انهيار قانون القوة

استثمرت إسرائيل السقوط المعنوي للغرب وتمادت في ارتكاب الجرائم.

يقف بنيامين نتنياهو مفتخرا فوق قاعدة اهتزاز قلقة، بارتكاب جرائم حرب إبادة بشرية في غزة والضفة الغربية، بعدما أعاد تأهيل نفسه زعيما مخضرما في دولة احتلال، ضاربا المثل الأعلى في إسرائيل على مزايا التطرف الأصولي في مبادئ الحركة الصهيونية بثقل عنصريتها ومداد كراهيتها للإنسانية جمعاء.

بنيامين نتنياهو المتربع على عرش سلطة احتلالية، يأبى التخلي عنها بأي ثمن، يعتقد واهما بتغيير قوانين الكون بقوة يمين عنصري متطرف، بفرض ما يراه "سياسة الأمر الواقع"، والواقع في سياق سياسته هو هيمنة قانون الأقوى في مجتمع دولي يكيل الأمور بمكيالين متناقضين لا يقرها شرع إنساني يسعى للإرساء مبادئ السلام.

سياسة صهيونية ينفذها فريق حكومي، تلاءمت مع نمط مجتمع احتلالي، يهلل لاستخدام قوة عنجهية ضد شعب يخوض معركة وجود في أرضه السليبة رغم التضحيات الكبرى في حرب غير متكافئة.

ينسى بنيامين نتنياهو إنه مجرد شخص عابر في مرحلة لن تمتلك شروط بقائها، وقانون "واقعية القوة" الساعي لفرضه عابر هو الآخر معه، فقانون القوة العنجهية المتمسك بها يحرك القوى المؤمنة بحق الدفاع عن وجودها الإنساني نحو استنفار قدراتها الهجومية والدفاعية مهما كانت حجم التضحيات في صراع يبقى مفتوحا على كل الاحتمالات.

أشعل نتنياهو الأرض بنيران قوته التدميرية، ودفن الأحياء تحت الأرض أطفالا وشيوخا ونساء، في جريمة هزت الضمير الإنساني، وأسكتت مجلس الأمن الدولي بلجام الرئيس جو بايدن الذي أرسل مبعوثه على عجل إلى تل أبيب بطائرة عسكرية لا تتحرك إلا في زمن الحروب، في رسالة تحمل معنى التضامن الأميركي مع إسرائيل عسكريا وسياسيا.

لا يغير مجلس الأمن الدولي المعطيات فوق الأرض، فهو الأبعد من اتخاذ قرار إدانة لجرائم الكيان الإسرائيلي، طالما ظلت إدارة البيت الأبيض متمسكة بمواقفها في دعم وتبرير جرائم تل أبيب ضد الشعب الفلسطيني، باعتبار أن "أمن إسرائيل" جزء لا يتجزأ من أمن أميركا القومي واداتها في الشرق الأوسط.

حكومة بنيامين نتنياهو كما الحكومات المتعاقبة، رأت في سياسة ومواقف المجتمع الدولي ضامنا لحصانتها من أي عقاب دولي، رغم هول الجرائم التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، فلا أمل ينتظر في مجلس الأمن الدولي المحكوم بالإرادة الأميركية الأقوى.

اختلال في موازين المجتمع الدولي بقوانينه وشرائعه غير القابلة للتطبيق في ضمان حق الشعب الفلسطيني في الحياة، استثمرتها إسرائيل في التمادي بارتكاب الجرائم التي تجر مرتكبيها إلى المحاكم الجنائية، هذا الاختلال الدائم يضع خيار المقاومة الشعبية هو الخيار الأوحد في فلسطين دفاعا عن الأرض والمقدسات في حياة الوجود الإنساني في غياب إرادة حقيقية لسلام عادل.

جرائم بنيامين نتنياهو المحصن من إي عقاب دولي تفرضه القوانين والشرائع الدولية، قابلتها مقاومة شعبية تربك قوة تل أبيب التدميرية المسكوت عنها أميركيا وأوروبيا، أسقطت باقتدار إستراتيجية الاحتلال الإسرائيلي وأسكتت إلى الأبد نظرية "السياسة الواقعية" التي تفرض الخضوع لمنطق المالك لآليات القوة القادرة على التحرك في فضاء مفتوح دون رادع قوة مقابلة.

إسرائيل المتربعة في مجتمع دولي غير عادل لم تعد الأقوى في الشرق الأوسط، إذ يمزق الغضب الشعبي العالمي غطاءها الأمني الحديدي، ويفقدها جل شروط بقاءها قوة مهيمنة، ولم يبق أمامها سوى الخضوع لإرادة الشعب الفلسطيني بحقه بالوجود فوق أرضه القابلة للحياة.