ثلاثة شعراء يفصلهم النشر الإلكتروني في ملتقى الشعر بالقاهرة

الشعر العربي استفاد من عالم التقنيات الجديدة، ومن ثورة الاتصالات والمعلومات وشبكة الإنترنت.
جهاد محمود ترى أن علاء عبدالهادي خرج في ديوانه "إيكاروس" على موروث الشعرية
سلام المحنش: الشعرية عند عبدالعزيز المقالح سارت مشبعة بطاقة لغوية تتجلَّى بين سطورها، وتشفُّ عن ثراء لغوي وتنوُّع أسلوبي

ترأس الدكتور هيثم الحاج علي الجلسة الرابعة في ملتقى القاهرة الدولي الخامس للشعر العربي "الشعر وثقافة العصر" الذي عقده المجلس الأعلى للثقافة خلال الفترة من 13 – 16 يناير 2020 دورة إبراهيم ناجي وبدر شاكر السياب، وشارك في الجلسة الباحثون: أحمد فضل شبلول، ود. جهاد محمود، ود. سلام المحنش، ود. شوكت المصري.
وقلت في بحثي الذي جاء بعنوان "النشر الإلكتروني للشعر العربي" إن الشعر العربي استفاد من عالم التقنيات الجديدة، ومن ثورة الاتصالات والمعلومات وشبكة الإنترنت. فرأينا مواقع مهمة أثرت حركة الشعر العربي مثل موقع جهة الشعر الذي أشرف عليه الشاعر البحريني قاسم حداد، والذي يعد من أهم وأكبر المواقع الشعرية العربية على شبكة الإنترنت (وهو يحتوي أعمالاً شعرية بلغات أجنبية إلى جانب العربية، منها: الإسبانية، والإنجليزية، والفرنسية، والإيطالية، ولغات أخرى)، وإلى جانب الملفات المتخصصة في جوانب المشهد الشعري العربي (تاريخًا وإبداعًا)، هناك ملف مهم بعنوان (الشاعر)، ويعد واحدًا من بين أهم المصادر التي تحتفي بتجربة الشاعر العربي بصورة أكثر تخصيصًا وشمولاً. وتأتى مواد هذا الملف معتنية بأرشيف كامل للشاعر، يشتمل على كل ما يتسنَّى توفيره من وثائق أدبية وشخصية تجعل من الملف مرجعًا ومصدرًا لمختلف درجات الاهتمام، من الزائر المستكشف، إلى الباحث الجامعي، حتى الشاعر الناقد والدارس. 
وإلى جانب "جهة الشعر" – التي توقفت للأسف عن التحديث منذ سنتين ـ هناك الموسوعة الشعرية التي أصدرها المجمع الثقافي بأبوظبي، وتحتوي في آخر إصدار لها أكثر من مليونين وأربعمائة ألف بيت شعر، وتهدف إلى جمع كل ما قيل من الشعر العربي منذ ما قبل الإسلام وحتى العصر الحديث، على أن يكون الشاعر مُتَوفًّى قبل عام 1952 (وسيتم لاحقًا إضافة دواوين أهم الشعراء الذين توفوا بعد هذا التاريخ)، وقد ضمت هذه الموسوعة التي جاءت في أسطوانة مدمجة واحدة، 2.439.589 بيتًا من الشعر موزعة على دواوين 2300 شاعر عربي، بالإضافة إلى 265 مرجعًا أدبيًّا تضمها زاوية المكتبة، فضلاً عن زاوية المعاجم التي تحوي عشرة معاجم لغوية، تعد أهم معاجم اللغة العربية. مع ملاحظة أن هذه الأسطوانة كانت تباع في مصر بعشرة جنيهات فقط، وأن لها موقعًا على شبكة الإنترنت، من الممكن إنزال الموسوعة منه بالمجان.
وأشرت إلى أن مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، أصدرت معجمها للشعراء العرب المعاصرين على أسطوانة مدمجة واحدة، ويتميز هذا المعجم بأنه عمل موسوعي كامل عن شعراء العربية المعاصرين، فهو يجمع بين دفتيه مادة شعرية ثرية تختص بالشعراء والشاعرات العرب من مختلف الأقطار العربية خلال هذا القرن، وتبعًا لمعايير محددة. 
