انتظرونا في الحرب القادمة

لن يعيش العراق بسلام. بلد ضعيف يحيط به جيران لا يرحمون.

ألا يمكن للعالم أن يعيش يوم سلام واحد؟ تسكت أصوات المدافع في مكان لتعلو في مكان آخر. للطائرات الحربية خرائطها على صفحة السماء كما لو أن القنابل تسافر من منطقة إلى أخرى. بغض النظر عن ابتسامات السياسيين المتفائلة فإن العالم يُغلب العدم على الوجود. كانت أزمة كورونا حربا من طراز جديد. ولكن كورونا لم تضع حدا لحرب ولم تنقذ أحدا بالموت.

كل هذه الرفاهية. كل هذا الترف. كل هذا التثاؤب الممل والكسل. كل الأبراج والأسواق والمنتجعات يمكن أن تختفي بكبسة زر مجنون. مَن قال إن ذلك لن يحدث؟ ليست الشعوب دقيقة في اختياراتها الديمقراطية. الشعوب نفسها يمكن أن تُجن. كان سقراط على حق. لم تمنع الديمقراطية الحروب. قبلها لم تمنع الفقر. كل شيء إذاً في طريقه إلى زوال.

ما هذه النظرة المتشائمة؟ لا أدري ما الذي يُفرح فيها. هناك ظلم هو الذي يقود إلى شماتة، يسعى البعض إلى توظيفها من أجل أن لا يكون هناك سلام. "لو كان الفقر رجلا لقتلته" مقولة تُنسب إلى الأمام علي. ولكن المتأسلمين لا يملون من الدعوة إلى تطبيع الفقر والتكيف معه. والفقر في حقيقته نوع من أنواع الحرب.

لم تعد الحروب كما كانت من قبل، جيشا مقابل جيش والجندي يرى خصمه والطائرات تضل طريقها إلى أهدافها في ليل المدن الصامتة. الحرب عن بعد أكثر اتقانا من التعليم عن بعد وهي أشد خطورة. بلغت التقنيات حداً اختفى معها العدو من الوجود، صارت قوة خراب تأتي من الغيب الذي يغطيها بضبابه.

كل ما نراه وما لم نعد نراه مجرد أوهام. عسكر وخرائط ونجوم على الأكتاف وأنواط وأوسمة على الصدور وماسورات بنادق وخنادق وعربات وثياب كاكية وإعاشة وطرق إمداد وسواها من مأثورات الحرب صار من الماضي الذي لا يعرف عنه شيئا اختصاصيو البرمجة الذين يلتزمون بدوامهم الرسمي من غير أن يسمعوا صرخة ألم واحدة. إنهم أشبه بالأطباء الذين يجرون عملياتهم بالاستعانة بالكاميرات التي يجهل المريض متى تسللت إلى جسده.

الحرب التي تقيم فينا لا تحتاج إلى بيانات تحصي الخسائر، البشرية والمادية. لم تكن الولايات المتحدة معنية بعدد العراقيين الذين قُتلوا في سنوات احتلالها المباشر للعراق. الرقم الوحيد الذي يعرفه الأميركان يشير إلى عدد جنود المارينز الذين قُتلوا في العراق. مَن قتل مَن في سوريا؟ صار متداولا أن المنظمات الارهابية تسللت إلى سوريا وصارت تقاتل من أجل إسقاط النظام السياسي. ولكن مَن مولها وأعدها وفتح أمامها الطريق وفي الختام انقذها؟

ومثلما في العراق وسوريا فإن الحرب لم تنته في لبنان. حرب الليرة التي هي حرب الخبز وهي حرب تضع اللبنانيين على خط التماس. أما الفقر والعوز والجوع والفاقة وأما الحرب الأهلية. لا يحتاج العراقيون والسوريون واليمنيون واللبنانيون إلى كبسة زر لتُخسف بهم الأرض. الأرض مخسوفة بهم أصلا. إنهم يقيمون في الحرب وليست الحرب تقع على أراضيهم.

حين تحدث نوري المالكي وهو زعيم سياسي عراقي عن إمكانية استئناف حرب مضى على وقوعها حوالي الف واربعمئة سنة وهي في حينها لم تستغرق إلا ساعات قليلة فإنه أشار إلى الحرب الدائمة. الحرب التي لم تنته بعد. ضدنا وضد العالم في الوقت نفسه. كان هناك من دعا إلى فتح روما. لو علم الايطاليون بذلك لفرحوا. فهو حدث سيغير من برنامجهم اليومي الممل.

وسنكون سعداء لأن الحرب ليست اختصاصا عربيا. يفرح العربي حين يسمع أن هناك حربا نشبت في مكان ما. أثلجت حرب أوكرانيا صدور الكثيرين. أحبوا بوتين أو كرهوه. إن كان ميلهم إلى روسيا أو أميركا. الحرب نفسها فرصة للتعبير عن الكراهية. العالم يكره نفسه إلى درجة القتل.

لفد تعرض العرب للظلم الغربي. لم يكن الخروج من الظلمة العثمانية إلا بداية لاستعمار سيترك أثرا بغيضا وعلاقة سيئة. عرفت بريطانيا التي احتلت العراق طريقها إلى تفكيكه وتدمير بنيته الاجتماعية ووضعت خبرتها في خدمة الولايات المتحدة التي احتلت العراق عام 2003 فكانت الحرب الدائمة حلا لكل مشكلات الاستعمار.

لن يعيش العراق بسلام. بلد ضعيف يحيط به جيران لا يرحمون. هناك مَن يفكر بسرقة نفطه وهناك مَن يرغب في الاستيلاء على أراضيه وموانئه وهناك مَن يخطط للهيمنة عليه. ذلك بلد موجود من أجل الحرب. لن تُسمع كلمته إلا إذا كان قويا. والولايات المتحدة لا تريده قويا.  

الحرب صناعة وقودها الفقراء.