تظاهرة ثقافية تضيء على 'ذاكرة السليمانية بين الماضي والحاضر'

مؤسسة المدرسة السليمانية كمركز ثقافي نشيط تشهد فعاليات مميزة تنضاف لغيرها من الأنشطة على مدار السنة.

المكان.. مكانة.. حيث الذاكرة والحضور وهكذا.. هذا هو أمر المدرسة السليمانية مثلا حيث قلب الـ"بلاد العربي" التي تعرف بمدينة تونس العتيقة.. والتي كان لها من التاريخ الشيء الكثير لتظل اليوم على عاداتها المتعددة كحاضنة للفعل الثقافي والفني والفكري في تنويع متعدد المواعيد والعناوين..

هذه الأيام وبمناسبة شهر التراث في تونس وبدعم وإشراف من قبل المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بتونس تشهد مؤسسة المدرسة السليمانية كمركز ثقافي نشيط بإدارة الأستاذة نجلاء الواد فعاليات مميزة تنضاف لغيرها من الأنشطة على مدار السنة حيث تنتظم بالدار تظاهرة لافتة بعنوان "ذاكرة السليمانية بين الماضي والحاضر"، وذلك ضمن الفترة من 10 إلى 17 مايو/أيار الجاري حيث يتابع رواد الدار وجمهور الفعاليات مداخلات حوارية وعرض افتراضي/ومعارض متنوعة وزيارات ميدانية وورشات تفاعلية وموسيقى وشعر وألعاب شعبية ورقص شعبي  وموروث غذائي ...

وبالتعاون مع جمعية التراث والبيئة وجمعية ابن عرفة الثقافية وجمعية مراجعات والمنظمة الوطنية التونسية لاخصائي التغذية وجمعية نكهة بلادي...

وضمن هذه البرمجة كان الموعد صباح الجمعة 10 مايو/أيار الجاري مع تفاعلات متعددة من قبل مساهمين في المداخلات عن ذاكرة الفضاء الثقافي ونذكر بالخصوص المديرة السابقة للدار والباحثة في مجالات التراث والمندوبة الثقافية الحالية لولاية منوبة الأستاذة صلوحة الاينوبلي التي اهتمت في مداخلتها بأهمية الفضاء وبعده التاريخي وما شهده من أنشطة أعدتها الاينوبلي في شتى مجالات الإبداع الفني والثقافي والحضاري بالتعاون والتنسيق والانفتاح على الكفاءات في مجالات الإبداع وهو ما مكن المؤسسة من الإشعاع وطنيا ودوليا للوصول إلى تقديم تظاهرات بمشاركات دولية على غرار التداوي بالأعشاب وموسيقات العالم والتراث والمدينة، فضلا عن أنشطة النوادي التي منها اللقاءات الدورية مع الكتاب والأدباء والفنانين. وأشارت الاينوبلي إلى تثمينها لهذه الدعوة للمشاركة في التظاهرة التي هي بمثابة التكريم لها.

وتعددت المداخلات والكلمات ضمن النقاش المفتوح بمشاركة الحضور ومنهم الكاتب جلول عزونة والشاعر سوف عبيد والمدير الأسبق لديوان وزير الثقافة الأستاذ بوبكر بن فرج والمكتبي أحمد جليد... وغيرهم..

وقد افتتحت الفعالية مديرة الدار الأستاذة نجلاء الواد لتشكر الضيوف على الحضور والمشاركة في الندوة وتشير إلى أهمية الموضوع، فضلا عن القيمة الحضارية للفضاء، مبرزة دور الأمكنة العتيقة في دعم واحتضان الأنشطة الثقافية والفنية عموما، مجددة قيمة أن يتعرف الشبان على الفضاء وتاريخه وراهنه.

وبخصوص الندوة والدعوة قالت الباحثة صلوحة الاينوبلي "كل الشكر والتقدير إلى السيدة نجلاء مدير دار الجمعيات الطبية بالسليمانية على إتاحة هذه الفرصة للقاء والتحاور حول أهم المحطات التاريخية والثقافية التي شهدها هذا المعلم.. وقد سعدت جدا بهذا الشرف الذي نالني لأقدم تجربتي خلال إشرافي على إدارة هذا الفضاء مع نخبة من المبدعين والمثقفين والأطباء والمسؤولين، كما لا يفوتني أن أنوه بكل من حضر من الجمعيات والمسؤولين والمبدعين والأصدقاء لمشاركتي هذه الفرحة والإدلاء بشهادات حول مسيرتي المهنية...".

والمدرسة السليمانية هي إحدى مدارس مدينة تونس التي بنيت خلال العهد العثماني.  وهي من المعالم التاريخية بالمدينة العتيقة. وتقع المدرسة السليمانية في المحيط القريب من جامع الزيتونة، في النهج الذي يحمل اسمها، والذي يتعامد مع نهج الكتبية المفضي إلى جامع الزيتونة والذي تفتح عليه كل من المدرسة الباشية ومدرسة النخلة المدرسة السليمانية. المدرسة السليمانية هي إحدى أربع مدارس تأسست في عهد علي باشا في أواسط القرن الثامن عشر للميلاد، وهي المدرسة الباشية والمدرسة العاشورية ومدرسة بئر الأحجار. أما المدرسة السليمانية فقد أمر بتأسيسها عام 1168هـ/  1754، وقد سماها بالسليمانية تخليدا لذكرى ابنه سليمان الذي مات مسموما من قبل أخيه، فهي أقدم مدرسة أسسها علي باشا وكان ذلك عام 1160هـ/ 1746.. وتتوسط المدرسة ساحة مربعة الشكل يحيط بها من جميع الجهات أروقة، يفتح على أحدها مسجد، وعلى الثلاثة الأخرى 18 غرفة كانت مخصصة لإقامة الطلبة وهي الآن مقرات للجمعيات المذكورة. أما بالنسبة إلى المسجد فيتكون من ثلاثة أساكيب وثلاث بلاطات، وتعلوه قبة. أما بالنسبة إلى الأروقة فترتكز على أعمدة حجرية تعلوها عقود متجاوزة.

والسليمانية مثلها مثل بقية المدارس المشابهة بمدينة تونس، كان الغرض من التأسيس إعطاء دروس دينية ولغوية، ثم أصبحت تقتصر على إيواء الطلبة الزيتونيين القادمين من مختلف مناطق البلاد وحتى من خارجها، وبعد الاستقلال تولى ترميمها كل من المعهد الوطني للتراث وجمعية صيانة مدينة تونس وذلك فيما بين 1983 / 1985. وقد سميت دار الجمعيات الطبية بالسليمانية حيث أصبحت تأوي مقرات عدد من الجمعيات الطبية وشبه الطبية، وتنظم فيها الندوات والملتقيات الدورية في مجال العلوم الطبية وحفظ الصحة. وهي الآن مجال للنشاط الثقافي متعدد المواعيد والعناوين والضيوف والرواد.

فعاليات وبرامج ضمن شهر التراث ولقاء مميز عن الدار بما هي حاضنة ثقافية فاعلة في المشهد الثقافي التونسي الآن وهنا.