انفجار لبنان الديموغرافي

لبنان محاصر داخليا بعدد من اللاجئين يناهز عدد السكان. لاجئون يتدفقون ويتكاثرون مقابل مواطنين عزفوا عن الانجاب واختاروا الهجرة.

يعتبر لبنان الدولة الوحيدة في العالم بين 237 دولة ومقاطعة لم ينفذ ولا يملك حتى الان إحصاء لعدد سكانه او المقيمين على أراضيه، حتى ان هذا الامر يعتبر من اسرار الدولة التي يجب ان لا يحكى عنها او التعاطي بها. لكن اليوم بات الامر شديد الخطورة على كيانه وسط تحولات لا حصر لها في المنطقة، وهو الدولة الأكثر عرضة وتأهلا لأي تداعيات جيو سياسية محتملة في المنطقة.

فبلغة الأرقام بين 2018 و2022، وبحسب بيانات وزارة الداخلية لعام 2022، ثمة تراجع كبير في عدد الولادات (- 38%)، مقابل زيادة في أعداد الوفيات (+6.2%)، مع انخفاض واضح في عدد معاملات الزواج (- 24.6%)، مقابل ارتفاع معاملات الطلاق التي بلغت 26.5% من عقود الزواج العام 2022، ما أدى الى انخفاض مجمل الزيادة الطبيعية للسكان الى النصف، من نحو 74 ألف طفل العام 2011، الى قرابة 33 ألفا العام 2022. بالمقابل تتكاثر أعداد ولادات اللاجئين والمقيمين ومعظمهم من النساء والأطفال، كما تتزايد أعداد المكتومين وغير المجنسين، وغير اللبنانيين وبخاصة من الشباب العاملين في مختلف المجالات الاقتصادية، حتى بات لبنان أكبر بلد مضيف بالنسبة للاجئين بالمقارنة مع عدد سكانه، فبات عددهم يناهز قرابة اكثر من نصف سكانه. كما انخفض حجم الأسرة الى مستوى 3.8 ولد كمتوسط في العام 2018، وذلك بالنسبة لمجمل السكان المقيمين مع غير اللبنانيين، والى 3.6 بالنسبة للأسر اللبنانية وحدها، وهو دون مستوى الخط الأحمر (2.2 طفل للمرأة الواحدة)، وهي ظاهرة خطيرة تكشفها الأرقام الرسمية لأول مرة في تاريخ لبنان.

يعيش في لبنان حوالي ثمانية ملايين نسمة، نصفهم من غير اللبنانيين، فهو مخيّم كبير يضم اللاجئين السوريين وعددهم يزيد على 2.5 مليون نسمة في اقل تقدير، بالإضافة إلى اللاجئين الفلسطينيين وعددهم نحو 500 ألف لاجئ، وغيرهم من العمال العرب والأجانب، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من عديمي الجنسية والمكتومين والأطفال من أمهات لبنانيات بدون جنسية (حوالي 300 ألف حالة). وهو ما يجعل عدد المتواجدين غير اللبنانيين بين ثلاثة ملايين وسبعمائة ألف وأربعة ملايين عربي وأجنبي، يمثلون قرابة نصف سكان لبنان ان لم يكن اكثر. في مقابل ذلك يخسر لبنان الكفاءات والمواهب والعقول المهاجرة في ظل الأزمات الصحية والمعيشية المتسارعة، بينما وبدعم دولي واضح تتكاثر أعداد الولادات بين اللاجئين والمقيمين كما تتزايد أعداد المكتومين وغير المجنسين.

والأخطر، هو اتجاه لبنان المتسارع نحو الشيخوخة جراء هجرة الشباب وتراجع الولادات، ما يؤدي الى تناقص بارز في عدد السكان، بحيث اصبح الدولة الوحيدة في المنطقة العربية التي يتناقص عدد سكانها، وفي المركز الاول في العالم من حيث تناقص عدد السكان العام 2023، حيث بلغ التراجع 2.68%.

كما ان الظاهرة الأخطر التي تنتشر اليوم، ضغط العلاقات المتوترة بين هذا الكم الهائل من القاطنين في نطاق جغرافي صغير ومحدود الإمكانات، حيث معدل البطالة وصلت الى 36% بين اللبنانيين وهو الأعلى عالميا، وسط منافسة قاتلة بين شرائح اجتماعية تعيش في فقر مدقع، ما يزيد من مستوى الاحتكاك والتوتر العالي اصلا، وهو ما يهيئ لاحداث ستكون صادمة بالتأكيد.

ثمة معطيات مقلقة تهدد بانفجار ديموغرافي عنيف، اشعل حربا أهلية في العام 1975 على قاعدة ما سمي آنذاك التهديد الفلسطيني للديموغرافيا اللبنانية، واليوم أيضا شكل النزوح السوري امرا مماثلا بمظاهر اشد عنفا نتيجة الحجم والاعداد ومستويات المنافسة والاحتكاك، وهو امر بالتأكيد يشكل خطرا محدقا على الكيان اللبناني القائم أصلا على قواعد هشة تفتقر لمقومات الدول والاوطان المتعارف عليها. لذا ينبغي التعاطي مع هذا الملف بروية وعقلانية عالية المستوى، وهو امر يتطلب أيضا استجابة ودعما عربيا ودوليا، قبل الانفجار الكبير وفوات الأوان.