تداعيات مطلقة للتأثيرية التجريدية فى أعمال نجلاء حبيش

الفنان المبدع يفتح عيوننا على عالم الضوء واللون والصياغة، ويكشفه لنا بطريقة يمكن أن تكون جديدة وحيوية.
الفن ليس نَسخاً للأشياء، ولكنه إبداع لها، من خلال العمليات الإبداعية
رؤية تنويرية فنية صادقة وخاصة للغاية

يؤكد المفكر الإسباني اورتيجا جاست على أن الفنان المبدع يحاول أن يبحث عما يوجد خلف السطح الظاهري للأشياء، وذلك من أجل تكوين أشكال جديدة، فالفن ليس نَسخاً للأشياء، ولكنه إبداع لها، من خلال العمليات الإبداعية، والفنان المبدع يفتح عيوننا على عالم الضوء واللون والصياغة، ويكشفه لنا بطريقة يمكن أن تكون جديدة وحيوية، موظفا ذلك كله لخدمة قضايا مجتمعه وإبرازها للجميع بشكل صادق وحقيقي وواقعي.  
وهذا ما دأبت على تفعيله الفنانة البنانية نجلاء حبيش، وهي من مواليد بيروت حيث تعيش الفنانه حالة منفردة من الصراع ما بين الواقع المرئي الذي عايشته بيروت في واقعها وبين أمانيها وخيالاتها، تقودها إلى أن تترجم ذلك كله بلغه تشكيلية إلى رؤية تنويرية فنية صادقة وخاصة للغاية لتجسد أعمالا تشكيلية جمعية شاملة متسقة وواقعها المرئي وأسلوبها الفني الحماسي الخاص مجسدةً مراحل ومواقف تمر بها بلدها على أثر أحداث ومتغيرات مختلفة من خلال توظيف انفعالات وأحاسيس انتابت الفنانة اثناء هيكلة أعمالها الفنية، مؤكدة  على تفاصيل لوحاتها لتصل وبقوة إلى إكتمال الإبداع ومناحيه على مسطح لوحاتها لتعكس مراحل عايشتها بنفسها بيروت، ونعرفها جميعا لترصدها، في لوحاتها موظفةً الصياغات والموتيفات كلغه بصرية تحاكي بها واقع عايشته بالفعل داخل ربوع حياتها وذكريات وأماني تشدو بها لمجتمعها من خلال عملها الفني لنجد أنها تؤرخ بدقه وبخصوصية شديدة لمراحل مهمه مر بها المجتمع البناني من وجهة نظرها، موظفةً التقنيات المختلفة لتعبر وبصدق في أعمالها مستخدمة اللون وتداعياته وإيحاءاته لتنقل للمتلقي مجموعه من الرسائل البصرية التي ترغب أن توصلها وبقوة للآخر متخذة الأسلوب التأثيري التجريدي كطابع يخيم على معظم أعمالها تشدو به أنشودة فنية على مسطح اللوحة مؤثرة بشكل ملحوظ فى كل من يطالع تلك الأعمال واللوحات لترسم الفرح رغم دمار الحرب، وتسعى لصنع الأمل من رحم العمل الفني لتبعث في النفوس الأمل وتحكي بأعمالها حكايا البيوت فوق الفناء باعثةً الأمل في نفس المتلقي.

