انتخابات لبنان.. كما تكونوا يولى عليكم

هندست الأحزاب اللبنانية الانتخابات كما يحلو لها. لا تنتظروا معجزات.
اللبنانيون لا يغيرون ما بأنفسهم حتى يتغير ما يعانون منه
الفائزون سيكونون من أصحاب الثروات المستفيدين من الانهيار المالي والاقتصادي

انطلقت الانتخابات التشريعية اللبنانية اليوم لاختيار 128 نائبا عبر 103 لوائح في 15 دائرة انتخابية جغرافية شكلا، ذات خلفيات متعددة ومتنوعة، تبدأ بالطائفي والمذهبي ولا تنتهي بالعشائري والمحلي. وعبر قانون انتخابي نسبي هجين فيه كثير من الموبقات الانتخابية التي نفض يده منه كثير ممن صاغوه، رغم انه صيغ على قياس أحزاب السلطة وكثير من المعارضة، وغريب المفارقات انه لا رضا عليه رغم انه سيؤمن وصول غالبيتهم الى مقاعد المجلس النيابي لمدة اربع سنوات، في بلد يقبع على حافة الانهيار الاقتصادي ويحيط بمجتمعه كافة مؤشرات الفقر والعوز الدي بلغ اكثر من 90% من مواطنيه.

وتكمن المفارقة في تقسيم الدوائر الانتخابية على أسس غير مفهومة، حيث لا تستند الى معطيات واضحة، وإنما على أساس طائفي وفقا للتوزع الديمغرافي المذهبي للبنانيين على المناطق. وحيث تتمثل بالانتخابات الطوائف الإسلامية والمسيحية.، ويحق لكل مواطن لبناني بلغ 21 عاما وفق الدستور، أن يكون ناخبا، باستثناء العسكريين أو المحكومين قضائيا.وتُشرف على الانتخابات هيئة خاصة مستقلة تتألف من 11 عضوا،،كما يحق لهيئات المجتمع المدني مواكبة الانتخابات ومراقبة مجرياتها وفقا لشروط محددة.

لقد جرى التوافق على قانون الانتخاب بعنوان براق عبر إدخال النسبية لأول مرة في تاريخ الانتخابات البرلمانية اللبنانية، لكن الشياطين كمنت بتفاصيله لأسباب عدة أبرزها:، اعتماد حاصل انتخابي عال ومتحرك، واعتماد القانون على الصوت التفضيلي الواحد ضمن اللائحة الواحدة، على أن يكون المرشح حصرا من دائرته الصغرى، كما لا يضبط القانون حركة المال السياسي، ولم يرفع السرية المصرفية للمرشحين، ولحظ فقط فتح حساب مصرفي لحملة المرشح الانتخابية، دون مراقبة حساباته الأخرى وحسابات أفراد عائلته حيث تتحول المساعدات المقدمة من النافذين لرشى انتخابية هائلة.

والمفارقة الأخرى تكمن في الحواصل الانتخابية، حيث ان المعدل المتعارف عليه عالميا في النظم الديموقراطية يصل الى 5% فيما يتراوح في لبنان بين 7% و20% وهو رقم مهول لا يصل اليه سوى المتنفذين وأصحاب الثروات وهذا ما جصل في انتخابات 2018 حيث تعدت نسبة رجال الاعمال الفائزين 70%، كما يعزز الصوت التفضيلي ضمن تركيبة الدوائر والمقاعد الفرز الطائفي، لأن المقترعين غالبا ما يعطون صوتهم التفضيلي لمرشح من طائفتهم، لأنه محصور بدائرته الصغرى. كما يدفع القانون المرشحين لمخاطبة أبناء دائرتهم الكبرى، ويركزون على أبناء دائرتهم الصغرى لحصد الأصوات التفضيلية ننا يسهم في أخذ الخطابات طابعا طائفيا.

أن المستفيد الأول من هذه الانتخابات هي الأحزاب التقليدية التي هندست القانون على قياسها، والذي ظهر في تحالفاتها ولوائحها المتجانسة بعكس لوائح المعارضة؛ وبالتالي ان الفائزين سيكونون من المتمولين وأصحاب الثروات المستفيدين من الانهيار المالي والاقتصادي الذين اسهموا في اغراق لبنان بالمال السياسي الانتخابي، اما الخاسرون الابرز سيكونون من المعارضين والتغيريين، الذين لم يتمكنوا الا من الترشيح ولم يتمكنوا من خوض المعركة الانتخابية في ظروف تنافسية مقبولة.

ان الانتخابات الجارية حاليا، تبدو من اغرب الانتخابات في تاريخ لبنان المعاصر، حيث يبدو التغيير اكثر من ضرورة، بالنظر لما آلت اليه ظروف لبنان الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي كانت نتاج سلطة استمرت في حكم لبنان لأكثر من ثلاثة عقود متتالية دون انقطاع، فهل سيتمكن اللبنانيون اليوم من تحكيم ضمائرهم وآمالهم واحلامهم في صناديق الاقتراع؟ قياسا على الظروف والوقائع السابقة لانتخابات 2018 والانتخابات التي سبقتها قبل تأجيلها لمرتين متتاليتن في العام 2007، في الواقع لم يتمكن اللبنانيون حتى الان كما يبدو الخروج من اطوارهم الغريبة العجيبة، هم يدركون جيدا، ان كما تكونوا يولى عليكم، ورغم ذلك لا يغيرون ما بأنفسهم حتى يتغير ما يعانون منه!