تغير الشعب فلابد أن يتغير النظام

لم يعد مقبولا بالنسبة للشباب في لبنان والعراق أن تستمر الطبقة السياسية التي أذلت آباءهم في الحكم.

سقطت حكومتا لبنان والعراق على وقع الاحتجاجات التي سادت البلدين. تلك نتيجة طبيعية وإن حدث ذلك في العراق بعد أن ارتكبت القوات الحكومية والميليشيات مجازر راح ضحيتها العشرات.

غير أن ذلك لم يكن مقنعا بالنسبة للمحتجين لكي يعودوا إلى بيوتهم. فهم لم يرفعوا شعارا يدعو إلى إسقاط الحكومة، بل كان جل ما يفكرون فيه أن يرحل النظام. فالنظام إذا بقي يكون قادرا على انتاج حكومة شبيهة بتلك التي رحلت أو أسوأ منها وبذلك يكون الشعب كما لو أنه لم يفعل شيئا.

الحكومة تسقط تلقائيا حين يسقط النظام كله.

لم يعد مقبولا بالنسبة للشباب في البلدين أن تستمر الطبقة السياسية التي أذلت أباءهم في الحكم. وإذا ما تذكرنا نبيه بري فإن الرجل الذي كان أحد رموز الحرب الأهلية كان قد أهان بوجوده رئيسا سرمديا لمجلس النواب كرامة اللبنانيين أحفادا وآباء وأجدادا.

لم يفعل الشباب شيئا يقع خارج القانون.

فالقانون في بلد ديمقراطي، ولبنان والعراق بلدان ديمقراطيان، يبيح للمواطنين حرية التظاهر السلمي.

خرج الشباب في لبنان والعراق إلى الشارع احتجاجا على سوء الأوضاع المعيشية والخدمية بسبب الفساد المستشري في مفاصل الدولة والذي ما كان يمكن أن يتوحش بحيث يلتهم الدولة وبما وبمن فيها لولا هيمنة طبقة من السياسيين صارت تتوارثه عائليا وطائفيا وحزبيا.

خرج الشباب إلى الشارع مطالبين بقلب الطاولة على الطبقة السياسية بعد أن تأكدوا أن حلا لأزماتهم التي هي مرايا متشظية لأزمة وطنهم لا يمكن حلها قي ظل وجود طبقة سياسية متعفنة، مخادعة ووضيعة في مراميها، فلم يعد لديها ما تفكر فيه سوى ثرائها الخاص الذي تهون أمامه سيادة الوطن واستقلاله وكرامة وحرية مواطنيه.

في حقيقة الأمر فإن العداء صار محكما ما بين طبقة سياسية (حزبية) تلتحق بها فئات طفيلية من المنتفعين والوصوليين والانتهازين وبين الشعب بأكمله، بغض النظر عن الدين والقومية والطائفة والانتماء السياسي.

وإذا ما عرفنا أن نظامي البلدين قد أقيما على أسس طائفية من حيث توزيع الحصص والمناصب والثروة فإننا سندرك أن انتفاضة الشباب على ذلك النظام انما تكشف عن الوجه القبيح لا للنظام الطائفي وحده بل وأيضا للنظام الحزبي الذي صار سيد المحاصصة.     

في حقيقة هدفهم فإن الشباب في كلا البلدين يسعون إلى طي صفحة النظام الطائفي من خلال القضاء على الوصاية الحزبية. وهو ما يمكن اعتباره هدفا صعبا ومعقدا.

فالنظامان الطائفيان كان قد أحكما سيطرتهما على صناديق الاقتراع. كل حكومة تُنتخب ديمقراطيا هي من صنعهما وهي موالية لهما وخادمة لمصالحهما. لذلك اعتبرا أن كل محاولة للمس بهما هي محاولة للإضرار بالديمقراطية التي صارت الميليشيات التابعة لهما تحرسها.

ما يسعى الشباب إلى انهائه تلك الديمقراطية التي تحرسها بنادق خارجة على القانون. ذلك يعني أن الصدام لن يكون يسيرا بعد أن تيقن الشباب من أن الديمقراطية التي لطالما حلموا بها حلت في بلادهم باعتبارها كذبة وأن كفاحهم الحقيقي سيكون منصبا على كيفية التخلص منها.        

تلك مفارقة غريبة وقف أمامها شباب البلدين من غير أن  يكونوا حائرين في تفكيك أسرارها.

وإذا ما كان العراقيون قد اكتشفوا في السنوات الأخيرة أن أصواتهم لا تعني شيئا في الميزان الانتخابي، ذهبوا أم لم يذهبوا من أجل الانتخاب فالأمر سواء، فإن اللبنانيين قد سبقوهم إلى تلك النتيجة حين تأكدوا من وضاعة الفعل الانتخابي الذي تحرسه الأحزاب المهيمنة.

كان لابد من التغيير إذن.

التغيير الحقيقي قد حدث أصلا. وهو تغيير حقيقي. لقد تغير الشعب. لم تعد الطائفية تعنيه في شيء فرفع شعار اسقاط النظام الطائفي. أما الأحزاب فقد انتهت صلاحيتها وصار عليها أن تغادر المشهد السياسي.

كان ضروريا أن يتغير مزاج الشعب. بعده سيكون إسقاط النظام مسألة وقت.