما كان ينتقده بعض النقاد على شوقي، لأنه كان يضع قصائد داخل مسرحياته، ومن أكثر من هاجموا  المسرح الشعري عند أحمد شوقي هو الناقد المسرحي جلال العشري، ولكن أغلب النقاد رأوا أن ذلك إبداع لأنه كتب شيئا على غير مثال، وأضاف أن أفضل أعماله في المسرح الشعري هي كليوباترا، فبولتارك الروماني شوَّه كليوباترا فقد كان مناصرا لأوكتافيوس أغسطس، وعن انتحار كليوباترا فيرى شبلول أنه يحسب لها أنها انتحرت ولم تستسلم،  فيتم تعذيبها مثلما حدث – بعد ذلك - مع الفيلسوفة هيباتيا في الإسكندرية.