انتخابات لبنان والمجلس القادم

الكثير من السلبيات تحيط بالانتخابات اللبنانية، سواء بطبيعة قانون النسبية الجديد أو التحالفات أو الروح السياسية التي تحملها. لعل الايجابية الوحيدة انها تجري بعد طول انتظار.

انطلقت الاحد الانتخابات النيابية في لبنان وسط مفارقات عجيبة، أدواتها ناخبون انقسموا عاموديا حول قضايا ربما لا تمت بصلة إلى واقعهم المرير، وعبر قانون انتخابي التف عليه الجميع ثم تنصلوا منه ونعتوه بأبشع الأوصاف. ورغم ذلك، ستتمخض نتائج الاقتراع عن مجلس لن يختلف شكلا ولا مضمونا عن البرلمانات التي تم انتخابها منذ اتفاق الطائف وعددها خمسة. فهل سيشكل المجلس السادس علامة فارقة في تاريخ لبنان السياسي خلال المرحلة القادمة؟

عماد هذا الانتخاب، قانون على القاعدة النسبية الذي طالب فيه معظم الأطراف اللبنانية الفاعلة. وعندما توضّحت معالمه، تم إعادة تهجينه ليتوافق مع مصالح البعض. فهو قانون نسبي في الشكل وأكثري في المضمون. ففي معظم دول العالم تعتمد النسبية على أساس الدائرة الواحدة على مستوى الدولة ككل، فيما تم تقسيم الدوائر في لبنان إلى خمس عشرة دائرة، وبما يتوافق مع الكتل الناخبة للعديد من الزعامات. وفوق ذلك كله، تم ابتداع الصوت التفضيلي في الدائرة المصغرة للتأكيد على خاصية نتائج القانون الأكثري، عدا عما يؤمن هذا المسار من أبواب واسعة لتسلل أصحاب المال والسلطة إلى أصوات المقترعين.

وفي جانب آخر من القانون، سُمح للمغتربين بممارسة حقوقهم الانتخابية خارج لبنان، وهي سابقة جرت للمرة الأولى، لكن دونها شوائب كثيرة ونتائج هزيلة في عدد المشاركين. فلبنان البلد الوحيد في العالم الذي يزيد عدد مغتربيه ضعف سكانه، تسجل للاقتراع حوالي ثمانين ألفا حول العالم ولم يشارك سوى النصف عمليا، فيما تعداد المغتربين يفوق السبعة ملايين، وهو رقم يعبر عن كثير من الخلفيات غير المريحة عمليا.

وعلى الرغم من أن الانتخابات التشريعية في مطلق نظام سياسي وبخاصة في المجتمعات المتعددة، لا تعبر بالضرورة عن تحالفات سياسية واضحة، إلا أن ما جرى في لبنان من تحالفات هجينة، تعبر عن واقع غريب عجيب. فالخصوم الذين لا يجمعهم حد ادنى من الخيارات والبرامج السياسية تحالفوا في بعض الدوائر واختلفوا في بعضها الآخر. ولعل الأكثر غرابة في بعض الدوائر هو وجود لوائح فيها خصومات عميقة بين أعضائها وتشي بصراعات كبيرة حول جذب أصوات الناخبين عبر الصوت التفضيلي، للتأثير على تراتبية أعضاء اللائحة وبالتالي إقصاء فائزين محتملين.

ثمة الكثير من الثغرات التي واجهت قانون الانتخاب ومن بينها على سبيل المثال، هيئة الرقابة على نزاهة الانتخابات التي أنشئت بلا أدوات ولا صلاحيات للقيام بعملها الفعلي، علاوة على تنظيم المال الانتخابي الذي وجه له انتقادات بدت محقة، حيث لا إمكانية عمليا لتساوي الفرص بين المرشحين، وهو أمر طبيعي في بعض الحالات، لكن مع هذا التنظيم يعتبر مسا مرجعيا يمكن من خلاله إثارة قضايا الطعن بالعمليات الانتخابية لاحقا.

في المقلب الآخر، يرزح لبنان تحت قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية لا تعد ولا تحصى، وفي قراءة عابرة لبرامج المرشحين، ان وجدت، من الصعب العثور على تصورات علمية وعملية لهذه القضايا، بل جلها أفكار عامة مغلفة بوعود لطالما اعتاد الناخب اللبناني عليها. بل الأسوأ من ذلك، ثمة صياغات ومواقف وشعارات تحاكي وجع الناخب وتدغدغ عواطفه ضمن اصطفافات طائفية ومذهبية تجبره في كثير من الأحيان التغاضي عن مطالبه وحقوقه.

هناك أربعون نائبا حاليا لم يترشحوا في الانتخابات الحالية، لكن تركيب اللوائح وتحالفاتها تشي، بأن لا تغيير جذريا في تركيبة المجلس النيابي القادم، وإذا تمكنت بعض القوى من اللوائح المنافسة الخرق في بعض الدوائر، فسيكون حجمها وفعاليتها ضئيلا وليس مؤثرا في السياسات العامة للمجلس. ومرد ذلك إعادة تكريس ظاهرة التوريث السياسي في العديد من الدوائر الانتخابية، إضافة إلى إعادة الضم والفرز لبعض القوى المعارضة في تياراتها السياسية، علاوة على العديد من الأسباب الأخرى، كظاهرة المرشحين أصحاب المال والنفوذ والسلطة، وهم موجودون في جميع الدوائر واللوائح الوازنة.

وبصرف النظر عما يحكى من معارك سياسية سيخوضها المجلس لاحقا في ملف الرئاسات والتكليف وتشكيل الحكومة، تبقى الايجابية الوحيدة هي إجراء الانتخابات بحد ذاتها بعد التمديد للمجلس الحالي، وهي ظاهرة تسمح بتداول السلطة ولو بصورة مبتورة.