بدائع التأريخ والمثيولوجيا كلغة للتعبير الشعبي في الفن الفلسطيني

ماهر ناجي المولود بمخيم جابليا للاجئين يتناول في لوحاته الفنية الموروث الشعبي الفلسطيني من خلال منظور تاريخي تفصيلي ويوظف بشكل تعبيري واقعي العادات والتقاليد النابعة من بيئته.

الفنان الفلسطينى ماهر ناجي المولود بمخيم جابليا للاجئين بقطاع غزة عام 1963 والمقيم مؤخرا بمدينة بروكسيل بالمانيا والحاصل على بكالوريوس الفنون والماجستير والدكتوراه في مجال الفنون والعمارة من روسيا ثم يعاود لبلاده ليعمل محاضرا بالجامعة الاسلامية قسم العمارة  وممارسا للفن ليتناول الموروث الشعبي الفلسطيني من خلال منظور تاريخي تفصيلي ومتعمق نحو دراسة العادات والتقاليد النابعة من بيئته المحيطة بطقوسها وعاداتها وتقاليدها ليوظفها بشكل تعبيري واقعي على مسطح لوحاته الفنية لتأتي كمردود مباشر ومتعمق لفلسفة الصياغات والموتيفات في فنون التراث الفلسطنيي مثل القضايا الأسطورية ممثلة في واقعة موت ودفن السيدة سارة زوجة الخليل إبراهيم عليه السلام.
ويسعى الفنان لتسجيل هذا الإرث التاريخي وفق مثيولوجيا الأسطورة من خلال إحدى لوحاته داعما الحدث وساعيا ليصل إلى فلسفة بناء الموتيفات والصياغات التصميمية للعنصر الآدمي في الفن الشعبي الفلسطني وكيفية صياغتها بأسلوب عميق ومباشر.
 حيث أثبت أنه صاحب قدرة خيالية فائقة في التعبير عن حياته وفلسفته وعقائده الدينية والدنيوية من خلال توثيق الزي الفلسطيني وعناصر تطريزه ومدى إرتباط ذلك بالواقع البنائي والحركات والألوان ومدلولاتها فى الإستخدام ليرصدها بالتفصيل على مسطح لوحاته ليوثق هذا التراث ويحميه من الإندثار أو السرقة مم ساهم ذلك في إبداع بعض السمات الفنية المتعددة.
 فنجده قد مزج شكل الإنسان مع الحيوان أو الطائر في هيئات متعددة، فقد إستعان الفنان بأساليب تمثل خبرته في هيئة رموز صاغها بإستخدام التشبيهات المجازية، والمبالغات من أجل استثارة خيال ووجدان المشاهد جمالياً مستخدما موتيفات وصياغات تجسد معاني وقيم وأحداث القضية الفلسطنية والمعاناة التي يعيشها مجتمعه ليصل للمتلقي أن الذي يعنيه من خلال أعماله ليس ما يراه فقط على مسطح اللوحة أو يعكسه فنه فقط وإنما ما يعتقد ويرسخ في وجدانه ويستقر بعقله.
 فهو يعبر عن الحقيقة وهنا تكمن فلسفته الخاصة التي تجسد الموروث الثقافي والفني المميز والذي يحمل مضامين البسالة والتصدي وكفاح شعب ضد العدوان والتمسك بالهوية في جميع مناحي البيئة المعايش لها لتعكس ألوانه وبقوة وخصوصا إستخدامه بشكل متكرر اللون الأزرق في معظم لوحاته لفلسفة الحرية ويقصد به المعنى المقابل للتعصب للأرض والحلم. وليصل من خلال لوحاته وصياغاته في نطاقها وشموليتها إلى المضمون والشكل الرمزي التعبيري الذي يهدف إلى ما في الواقع المعاش لابناء وطنه معبرا بذلك عن مختلف صور الأحلام والنزاعات والميول.
 ولا شك أن الصياغات التصميمية التي فطن إليها الفنان كان لها بالغ الأثر فيما إتجه إليه من روئ وقضايا مع وجود إختلاف بين ما يتطلع وما يجسدة الواقع ليعبر بصياغاته عن تقاليده وعقائده الدينية والفكرية لمجتمعه التي يتشارك بها مع جميع أفراد مجتمعه، ليعبر عنها من خلال موتيفاته وصياغاته عن وجهة نظره الخاصة المليئه بالشجن أحيانا والصمود والتحدي أحيانا اخرى مع سرد واف للحقائق والمضامين والأيدلوجيات التي تؤكد وجهه نظرة العميقة تجاه الماضي والحاضر من خلال قناعاته وما يتعلق بأحاسيسه الشخصية تجاه الحياة والأشياء والوطن وأحداثه الجارية التي يعيشها الفنان ويتأثر بها والتى تشكل وبعمق  فلسفته وآراءه.
 وليست هناك أي التزامات يلتزم بها سوى طموحه الفني وغايته الإبداعية التي ينبغي تحقيقها من خلال صياغاته التي تعكس أرائه ووجهات نظره الخاصة جداً والتي ترصدها بشكل موضوعي وايضا تعبر عن فلسفته الخاصة النابعة من صميم شخصيته وموروثة الابداعي.
وبمجرد مشاهدة لوحات الفنان نلمس كل ذلك بوضوح في تناوله لموضوعات تشكيلية تمثل المعالم البيئية والمعمارية المحيطة مثل قبة المسجد الاقصى وبعض من المعالم للأراضي والمدن الفلسطينية الى جانب الأحداث الجارية من حروب ومؤثرات سياسية واقتصادية الى جانب العادات والتقاليد المجتمعة في لحظات مختلفة من تاريخ وطنه المسلوب على كافة المستويات السياسي منها والإقتصادي والإجتماعي بشكل مؤثر وموحى تجاه طبيعة الأعمال الفنية التى أجاد بنائها بشكل محكم. 
وتأتي الأعمال الفنية لديه ترجمة لأحداث ومواقف متباينة يمر بها المجتمع الفلسطينى ما بين الماضي والحاضر.
 ويحرص الفنان على تجسيدها من خلال قيم تشكيلية متنوعة وجسورة تغلفها الصلابة والتحدي ويسودها الطابع التعبيري والتي تترجم  الجهود الفكرية والجمالية التي قام بها ضمن حزمه من الأفكار والمواقف والإتجاهات المؤثرة في الفنان والفلسفة القائمة عليها من خلال رصد الواقع والمورث بلغة حكائية تشكيلية فريدة كان لها دور في اكتشاف المعالجات التشكيلية والإتجاهات الفنية التراثية.
.ويأتى التنوع والثراء في هيكلية الصياغات والموتيفات لترسيخ وبناء أطر تراثية فلسفية وجمالية تثرى البناء التشكيلي وتؤرخ للأحداث وتوثقها في أعمال الفنان وتأصل الإفادة من المورث الشعبي الفلسطيني والأحداث التاريخية ليثري الفن المعاصر.
وقد عالج الفنان إتجاهاته الفنية متضمنا موتيفات وصياغات مستلهمة من الواقع المعايش له الى جانب الموضوعات التاريخية المتعددة مثل لوحة المسيح لم ينزل عن الصليب بعد والتي أثارت جدلا كبيرا حين تم عرضها.
 وهي من ضمن اللوحات التي تحمل وجهات نظر الفنان المجتمعية كما تجسد ضمن مجمل أعماله مساهماته في ثراء الاتجاهات الفنية لديه ليمارس الحرية المطلقة.
فتتناول قضايا مجتمعه الشائكة وتنوعت معالجاته التشكيلية لعناصر المورث الشعبي  ليضيف المؤثرات الفكرية والوجدانية.

