تداعيات حل الكنيست الإسرائيلي

التوقيتات الانتخابية الإسرائيلية المرتبكة تتحكم بمسارات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

ليست سابقة أن يحل الكنيست الإسرائيلي نفسه، إنما قرار الحل هذه المرة لها خلفيات وأبعاد إضافة إلى تداعيات جديدة، منها في الداخل الإسرائيلي ومنها ما يتعلق بوضع المنطقة وما يطرح من مشاريع، علاوة على جوانب أخرى مرتبطة بدول لها علاقات إستراتيجية معها كالولايات المتحدة. وهي سابقة في الحياة السياسية الإسرائيلية التي أتت بعد انتخابات لم تتجاوز الأشهر، الأمر الذي يفسر المأزق الداخلي الذي يتخبط به بنيامين نتنياهو، والذي ظهر في عدم قدرته على مسك زمام الأمور في حكومة قوية يكون الرأس الأول فيها.

على أن الجانب الداخلي للعلاقات البينية في الحياة الحزبية الإسرائيلية لم يكن وحيدا، حيث ظهرت خلافات وتباينات تعدّت توزيع مراكز القوى في الحكومة الإسرائيلية، لتلامس قضايا تتعلق بمشاريع وخطط تتعلق بمستقبل الكيان وما يمكن إن يبنى عليها لاحقا. فالانتخابات الماضية قامت على قاعدة بروز معطيات جديدة طرحتها الإدارة الأميركية فيما سميَّ صفقة القرن، وعلى الرغم من حساسية المشروع آنذاك لم يكن سببا كافيا لترجمة نتائج انتخابات لا يختلف عليها اثنان في إسرائيل، إنما إعادة طرح انتخابات جديدة بعد الحل، مرتبط إضافة إلى المشروع المطروح، تزامن الانتخابات المقبلة مع وصول الحملات الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة إلى مستويات فاصلة في تقرير البرامج والاتجاهات العامة التي يمكن أن تكون حاسمة في مسارات الرئاسة وسياسات واشنطن الخارجية فيما بعد.

فالانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراءها في سبتمبر/أيلول القادم، سيخلفها فترة مشاورات لتشكيل حكومة جديدة وبصرف النظر عن نتائجها وتوزيع القوى فيها، لجهة الحسم السريع أو أي وقت يمكن إن تستهلكه. فالحكومة لن تكون جاهزة عمليا قبل نوفمبر/تشرين الثاني المقبل وهو ما يتزامن مع حملات الرئاسة الأميركية. وفي هذه الحالة إن هذا التزامن سيرسم صورا واضحة حول مستوى ونوعية العلاقات البينية الإستراتيجية الأميركية الإسرائيلية، أي لجهة ما يمكن أن يقدمه السباق الرئاسي الأميركي من تقديمات إضافية لإسرائيل، وهو أمر اعتادت عليه مختلف الحكومات الإسرائيلية عليه سابقا بصرف النظر على من يحكم في تل أبيب أو واشنطن.

وفي أي حال من الأحوال، إن التداعيات الأولى للمشروع الأميركي أي صفقة القرن، سيتأجل حكما إلى ما بعد الحكومة الإسرائيلية القادمة وفي الوقت عينه وربما أكثر من ذلك بالنظر لمسارات الحملات الانتخابية الرئاسية الأميركية ومدى تأثير هذا المشروع على حملة الرئيس دونالد ترامب تحديدا والذي سيعتبر الصفقة الموعودة ركيزة أساسية في مشروعه لتجديد ولايته، وهو ما أشار إليه بشكل واضح في أن تأجيل المضي في المشروع قد تكرر مع الانتخابات الإسرائيلية السابقة، إضافة إلى تأجيل مسارات المشاريع الاقتصادية الاستثمارية المنوي عقدها في المنطقة وهي مرتبطة أساسا في المشروع الأساس صفقة القرن.

والمفارقة الأكثر غرابة أيضا في ذلك، أن هذه البيئة في المصالح الأميركية الإسرائيلية المتبادلة، أتت في خضم تصاعد التوتر الأميركي الإيراني في المنطقة، الأمر الذي يشي بأن سياسة حافة الهاوية المتبعة حاليا بين واشنطن وطهران ستستمر إلى أن تستقر الأوضاع الحكومية الإسرائيلية وكذلك المسارات الرئاسية الأميركية لاحقا، بالتالي إن حفلات التصعيد يمكن أن تستمر إلى فترات لاحقة، إما بهدف تهيئة الظروف الذاتية والموضوعية للحرب وهي مستبعدة حاليا، وإما إلى فتح قنوات اتصال واضحة حول الأزمة الأميركية الايرانية التي تقف إسرائيل في قلبها. وهي عوامل مؤثرة بشكل واضح في مسار الانتخابات الإسرائيلية المقبلة كما في برامج واشنطن وحملاتها الرئاسية.

ربما أتى قرار حل الكنيست الإسرائيلي الذكي، في ظروف تناسب اسرائيل بشكل عام، وتجبر الإدارة الأميركية على اتخاذ مسارات وفقا للتوقيت الإسرائيلي بصرف النظر من سيحكم البيت الأبيض، وهي خيارات ومسارات إسرائيلية اعتادت عليها تل أبيب وعرفت بحرفية كيف تستغل وتستثمر تفاصيلها حتى المملة.