'بقايا شموع' محمد فرج
يعد ديوان "بقايا شموع"، الديوان الأول للشاعر الراحل محمد فرج، صدر عن سلسلة "إشراقات أدبية" التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة، للأصوات الأدبية الجديدة، حيث كان الشاعر محمد فرج وقتها صوتًا شعريًّا جديدًا، وضم ديوانه 38 قصيدة معظمها مقطوعات قصيرة تتناسب وسرعة إيقاع العصر، وكلها تنتمي إلى الشكل التقليدي أو العمودي.
تعكس قصائد الديوان هموم الشاعر وأحزانه الشخصية والعامة، وهي تجيء في معظمها أقرب إلى الشعر الرومانسي، وأقرب إلى قصائد شعراء مدرسة أبوللو ومدرسة المهجر. يقول في قصيدة "جراح الصمت" (ص 44):
من أنا؟ دمعةٌ .. همسةٌ في سكون
بلبلٌ كم شدا لحنَ ناي حنون
صرخةٌ قد عَلَتْ تشتكي في جنون
عينُ حزنٍ تباكتْ لقْلبٍ يهون
أم صدى قصة كم روتها العيون؟
ومن خلال إبحارنا إلى قصائد الديوان، ومن خلال اطلاعنا على دراسة الناقد عبدالله سرور الملحقة بالديوان، نستطيع أن نقول إن الشاعر – وإن لم يضف شيئًا جديدًا إلى الشعر العربي المعاصر سواء في شكله أو مضمونه – فإن الإحساس الصادق والإيمان بقضية الشعر في التعبير عن هموم عصرنا ومشكلاته هو الشيء الذي يحسب له، وبخاصة في ديوانه الأول وقصائده الأولى، فنحن أمام شاعر ينفعل بكل ما يدور حوله من أحداث وفواجع ومآس، ويجعل هذا الانفعال في شكل شعر تقليدي سهل يمتلك ناصيته، ويرتاح إليه.
يقول في قصيدة "ويبقى لبنان" (ص 29):
لبنان يا جرحًا يعيش على المدى ** مازلت نصلا في الجوانح مغمدا
نطوي أنين الحزن بين صدورنا ** ويظل لحنك بالقلوب مرددا
من أشعل الآمال فيك صواعقا ** ومذابحا فاقت آظانين الردى
ويقول في قصيدة "صرخة" (ص 38):
إلى متى يا عرب نختلفُ ** ومن بحار الحقد نغترفُ؟
لا بيت يؤوينا ولا وطن ** والكل في وادٍ له يقفُ
نسير في درب النوى شيعًا ** ومن ظلال الوهم نرتجفُ
ويبدو أن وزن وإيقاع القصيدة التي مطلعها "يا ليل الصب متى غده؟" للحصري القيرواني ما زالا يسيطران على أحاسيس الشعراء الفنية، وكم قرأنا من قصائد عارضت هذه القصيدة، ومنها على سبيل المثال قصيدة أحمد شوقي "جفناك جفاه مرقده". وفي ديوان "بقايا شموع" نرصد أربع قصائد اقتربت من إيقاع هذه القصيدة، ولكنها لم تمتح من القافية نفسها، وهذه القصائد هي نجوى (ص 11) وأمنية (ص 26) وإلى رفيقة عمري (ص 48) ورحلة الأنغام (ص 65). يقول في "نجوى":
الجرحُ عميقٌ سيدتي ** واليأس يعشِّشُ في ذاتي
والريح تمزق أشرعتي ** والموج يعاند مرساتي
ورغم أن قصائد الشاعر جاءت طافحةً بالأسى والحزن الذي لم يسلم من اليأس والقنوط، فإن الشاعر لم يزل يمتلك القدرة على المقاومة، ولم يزل قادرًا على بعث الأمل الصادق في النفوس، وهو أمل مستمد من بشائر النور ومن الرسالة المحمدية الخالدة.
يقول في نهاية قصيدة "بشائر النور" (ص 59):
فلنجمع الشمل الذي عصفت به ** أهواؤنا وبواعث الشيطان
ولنسلك الدربَ الصحيح فديننا ** شرعُ الإله وخاتم الأديان
والشاعر محمد فرج كابن من أبناء مدينة الإسكندرية، وكان يعمل بها ضابط شرطة، يتغنى كثيرًا في شعره بمدينته البهية التي فتنت كثيرًا من العشاق والشعراء العرب والأجانب. يقول في قصيدة "لآلئ" (ص 15):
اسكندرية جنة الرحمن ** تحكي بديع الصنع للإنسان
الله بثَّ الحسن في جنباتها ** وَحَنَتْ عليها ريشةُ الفنان
وكما قلنا من قبل فإن الشاعر، وإن لم يضف جديدا إلى موضوعات قصائده وأشكالها، فإن الشعر بالنسبة له كان حياةً ثانية.