 ويؤكد على تحرر المورث من قيود النمطية ليعبر عن الجوانب الإنسانية واللاشعورية والقدرة على الخلق والإبتكار مستخدما التأثير السيكولوجي للمتلقي بالألوان والصياغات والأحداث التاريخية وأحيانا النص المكتوب المصاحب لعرض أعمالة فأصبح يعبر عن وجهة نظرة الذاتية التي قد تختلف مع الواقع المعايش له ليعدل وينوع في صياغته وموتيفاته مضيفا إلى الواقع عناصر جديدة من خلال منظور علمي وواقعي للتعبير عن القضايا المجتمعية بشتى مناحيها وسبلها .
لقد سار الفنان تجاه تطور أعماله في خط مواز للتطور الفكري الفلسفي ونتج عن ذلك أن إنتقل من التركيز على وصف الجوهر والموجود بالخارج إلى التأكيد على الذات والبحث في الإمتداد المكاني وتفسير الأشياء ابتداء من هذه الفكرة المجردة وإبرازها داخل لوحاته وبعمق بجانب مجموعة الأحاسيس التي تصل الإنسان من الخارج حيث تؤثر فيه وتختزن بداخله ويتفاعل معها بشكل مباشر لتظهر في صور صياغات ورموز تصميمية خاصة ونابعة من ذاته وبيئته مع التأكيد علي صلة هذه الرموز والصياغات بالمخزون الثقافي والفلسفي والأسطوري وأحيانا العقائدي.