كما أن هناك أسطوانة مدمجة من روائع الشعر العربي ـ المعلقات السبع، تعرض بصوت الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، إلى جانب النص الشعري المكتوب مع عرض تراجم لشعراء المعلقات.
إلى جانب كل هذه الجهود أنشأ كثير من الشعراء مواقعهم ومدوَّناتهم الشعرية الخاصة على شبكة الإنترنت، وجاءت وسائل التواصل الاجتماعي (فيس بوك وتويتر وغيرهما) لتملأ الدنيا شعرًا، فهو الأسهل نشرًا من الرواية والقصة القصيرة، وهذا الأمر يحتاج إلى وقفة لأنه أنتج نوعًا من الفوضى مع اختلاط في المفاهيم لدى أصحاب النصوص والخواطر التي ينشرونها على أنها شعر وتشجيع وترحيب وتلقيب أصحابها بألقاب لم يحصدها شعراؤنا الكبار الحقيقيون على مر التاريخ.

أما الباحثة د. جهاد محمود فكان بحثها بعنوان "خوارج النص في ديوان علاء عبدالهادي (إيكاروس)" وقالت: جاء اختياري لمصطلح "الخوارج النصية" لدراستي عن هذا الديوان، لأن المصطلح مصطلح سياسي قديم لفئة من الخوارج الذين خرجوا على السلطة الأموية قديمًا خروجًا موثقًا بعقيدتهم ومذهبهم في السلطة والعقيدة، وفي هذا الديوان خرج الدكتور علاء عبدالهادي على موروث الشعرية قبله بأن قدم لكل قصيدة جملة نثرية مفسِّرة لها، وهو نسق غير مسبوق في تاريخ الشعر العربي ولا حتى في دواوين الشاعر السابقة، وقد تابعت هذه الجمل التي بلغت أربعًا وأربعين جملة تتمايز بين الطول والقصر. وقسَّمتها إلى خمسة محاور: المحور الأول: (مفهوم الشعر) عند الشاعر علاء عبدالهادي، وأوضحت علاقة هذا المفهوم بالدراسات السابقة، وما أضافه الشاعر من رؤيته الخاصة، وهو مفهوم يطابق بين الشاعر وشعره، موضحًا أن أعظم تعريف للشعر أنه شعر.
المحور الثاني: (خواص الشعر) عند علاء عبدالهادي، وهي خواص بعضها مرتبط بالدلالة، وبعضها خاص بالإطار العام للشعر، فعلى مستوى الدلالة تميل الشعرية إلى العمق والإيغال في المبالغة التي قد تقود إلى بعض الغموض، وهو ما يجعل مسيرة المعنى تميل إلى الحركة المزدوجة بين الوضوح والغموض.
وأضافت: على المستوى العام يرفض الشاعر وجود قوانين سابقة تفرض على الشاعر قولاً أو تمنعه من قول، أي لا ممنوعات في الشعر، فقانون الشعر هو التمرد على القانون، ومن ثم فإن الوزن العروضي لا يمثل ضرورة شعرية، ذلك أن شعرية علاء تهتم بالكيف لا بالكم، وفي هذا السياق العام تحضر بعض المعتقدات العرفانية، من مثل أن الشعر يتساوى فيه (القرب والبعد) ومهمته الأساسية رفع المألوف إلى غير المألوف، ومن أهم هذه الخواص العامة (أن الشعر بمعزل عن العقيدة الدينية).
أما المحور الثالث: (أدوات الشاعر) فهما أداتان رئيستان (اللغة والبلاغة)، واللغة عنده مهمتها أن تكون خادمة للشاعر يوظِّفها حسب احتياجاته الجمالية والنفسية، ومع ذلك فإنها قد تستعصي على بعض الشعراء غير الموهوبين وغير المثقفين، أما البلاغة فإنها كاللغة في خدمة الشاعر في الوصول بشعريته إلى الأفق الإنساني الجمالي سواء عن طريق الحقائق أو عن طريق المجازات.
