تمهيدا لرئاسة رجل ميت

منصب الرئاسة في الجزائر تحول إلى مناسبة للتنكيل بالرئيس والشعب معا.

ليس بالضرورة ن يكون لدى المرء موقفا سلبيا من الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة لكي يعترض على توليه الحكم للمرة الخامسة.

وليس صحيحا أن يكون مرض الرئيس هي المسوغ لذلك الاعتراض.

الصحيح أن يُقال إن الرئيس بوتفليقة حكم أكثر مما ينبغي. إن كان هو الحاكم الفعلي أو كان واجهة لمَن يحكم فالأمر سواء.

الاعتراض في جوهره قائم على أسس موضوعية تتعلق ببنية الدولة والمجتمع وطريقة النظر إليهما وتصريف شؤونهما بما ينطوي على التجديد القائم على حيوية لا يمكن استيعابها إلا عن طريق التغيير.

كما أن ذلك الاعتراض يقوم أيضا على أسس إنسانية، لها صلة بقدرة الرئيس، أي رئيس على أن يضع نفسه في خدمة وظيفته الحساسة. وكما صار معروفا فإن تلك القدرة تستنفد وتتناقص تدريجيا مع مرور الزمن، مما يجعلها تضيق إلى درجة تُشعر صاحبها بالضيق منها لعدم توافقه نفسيا معها. الامر الذي يؤدي بالنتيجة إلى الاستمرار في المنصب من غير ان يكون لذلك الاستمرار أي معنى. وهنا بالضبط تظهر صورة الطاغية اليائس على الملأ لتعبر عن خواء النظام السياسي الذي صار عاجزا عن تجديد نفسه.

وليس من المستبعد أن يكون الرئيس الجزائري في سنوات حكمه الأخيرة قد تحول إلى مجرد "برواز" لصورته القديمة التي تذكر بسنوات النضال التي انمحى أثرها من حياة الناس العاديين.

وقد يكون الرجل يحكم ولا يحكم.

يحكم لأنه فقد الإرادة التي تدفعه إلى رفض واقع أن يستمر حاكما. في المقابل فإنه لا يحكم لأنه فقد لذة أن يحكم بعد أن صار واضحا أن مشروعه لا يعبر إلا عن استمرار العجلة في الدوران ولا شأن له بما تفعله تلك العجلة حين تدور. فالرجل الذي حُنط في حياته صار مع الوقت ينسى أن رئيسا مدى الحياة هي فكرة تذكر بالموت ولا تمت إلى الحياة بصلة.

الرئيس في غيبوبته ليس رئيسا وهو ما يفتح الباب على مصراعيه على حقيقة أن الشعب في غيبوبته هو الآخر ليس شعبا. ولقد كان مفترضا من قبل الجهات المستفيدة من ذلك الاحتضار المؤجل أن تستمر تلك المتلازمة إلى لهاثها الأخير. رئيس يدخل في غيبوبة وشعب لا يغادر غيبوبته.

ولا أحد يعرف بالضبط متى دخل الرئيس في غيبوبته التي لن يفيق منها. هناك سنوات فائضة، كان فيها بوتفليقة رئيسا لدولة، يُفترض أن شعبها يفضل أن يحتمي بجنازة رئيس حي على أن يبحث في دفاتره القديمة عن معجزة أخرى من معجزات جبهة التحرير الجزائرية.

كان بوتفليقة حلا كما يقول البعض.

ولكنه الحل الذي يفصح عن فضيحة الحكم الوطني العاجز عن التستر على فساده إلا عن طريق التضحية بشخص، كان من الممكن أن يكون ذا سمعة حسنة على المستوى السياسي مثل عبدالعزيز بوتفليقة.

وما الاعتراضات الشعبية على استمرار بوتفليقة في الرئاسة لولاية خامسة إلا محاولة لإنهاء المهزلة التي حولت منصب الرئاسة إلى مناسبة للتنكيل بالرئيس والشعب معا. هناك سخرية مبطنة من الشعب باعتباره غائبا عن الوعي ولا يفقه شيئا مما يجري من حوله تقابلها سخرية معلنة من الرئيس نفسه، كونه صار مجرد دمية.

لا يكره الجزائريون رئيسهم حين يطالبون بإحالته إلى التقاعد، بقدر ما يدافعون عن كرامته التي صارت تُهدر يوميا وهي في طريقها إلى الضياع التام إذا ما كُتب للرئيس أن يستمر في الحياة ليباشر ولايته الخامسة.

لا يتعلق الأمر بالوطنية بقدر ما يسعى الجزائريون إلى الاعلان عن رغبتهم في الدفاع عن إنسانيتهم. فهم يشفقون على أنفسهم مثلما يتعاطفون مع حق بوتفليقة في أن يُسلم نفسه إلى موت طبيعي لا تخالطه الشكوك. فمَن أراد للرجل في أن يحكم وهو في حالة غيبوبة قد ينكر موته إذا ما وقع.