برنامج كوريا الشمالية مجددا

سقف التصعيد الحالي بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية لن يشي بالوصول إلى صدامات مباشرة.

عاد مصير البرنامج النووي الكوري الشمالي إلى الواجهة مجددا في خلال مؤتمر الأمم المتحدة للحد من انتشار الأسلحة النووية في العالم لاسيما وأن هذا البرنامج يعتبر الأكثر حيوية في النشاطات الدولية التي تحث الولايات المتحدة على إيجاد حل له، باعتباره الأكثر خطورة على الأمن والسلم الدوليين بالنظر للواقع الجيو-استراتيجي لكوريا، علاوة على طبيعة مسار المفاوضات المتعددة الطرف التي أنشأتها واشنطن لتسوية الموضوع مع الجانب الكوري الشمالي.

أدى فشل اللقاء الأميركي الكوري الثاني في هانوي الشهر الماضي إلى  تضييق مساحات التقاطع حول إمكانية التوصل إلى حل، ما رفع من منسوب التصريحات الحادة الثنائية والأممية حول الآليات المقترحة أساسا، وفي طليعتها المساعدات الاقتصادية ورفع العقوبات المقروضة على كوريا بموجب قرارات دولية صادرة عن مجلس الأمن، ما يعني أن ثمة سياقات أخرى يمكن أن تتخذ أشكالا أكثر تصعيدا، فهل يمكن أن تصل الأمور إلى مواجهات مباشرة أم ستتم عمليات الاحتواء المتبادل بين كوريا والمجتمع الدولي بمن فيها الولايات المتحدة؟

تمتلك الولايات المتحدة كما تدّعي دلائل على استمرار كوريا الشمالية في تشغيل برامجها، بعدما تمَّ الاتفاق في مراحل سابقة على آليات يمكن من خلالها التوصل إلى التخلي عن البرنامج كاملا والمقترن بتقديمات اقتصادية ورفع العقوبات التي ترزح تحته منذ بدايات العقد الماضي. ورغم محاولات الولوج في سياقات حلول في إطار اقليمي دولي من ضمنها روسيا والصين واليابان لم تصل إلى نهايات مشجعة سابقا، فيما تصر بيونغ يانغ اليوم على مسارات مختلفة تبدأ في رفع كامل للعقوبات مع إجراءات لا تتيح التخلص من برامجها كاملا، وهو أمر ترفضه البيئات الدولية المختلفة كالوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن والأطراف الأخرى المعنية في ذلك.

تعاني اليوم كوريا الشمالية عمليا من أزمة حقيقية في المجتمع الدولي في ظل إغلاق سبل التواصل الجادة بعد الاجتماع الأخير في هانوي، بعدما علقت آمال كثيرة عليه، لكن إمكانية تصعيد المواقف لا تعني بالضرورة الوصول إلى أماكن تصادم، ففي حالات مماثلة في العلاقات البينية بين واشنطن وبيونغ يانغ ظلت قنوات التهدئة موجودة رغم السقوف العالية في التعاطي والتخاطب. وعلى الرغم من حدة مظاهر التباين ثمة قواعد تحكم وتنظم مسارات الملف، علاوة على انعدام الخيارات الكورية من التفلت بعيدا نحو التصعيد.

واليوم تتطلع بيونغ يانغ إلى إعادة ترتيب تموضعها الإقليمي الموجود أساسا عبر تمتين علاقاتها التجارية والاقتصادية مع كل من الصين وروسيا، والتي تعتمد بشكل مباشر عليهما في أيجاد بيئة استمرار، وهذا ما ظهر في إمكانية اتفاقيات جديدة أطلت به حاليا كل من بكين وبيونغ يانغ للخروج من واقع اقتصادي مأزوم، وهي بيئة لا تمتلك فعليا وعمليا كوريا خيارات غيرها حاليا.

إن رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة منذ العقد الماضي مرتبط بسياقات وآليات تنفيذية يتوجب على بيونغ يانغ القيام بها، وهو أمر تعتبره كوريا من الملفات الإستراتيجية والحيوية المتعلقة بمسألة وجود النظام واستمراره، وبالتالي لا يصل إلى حد التفاوض عليه، ويبدو أنها اتخذت خيارا ينطلق من مبدأ شراء الوقت الإضافي الذي اعتمدته سابقا، فهل يمكن ان يحل مشكلتها مع المجتمع الدولي؟

إن الظروف الدولية حاليا، تشي بمنافسات حادة بين مختلف الأطراف الفاعلة وبخاصة كل من واشنطن وموسكو وبكين على قضايا بينية وقضايا دولية، ومن الممكن أن تستثمر الأزمة الكورية في سياقات تلك المنافسة، إلا أن كوريا تحديدا لا تمتلك الأدوات المؤثرة في الاستفادة منها، وبالتالي لن تكون قادرة على حل مشاكلها الاقتصادية الحادة إلا ربطا ووصلا بمواقف موسكو وبكين تحديدا، وهو أمر له حسابات دقيقة أخرى متصلة بتفاعلات دولية حساسة لا تقدمان كل من روسيا والصين تنازلات مجدية فيه لصالح كوريا، وعليه فان الخيارات الكورية تصبح أكثر محدودية، وهو أمر تدركه واشنطن تماما وتستفيد منه عبر مواصلة الضغوط على بيونغ يانغ. وبذلك إن سقف التصعيد الحالي لن يشي بالوصول إلى صدامات مباشرة، على اعتبار أن القادر على ذلك لا يرغب أي الولايات المتحدة، والراغب في ذلك أي كوريا ليست قادرة.