المحور الرابع: (المبدع والمتلقي)، خلاصة موقف الشاعر علاء عبدالهادي من هذين الطرفين: أن المبدع لا بد أن يمتلك الموهبة والبديهة، ولا سلطان عليه إلا ذاته الشاعرة، لأن شعره بصمة له. أما المتلقي فمهمته عسيرة لأنه يدخل ثنائية حتمية بين الرفض والقبول، ومن المهم أن يمتلك هذا المتلقي الذائقة الجمالية التي تتيح استقبال النص، كما يمتلك الثقافة التي تتيح له فتح مغاليق النص، ذلك أن المتلقي الجاهل ينغلق عليه النص انغلاقًا تامًّا.
المحور الخامس والأخير: (أنواع الشعر): ولا يتقدَّم علاء عبدالهادي في هذا المحور حسب التقسيمات المحفوظة من مثل الشعر العمودي وشعر التفعيلة وقصيدة النثر، كما لا يعتمد التقسيم السائد من الشعر الكلاسيكي والرومانسي والواقعي، كما لا يعتمد التقسيم التاريخي مثل: الجاهلي وصدر الإسلام والأموي إلى آخر العصور، وإنما الشعر عنده: الشعر المغلق الذي لا يُقرأ إلا مرة واحدة، مثل الفاكهة التي لا تُؤكل إلا مرة واحدة. شعر من لا يمتلكون الموهبة والبديهة والثقافة، وأطلق عليه (شعر الجهلاء) وهو شعر مرفوض شكلاً وموضوعًا. وأخيرا شعر الرموز والأقنعة والإسقاط، وهو الشعر الصحيح عنده لأنه الشعر الذي تتجدَّد نواتجه الدلالية عند كل قراءة.
أما الباحثة اليمنية د. سلام المحنش فقد توقفت عند الإبداع اللغوي عند الشاعر عبدالعزيز المقالح، وقالت: إن الشعرية عند عبدالعزيز المقالح سارت مشبعة بطاقة لغوية تتجلَّى بين سطورها، وتشفُّ عن ثراء لغوي وتنوُّع أسلوبي سواء أكان على مستوى الإفراد ودقة اختيار المفردة وتوظيفها في السياق، أم كان على مستوى التركيب ونسج شبكة من العلاقات والمعاني النحوية؛ الأمر الذي شكَّل بناءً فنيًّا لغويًّا محكمًا.
وأضافت: إن اللغة الشعرية للشاعر هي خلق وإبداع يصنعها من خلال بناء الكلمات، وإقامة علاقات جديدة بينهما؛ إذ تقدم الرؤية بقيم فنية لغوية تحقِّق الشعرية وتولد دلالتها واحتمالاتها المتعددة. وأوضحت أن مقاربة الشعرية من خلال اللغة هي مقاربة للمدخل الصحيح الذي يوصلنا إلى فهم أسرار البناء الجمالي، حيث إن العمل الأدبي صناعة فنية لغوية في المقام الأول، فهو نظام لغوي خاص داخل النظام اللغوي العام، يقول ما لا تقوله اللغة المألوفة أو القياسية، وفي الوقت نفسه يخفي أكثر مما يقول، إذ يتآلف مع المتلقي حينًا ويعانده أحيانًا كثيرة، يعينه على فهم غير المقصود، ويراوغه في فهم المقصود؛ وهو في كل ذلك يسعى به إلى الغموض والمجاهدة. 
وأشارت المحنش إلى أن اللغة الشعرية عند المقالح جمعت بين وضوح اللفظ وبساطة العبارة وبين إنتاج المعنى الشعري، وهذا لا يتحقَّق إلا مع شاعر لازم اللغة والثقافة حتى تشرَّبها؛ فحقَّق الإثارة الشعرية، وصنع بصمته الإبداعية. 