الفنانة تمزج اللون فوق اللون مضيفة تأثيرات لونية متنوعه تجسد بها المباني والمعالم الشامخة لتجسد لبنان العظيم وما تشعر به من حزن أحيانا على الأحياء والبيوت المهدمة، ثم تعود لتبعث الأمل بإستخدام الألوان مرة أخرى التي تكسو بها لوحتها ساعية لنشر الأمل في غد أفضل لتشدو بأنشودة بيروت الأمل والألم وهو مسمى أطلقته الفنانة على مجموعة من أعمالها الفنية مثل  لوحاتها المسماة "المهاجرون"، "مشاعر محاصرة"، "بيروت تولد من جديد"، "الأرز الجريح"، "بقايا وطن"، "أصوات صامتة"، وغيرها من الأعمال التي استحدثتها من خيالها المطلق إلى واقعنا المرئي لتبعث بداخلنا أنشودة الأمل في غد أفضل. 
وبملاحظة أعمال الفنانة نجد أن هناك ارتباطا بين نوعية العمل الفني والعصر الذي أنتج فيه وهي تلازمية أضافت قيمة للعمل الفني، وأصبح انعكاساً لمقومات عصرها ساعية، لتربط المعاصرة بالإبداع من حيث ابتكار أشكال وموتيفات معبرة للغاية  تتكيف مع البيئة وأحداثها العنيفة لتظهر أعمال الفنانة في ثوب تأثيري ذي طابع تجريدي يحمل أنماط السلوك الإنساني المليء بالشجن أحيانا، وتتغير أشكاله بتغير الأحداث المحيطة، ويشير أيضا إلى الأمل المنشود مضيفا معالم المعاصرة في لوحات الفنانة ملبية بالضرورة احتياجاً فكرياً أو خياليا الهدف منه هو الإرتقاء وتجسيد واقع ملموس إلى مستوى مدركات المتلقي مفعلا التطابق بين الأصالة والمعاصرة، إلى جانب تفعيل عمليات التحديث والتجديد من قبل الفنانة بقصد صياغة رموز وموتيفات بالغة الخصوصية بها بشكل جديد ومتطور مؤكداً على جماليات الشكل من خلال تقنيات عالية الإتقان للوصول إلى تطوير وتحديث الصياغات والموتيفات بشكل يصل إلى أعلى مراحل الإبداع، وما تؤكده جماليات تشكيل الموتيفات بأساليب متطورة في ضوء بناء تشكيلي مترابط وراقٍ يتسم بالإيقاع والإتزان والتجاور والتداخل وتنوع محاور موتيفات العمل وغيرها من المعالجات المتنوعة والمتعددة ساعية إلى إستعادة نظم البناء والتكوين وديناميكية واتجاه الحركة في العمل الفني وإعادة صياغته موتيفاته بشكل يعبر عن الواقع الملموس والمعاش من قبل الفنانة والذي تجسده بإقتدار من خلال الدمج والتراكب بين بعض أجزاء من الأعمال الفنية ومعايشتها مع بقية العمل، واستحداث الشكل أو الموضوع وأحيانا استخدام المساحات الكبيرة لتنفيذ الأعمال لتؤكد على عظم المشهد والحدث وتغير طريقة المعالجات التشكيلية من عمل لآخر، وتوظيف اللون بشكل يثري العمل إلى جانب استخدام النظريات اللونية ومحاولة تطبيقها وتطويرها وتعددها وتنوعها من عمل لآخر. 
أيضا نلاحظ أن الدافعية الإبداعية هي المحرك الأساسي للفنانة لتفعيل حالة بصرية عنيفة أحيانا، بالغة الخصوصية على مسطح اللوحة تثري إدراك المتلقي البصري وتجذب انتباة وتبني به فن إدراك الأحداث والآمال والطموحات التي تظهر جلية بالأعمال. 

ومن خلال دراسة العملية الإبداعية التفاعلية التي مرت بها الفنانه والتى تظهر بوضوح في أعمالها نجد أن  لها أهميتها من حيث إلقائها الضوء على الأساليب والطرق والوسائل والتقنيات التي اتبعتها لطرح آلام وأحلام الوطن والإفادة منه في تطوير الأسلوب الفني والوصول إلى إضافات جديدة لإنتاج لوحات فنية ذات مضمون تأثيري تجريدي حيوي مدعوم بالنظريات اللونية المختلفة لينتج عن ذلك لغه بصرية رائعه تعتبر من أهم وسائل التعبير والتأريخ للأحداث الإنسانية التى تمر بها الشعوب وتتسم بالتطور وأنماط جديدة للتفكير والتي كان من ثمارها تنوع وتعدد الإتجاهات والمذاهب الفنية. 
وقد انعكس أثر الفن على المتلقي فيسهم في التعبير عن الأحداث الجارية بالمجتمع في لحظات مختلفة من تاريخه على المستويات كافة السياسي منها والاقتصادي والإجتماعي بشكل مؤثر على طبيعة الأعمال الفنية والثقافه المرئية، وهذا ما استطاعت الفنانة التعبير به وعنه وبصدق. فقد جاءت لوحات الفنانت ترجمة لأحداث ومواقف متباينة يمر بها المجتمع البناني، وحرصت الفنانه على تجسيدها من خلال قيم تشكيلية متنوعة، تعبر عن  حرية الفنان في تنوع معالجاتها التشكيلية لموتيفاتها وأطروحاتها الفنية التي تحاكي الواقع. وجاءت نتيجة طبيعية لربط الفنانة بين المؤثرات الفكرية والوجدانية. وأكدت بذلك على تحرر الفكر من قيود التعبير عن الجوانب الإنسانية واللاشعورية التي تخص مجتمعها وأحداثه المدوية، مستخدمة أسلوبها الخاص لتفعيل التأثير السيكولوجي للمتلقي موظفة حزمة فنية واحدة ذات طابع خاص من الألوان بجانب الموتيفات والإضاءة بحكمة قديرة  لتعبر تعبيراً واضحاً عن وجهة نظرها الذاتية مفعلة الصياغات والموتيفات التصميمية الحيوية التي تميز المكان والزمان فى بيئتها بوصفهما نتاجا طبيعيا لسرد وقائع تاريخية وروحية وحيوية تخص المكان والزمان ساعد الفنانة على إثراء وبناء الموتيفات والصياغات لتبني أعمالا ذات بصمه تقنية وفنية مميزة وفريدة.