حاضنة ترامب تتسع للجميع

عقيدة ترامب مثل عقيدة إنجيلي يمسك بيده زمام قيادة الكون بتشريع سماوي مطلق.

هكذا يبدو العالم مع دونالد ترامب الآتي برؤيا سلام صاغها بكلمات وعد بجعلها واقعا في حياة بشرية أكلتها الحروب التي أعد العدة لإيقافها بإرادة أميركا الباعث لعظمتها من جديد حين يعتلي كرسي الرئاسة في البيت الأبيض عائدا بنصر تاريخي.

رجل غير عادي، زعيم لم تنجبه السياسة، ولم يعش مجبرا في معسكر يتقن فيه فنون القتال كما أسلافه. لم يذق طعم الخوف والحذر في ساحة حرب، أنتشى في عالم المال والاستثمار، ثري مرفه، يرى الاقتصاد جوهر البناء المنشود في ظل استقرار لا يستنزف القدرات.

يخشاه الساسة المخضرمون، بما لديه من رغبة في إحداث انقلاب لم تشهده أميركا من قبل، انقلاب كفيل بعزلهم، وطي صفحات نظرياتهم في إدارة الشأن السياسي والاقتصادي والأمني، فأخذ الحزب الديمقراطي على عاتقه وضع العراقيل في مساره للإلقاء به بعيدا عن السياسة ووأد مخططه الانقلابي، فتخطاها بصبر واقتدار غير معهود حتى يلغ مبتغاه في فتح أبواب البيت الأبيض أمامه من جديد بتأييد شعبي ليس له نظير.

لم يخشه الحزب الديمقراطي في أميركا فقط، تخشاه أوروبا كما تخشاه أسيا بدولها الكبرى اقتصادا وقوة عسكرية، وأخشى من يخشاه دول حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وأكثر من يخشاه من سارع إلى تهنئته قبل الإعلان عن النتائج الأولوية، الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون المدرك أن دونالد ترامب سيرسي دعائم نظام جديد في الأمن والسياسة والاقتصاد تتخطى ثوابت سيادة بلاده وسيادة دول الاتحاد الأوروبي، وتضع "الناتو" وسط مفترق بالغ التعقيد.

عقيدة ترامب مثل عقيدة إنجيلي يمسك بيده زمام قيادة الكون بتشريع سماوي مطلق، تعود إلى خزائنه جزء من ثروات الأرض مقابل حمايتها بما يملكه من قوة عظمى.

أوروبا ومعها "الناتو" لا يمتلكان القدرة على احتواء انقلاب دونالد ترامب ولا يمتلكان الرغبة في مجاراة متطلبات مراحل انقلابه الجذري، وهما يدركان سر القوة الأميركية.

ترامب يريد وضع الصين في قبضته، لا بقوة عسكرية لا تسمح قوانين المواجهة باستخدامها، طالما اعد وسائل أخرى لا تكلفه شيئا، وسائل حركة التجارة والمال عصب بكين الحساس، أما تايوان فهي الموضوع المؤجل في حسابته.

روسيا وحدها مطمئنة، طالما باب الحوار سيشرع مع واشنطن من جديد، بغية إنهاء عملياتها العسكرية في أوكرانيا بتأجيل طموحاتها في الانضمام إلى حلف "الناتو" والاتحاد الأوروبي أو مقايضة الأرض مقابل السلام..!

الحروب إذن لم تدرج في برنامج دونالد ترامب المعلن، والاكتفاء بتجسيد مبدأ السلام من خلال القوة، متعهدا بإنهاء الحرب في غزة وإنهاء الحرب في لبنان، لكن بأية قوة سينهي تلك الحربين؟

ترامب يرفض حمل أعباء حربي غزة ولبنان، وسيدخل البيت الأبيض بعد محو آثارهما في المدة الفاصلة بين فوزه واستلام مهامه رئيسا للولايات المتحدة، وستصل رسائله إلى كل الأطراف المجبرة على الالتزام بمضامين ما سيأتي فيها، وفي مقدمتها حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف وولاية الفقيه المتجهة نحو اعتماد سياسة تتلاءم مع التوجه الأميركي الجاد في القضاء على بؤر التوتر في الشرق الأوسط.

الإنقلاب الجذري الذي وعد دونالد ترامب بتنفيذه سيضحى قاعدة نظام أميركي سوف يلتزم به كل من يتعاقب على رئاسة البيت الأبيض ديمقراطيا كان أم جمهوريا، ويفرض شروط قوته على العالم أجمع.