والدراسة تقدم عرضًا تطبيقيًّا لهذه الطاقة اللغوية الداخلية في شعرية المقالح حيث تتقصَّى الأبنية اللغوية في معانيها النحوية لكشف إمكاناتها الدلالية وتجدُّدها الإبداعي. فتتكوَّن من مقدمة توضِّح فاعلية اللغة في تجسيد الشعرية، ثم تأخذ مستويين، المستوى الأول: الجانب الصوتي، ويضم نقطتين رئيستين: الأولى المفارقة ودورها في إنتاج الشعرية، والثانية: الإيقاع ودوره في استنطاق المعنى الشعري، أما المستوى الثاني فيأخذ الجانب التركيبي وعلاقات المعاني النحوية، ويتحقَّق في نقطتين رئيستين: الأولى: العلاقات التركيبية وانعكاس المعنى النحوي من خلالها، والنقطة الثانية: علاقات الربط ودورها في إنتاج النص الشعري، وهي في كل هذا تحاول رسم خطوط وتعكس إضاءات أمام المتلقي تعينه على تذوق جماليات الشعرية.

وعن ديوان "لزوم ما يلزم" للشاعر الراحل نجيب سرور تحدث الباحث د. شوكت المصري تحت عنوان "جدل الغنائية والدرامية في النص الشعري الحديث -قراءة في ديوان "لزوم ما يلزم" لنجيب سرور" وقال إن الدرامية تعدُّ سمةً رئيسةً صاحبت القصيدة العربية منذ فجرها الأول (المتمثل في المطولات الشعرية التي شكَّلت ما يسمى بالعصر الجاهلي)، وحتى وقتنا الراهن (حيث الشعر الحديث وواقع قصيدة النثر المعاصرة)، برغم وَسْم الشعر العربي بـ"الغنائية" في مختلف عصوره التي تمتد إلى ما يقرب من ألفٍ وخمسمائة عام.
وأوضح أن الشاعر المصري نجيب سرور يعدُّ واحدًا من أبرز شعراء العربية المعاصرين الذين برزت لديهم الدرامية مكوِّنًا رئيسًا من مكوِّنات النص الشعري، وبخاصةٍ أنه تمامًا كمجايليه والسابقين عليه (صلاح عبدالصبور وعبدالرحمن الشرقاوي وأحمد شوقي) كان من الشعراء الذين قدموا منجزًا فريدًا في الكتابة المسرحية بجانب كتابته للقصيدة، مع وضع تفرده في التصعيد الدرامي وتوظيف الحدث في صدارة هذا المشهد، وإن لم يلتفت إلى هذا الدارسون مقارنةً بالتفاتهم لسواه من الشعراء الذين كتبوا في هذين النوعين على حدٍّ سواء. 
وتستهدف دراسة المصري تناول الوظيفة الدرامية للحدث داخل النص الشعري، والتي تتمثَّل في مجموعة أفعالٍ منها: الأفعال التمثيلية، والأفعال الإلزامية، والأفعال التوجيهية، والأفعال التعبيرية، وغيرها من الأفعال التي تعبِّرُ عنها اللغة داخل النص الشعري المعتمد على الدراما مكوِّنًا أساسيًّا له، وذلك بخلاف الوظائف الأخرى كالسردية والأيديولوجية والميتادرامية والإخبارية وغيرها من الوظائف التي قد تغيب إحداها مطلقًا (نقصد الميتادرامية تحديدًا) لاستحالة تحقُّقها داخل النص الشعري، وقد تحضر بعضها بمستويات حضورٍ مختلفة (كبقية الوظائف التي ذكرناها سالفًا).
مؤكدا على أن دراسته تتخذُ من ديوان "لزوم ما يلزم" نموذجًا تحليليًّا لتجريب أدواتها وإجراءاتها المنهجية عليه، علَّها تصلُ إلى مستهدفاتها النظرية، وتسهِمُ ولو بجملةٍ واحدة في قراءةِ شاعرٍ لم ينل حقَّهُ لسنواتٍ وسنوات، رغمَ ما قدَّمَهُ من منجزٍ أدبي فريد يستحقُّ التوقف أمامه طويلاً بالدرس والنقد والتحليل.