حامد ندا عراب السريالية الشعبية المصرية

الفنان ينطلق ثابت الخطى ليجسد أعمالا تشكيلية بالغة الخصوصية والتميز مستخدما موتيفاتها ورموزها متعددة الأشكال والمعاني والمعالجات التشكيلية.
إستلهام من البيئة الشعبية وتصوير المضمون الإجتماعي والفكري الخرافي الذي ساد هذه الأوساط
الصياغات التصميمية عند حامد ندا للعنصر الآدمي تميزت بالتسطيح والبعد عن التجسيم
الفراغ في أعمال الفنان له دور أساسي في تأكيد عمق اللوحة، وترتيب الصياغات داخلها 

ما بين الميلاد والرحيل من عام 1924 وحتى 1990 حياة خاصة تعدو بالفنان من عالم الوعي واللاوعي لينطلق الفنان حامد ندا عازفا وبمهارة بالغة التفوق والتفرد على أوتار السيريالية الشعبية المصرية ليحدث نوعا من التميز المطلق لأعماله الفنية بأسلوب فريد للغاية.
الأسلوب الفني 
إنطلاقا من المدرسة الشعبية المصرية وضروبها العميقة الثرية نجد الفنان ينطلق ثابت الخطى ليجسد أعمالا تشكيلية بالغه الخصوصية والتميز مستخدما موتيفاتها ورموزها متعددة الأشكال والمعاني والمعالجات التشكيلية في البنية التصميمية حيث وظفها بأسلوب وطرق تعكس دلالات ومضامين تعبر بلغة خاصه جدا عن فكر الفنان، كما تجسد الطابع السيريالي متأثرا بالطابع الإبداعي، ومستخدما الطابع والتفكير الإبتكاري لإثراء المعالجات التصميمية المستخدمة في كل أعماله هذه التعديلات لأصل واحد يختلف نتيجة وضع وجهات نظر الفنان الشخصية إلى جانب تعديل الفنان لرؤيته الخاصة، بحيث يصل إلى مرحلة قد يبدو فيها مختلفا لكنه من نفس الأصل مع إجراء بعض التعديلات على شكل الأصل حيث إن جميع صياغات الفنان حامد ندا تعتمد وبشكل مباشر على خياله وإبداعه، وأيضا ثقافته الفنية المستمدة من تراثه الفني الشعبي والتى تمثل أهم عناصر بنائية، أعماله الفنية التشكيلية ذات الطابع السريالي. 
نلاحظ أن الصياغات والمفردات الخاصة بالفنان تمثل أهم عناصر بنائية أعماله التشكيلية حيث أنها أعمال تتسم بالإزدهار والنماء حيث يتوفر عامل التفاعل الحيوى بين الفنان ومفرداته وصياغاته وتقنياته وأسلوبه الفني مما يسهم فى تفعيل البنائية الصحيحة أو السليمة التى تسهم في إثراء وإزدهار أفكار أعماله الفنية والخلاقة، باستخدام صياغات ومفردات مبتكرة نابعة من الحس الشعبي، ومعالجا ذالك باستخدام الأسلوب السيريالي مما نتج عنه أعمال فنية تعد وبمنتهى الصدق إنعكاسا للبيئة المصرية الشعبية ومردودا للحضارة المصرية المتوارثة، مؤكدا على حيوية موضوعاته وإلتصاقها بالنفس البشرية والتى تعكس المكان والزمان وعبقرية الفنان التي تظهر فى أعماله.

