بوتين صنع عصره الروسي

لم تكن الحرب الإعلامية من أجل أوكرانيا بل ضد روسيا. فلاديمير بوتين بصورة صدام حسين.
ما يدافع عنه الغرب حق يُراد منه باطل
"فلاديمير بوتين عدونا" عبارة لم يقلها أحد غير أنها تعبر عن حقيقة ما يجري في أوكرانيا

هب الغرب كله في وجه روسيا التي خططت ونفذت غزو أوكرانيا. المسألة من وجهة نظر الروس ليست كذلك تماما. كان بوتين واضحا في رفضه أن تكون الجمهورية السوفييتية السابقة والتي تقيم فيها أقليات روسية قاعدة لحلف شمال الأطلسي على الحدود الروسية.

ما يدافع عنه الغرب حق يُراد منه باطل.

شيطنة بوتين لم تغير شيئا من حقيقة الوضع التي يحاول الغرب اخفاءها واللعب عليها وتمرير أكاذيب كثيرة من خلالها. وإذا ما كان إشهار سلاح العقوبات قد حطم شعوبا في أوقات سابقة، فإن إشهاره هذه المرة في وجه روسيا إنما يعبر عن غباء المتسلط الذي لا يدرك أن لغة القوة لا تنفع دائما.

صارت وسائل الإعلام الغربية تستحضر صورة صدام حسين وحماقته في غزو الكويت ولكنها في الوقت نفسه تحجب صورة جورج بوش وتوني بلير اللذين غزيا بجيوشهما العظمى العراق واعتقلا قيادته وهدما دولته وقتلا عشرات الالوف من شعبه ومحيا حاضره وسلما مستقبله للعدم. لا أحد يشير إلى الغزو الأطلسي لأن صدام حسين كان هو الشيطان الذي يجب التخلص منه بغض النظر عن الثمن الذي دفعه الشعب العراقي.

غير أن استحضار صدام حسين في هذه اللحظة التاريخية انما يعبر هو الآخر عن غباء. أولا لأن روسيا دولة نووية عظمى وهي ليست العراق، الدولة التي وصلت بها العقوبات الاقتصادية الدولية إلى الحضيض. وثانيا لأن فلاديمير بوتين ليس صدام حسين الذي جروه إلى غزو الكويت ليتلقى في ما بعد رصاصة الرحمة.

علينا أن نتذكر أن بوتين حين قرر أن يضع حدا للفوضى الجهادية المدعومة من قبل الغرب في سوريا فإن كل المحاولات التي بذلها الغرب لمنعه من القيام بذلك لم تنفع. بعد ذلك صار يُقال إن المسألة لا تتعدى تقاسم النفوذ وكانت سوريا من حصة روسيا وهي كذبة فضحتها محاولات التدخل الأميركية في الحرب السورية بحجة محاربة داعش أو تحييد الميليشيات العراقية التابعة للحرس الثوري الإيراني في حركتها على الأرض.

روسيا أيضا ألحقت شبه جزيرة القرم بها وقد كانت تابعة لأوكرانيا. لم يحرك الغرب يومها جنديا واحدا. لا أعتقد أن الغرب في حاجة إلى مزيد من التجارب ليتعرف على شخصية الرئيس الروسي الذي حين يوصف بالعنيد فإن ذلك الوصف هو محاولة للتقليل من قيمته. فهو رجل دولة وهو يدرك أنه يتخذ قراراته في لحظات تاريخية هي جزء من الزمن الروسي الجديد. زمن روسيا الجديدة. الزمن الذي اعتقد الكثيرون أنه انقضى من غير رجعة. بوتين ينتمي إلى سلسلة الشخصيات التي ظهرت في الروايات الروسية وهي شخصيات ابنة عصرها التي لا تستجيب له حسب بل وأيضا تصنعه. بوتين صنع عصره الروسي.

يتعامل الغرب مع المسألة الأوكرانية وكأنها عدوان يعبر عن حماقة روسية. وهناك مَن تحدث عن المستنقع الأوكراني. لا تزال هناك إمكانية لصيد روسيا. مكيدة لا تعني سوى الجهل بروسيا التي صارت بالنسبة لأوروبا كما لو أنها لم تعد منجذبة إلى جزئها الأوروبي. أسيوية كما لو أنها خُلقت كذلك منذ الأزل. سيُتعب بوتين الغرب من غير أن يتعب. ليست معركته الحقيقة في أوكرانيا. تلك فكرة ستزول ما أن يكف الإعلام الغربي عن الحديث عن حرب أوكرانيا، كما سكت عن حرب القرم.

ولكن لماذا أعتبر الغرب أوكرانيا معركته؟  

لم تكن الحرب الإعلامية من أجل أوكرانيا بل ضد روسيا. لم يكن صدام حسين إلا دمية مقارنة بفلاديمير بوتين. كما أن العراق الذي جرى تدميره ليس روسيا التي تملك القدرة على تدمير نصف العالم. هناك خلط في الحقائق وتشويه لصورة الواقع. روسيا ليست ضعيفة اقتصاديا كما يتصورها البعض وهي ليست متشددة سياسيا كما يتوقع البعض وهي ليست آيلة للسقوط بعد بوتين. تلك معادلة روسيا التي يجب على الغرب أن يضعها في حساباته.

"فلاديمير بوتين عدونا" عبارة لم يقلها أحد غير أنها تعبر عن حقيقة ما يجري في أوكرانيا. صارت روسيا تدق بمطرقتها على الرأس الغربي. سيكون هناك دائما صداع روسي. ولكن وجود بوتين يزيده ألماً. سوء الفهم الغربي يكمن كله في بوتين الذي صار بالنسبة للإعلام صدام حسين الجديد وهي مقاربة شعبية تنطوي على اللعب بالحقيقة.

بوتين ليس بطلا ولكنه رجل دولة. أوكرانيا ليست ضحية ولكنها مكيدة. الغرب يكذب من أجل أن تظل ترسانة أسلحته ضرورية.