بين جبران وجبران يبقى لبنان قطعة من السماء

لبنان خليل جبران كان قطعة من السماء التي غازلها سعيد عقل باعتبارها امرأة من كرز. اما لبنان باسيل فإنه في طريقه إلى أن يكون لبنانستان.
مكر خليل جبران يتجلى من خلال خلق لبنان باعتباره جنة أرضية تخترقها أنهار الأبدية
مكر جبران الشيطان يتجلى في تحطيم حواس لبنان ووضعه على مائدة اللئام

حين يُذكر اسم "جبران خليل جبران" أو "خليل جبران" تحضر العبقرية اللبنانية بكل ما تنطوي عليه من نبل ورقي وسمو.

من مجنونه إلى نبيه كان جبران عنوانا لبشرية تطمح إلى أن ترتقي إلى أعلى درجات إنسانيتها بحيث صار الكثير من قرائه يحلمون بالعودة إلى ينابيع تلك الإنسانية من خلال الذهاب إلى لبنان. هناك حيث يُعتقد أن الأرض التي الهمت جبران لا تزال حقلا تسرح فيه الملائكة.

ولكن حين يُذكر جبران باسيل فإن الصورة تبدو كالحة، بل وفي أشد حالاتها عتمة. هذا الـ"جبران" هو المسخ الذي يجر وراءه سيلا من المصائر المشؤومة التي تمزج بين مكر النصابين وتفاهة حيلهم وانحطاط مآربهم.

كانا ماكرين. جبران الصاعد بشجرة الارز إلى الغيوم وجبران الهابط بالشخصية اللبنانية إلى أوطأ درجة في سلم الجحيم.

مكر خليل جبران يتجلى من خلال خلق لبنان باعتباره جنة أرضية تخترقها أنهار الأبدية التي تجري فيها الخمور والعسل والحليب وتغص أمواجها بالحوريات اللواتي ينعمن بجمال مثالي ألهم جبران نفسه صورا عن المرأة التي تذوب حين تُلمس من شدة رقتها.

اما جبران الشيطان فإن مكره يتجلى في تحطيم حواس لبنان ووضعه على مائدة اللئام باعتباره غنيمة حرب، خسرها الشعب اللبناني في آخر محطات انهياره بحيث تمكن باسيل منه لا باعتباره صهر الرئيس فقط بل وأيضا لأنه وكيل القتلة المسيحي. وكما هو معروف فإن لبنان يحتاج إلى كذبة مسيحية لكي يكون الديكور فيه مكتملا. فإن أردت تمثيلا مسيحيا فإليك بجبران المحفوف بجوقة من المرتزقة النفعيين.

ولد خليل جبران سورياً في بلدة اسمها بشري تابعة للبنان الذي أصبح في ما بعد دولة مستقلة غير أن جبران باسيل وُلد في لبنان الدولة المستقلة غير أن ميوله الرخيصة جعلته سورياً، لكن من خلال انتسابه إلى محفل القتلة في زمن سادت فيه قيم الوضاعة والخيانة وانكار الحقيقة. فلبنان بالنسبة لهذا النكرة الذي تم تنصيبه ذات مرة وزيرا للخارجية ما هو إلا ضيعة مسجلة مؤقتا باسم حزب الله الذي يمكن أن يهبها إلى إيران في أية لحظة.

لبنان خليل جبران كان قطعة من السماء التي غازلها سعيد عقل باعتبارها امرأة من كرز اما لبنان باسيل فإنه في طريقه إلى أن يكون لبنانستان. وقد يغضب اللبنانيون حين يسمعون بذلك. فما من لبناني إلا وشعر في لحظة من حياته أنه كائن نازل من السماء وتلك هي عدوى جبرانية (نسبة إلى خليل جبران) أما حين يتذكر واقعه الأسود فإنه يصب اللعنات على باسيل وعصابة نصرالله وكل رموز السياسة في لبنان، بل ويلعن لبنانيته.

غادر خليل جبران بلده إلى بوسطن فوجد هناك مجتمعا سوريا مثاليا وصل إلى درجة أنه فرض شعراءه على العربية باعتبارهم ظاهرة استثنائية. مَن لا يتذكر شعراء المهجر؟ كان مهجرا بصفات فنية غلبت عليها الحداثة والأناقة والرقة والأفكار التي ألهمت العرب جزءا من حداثتهم. أما هذا الـ"جبران" الذي قد يكون مواطنا فرنسيا فإنه يلقي بلبنان في السوق باعتباره مزادا يتلاسن فيه الشطار والعيارون ليصلوا إلى السعر المناسب.

أعرف أن المقارنة مهينة لعملاق من نوع خليل جبران غير أن القصد السياسي منها يسمح لي بارتكاب خطيئة من ذلك النوع. فهناك لبنانان دائما. لبنان السمو ولبنان الوضاعة. لبنان الذي هو قطعة من السماء ولبنان المزدحم بالعمائم الإيرانية. غير أن مَن يرغب في انقاذ لبنان ينبغي أن ينطلق من الحاجة إليه. فالمنطقة تحتاج إلى لبنان خليل جبران وهو لبنان الطهر والعفة والنزاهة. ذلك هو لبنان الذي يجب أن لا يُترك للقتلة والأفاقين وشذاذ الآفاق والنصابين الذين هم أعداء لبنان العربي المتصالح مع نفسه ومحيطه.

ما يجب أن نكون على يقين منه دائما أن بيروت كان لها دور ريادي في نشوء الفكر القومي التقدمي الحديث. لذلك ينبغي النظر إلى زمن حزب الله بكل أذياله ومن ضمنهم جبران باسيل على أساس كونه لحظة عابرة ينبغي أن لا تكون معيارا للعلاقة العربية بلبنان.

بسبب كل ذلك أجد أن من حقي أن أقول للعرب "لا تتركوا لبنان وحيدا. فلبنان الحقيقي ليس هو المسخ الذي اختطفه حزب الله ووضع على واجهته جبران باسيل وأشباهه. لبنان الحقيقي هو ذلك الكنز الذي يقيم في قلب النبع الذي وهب خليل جبران إلى العالم".