كما وظف الفنان الرمز ببراعة داخل أعماله الفنية ليشكل لغه بصرية إبتدعها من خياله وإحساسه حيث قام بإختراق عالم الخيال ببراعة ومبتعدا عن الواقع في تصوير مفردات أعماله متجها وبسرعه فائقة نحو عالم الأسطورة حيث بنى مشاهد وأحداثا على مسطح لوحاته تتسم بالأفعال الغريبة وغير الواقعية، كما أنها كانت مغايرة للواقع المرئي وتجنح وبشدة نحو الخيال واللاواقعية، لذالك أطلق على الفنان عرَّاب السيريالية المصرية الشعبية، وذالك نظرا لجنوحه نحو تحقيق الخيال وتفعيله فى إبداع صياغاته ورموزه وموضاعات لوحاته مما ساهم فى ظهور رؤية بصرية على مسطح لوحاته تتسم بأنها محملة لما بداخله من أحلام وانفعالات وأفكار أسطورية. 
الفنان يستطيع وبشدة أن يوقع المتذوق لأعماله بل ويجبره في الغوص داخل عالم التصورات الخيالية فهو يجنح نحو الخيال البصري والتأملات الفلسفية في أمور الكون والحياة التي يعبر بها الفنان بإستخدام وسائط ومفردات تثير الفكر السيريالي الممزوج بالفن الشعبي والأسطورة ليجسد أحداثا لها صور خاصة للغاية ولغه وأسلوب يضع الفنان حامد ندا على قمة رواد الفن الحديث باعتبارة عرَّاب السرياليه المصرية الشعبية.
اتخذ الفنان الطابع الخيالي مستخدما اللاشعور والخيال والرموز بتنوع أعماله ليجسد الثقافة الشعبية المصرية محاولا أن يضفي على تجربته الفنية طابعا فكريا ومعاني فلسفيه بالغة الخصوصية حيث يؤكد الفنان من خلال أعماله على أن الفن إستجابة مباشرة للعوامل الفكرية والإجتماعية والتاريخية لأي مجتمع مستخدما الصياغات التشكيلية في أوضاع وبنائية بالغة الخصوصية في مجال التعبير منطلقا بفكر وفن أكثر صدقا وفنا، حيث إن أشكاله الرمزية والخيالية ترتبط بالأعماق والوجدان ويكون لها إمتداد عميق في أيدولوجية المتذوق لأعماله الفنية، كما صور أيضا الفنان لوحاته التشكيلية ومفرداتها وصياغاتها وتقنياتها موظفا الفن الشعبي وبعض الظواهر المختلفة والشخصيات والبناء التشكيلي لأعماله ولوحاته صبغهم بأسلوب وصفات ميزتهم وأضفت عليهم قدرات خارقة غير طبيعية حيث أظهرتهم بصورة مغايرة للواقع المرئي بشكل مبالغ فيه يتسم بالخوارق ويتجاوز الواقع المعقول والمنطقي فهو يستحضر دلالات غير مباشرة للعمل الفني ويحاول جاهدا أن يستشف أبعاد أعمق في دلالات وصياغات رمزية لها مسحه أسطورية، كل ذلك ساهم في ظهور سلسلة من الصياغات والرموز المعبرة عن التكوين الفني الطبيعي للعناصر البشرية والحيوانية والنباتية وغيرها طبقا للرؤية الخاصة بالفنان، حيث تميزت المعالجات التشكيلية للصياغات والرموز بقوه الخطوط وتنوع حركاتها حيث ابتعد الفنان عن النقل الحرفي للعناصر مما أعطى ميزة تجريدية إستغلها الفنان حيث كان صاحب أسلوب وفلسفة خاصة اتسم بها في الحركة التشكيلية المعاصرة.
المراحل الفنية في حياة الفنان
يطالعنا الفنان حامد ندا بمراحل من الإبداع وتمثل المرحلة الأولى والثانية في صياغتة الفنية الجزء الأكبر لإستلهامه من البيئة الشعبية وتصوير المضمون الإجتماعي والفكري الخرافي الذي ساد هذه الأوساط، وتميزت الصياغات التصميمية عند حامد ندا للعنصر الآدمي بالتسطيح والبعد عن التجسيم، والتلخيص الشديد من خلال فلسفة جمالية خاصة، والفراغ في أعمال الفنان له دور أساسي في تأكيد عمق اللوحة، وترتيب الصياغات داخلها من خلال معالجات تشكيلية كالمبالغة والإستطالة والضغط لعناصرة، حيث جسد الإنسان في الحيز الفراغي كوسيلة للوصول لإمكانيات تحويره في تصميم يحتوي المساحة في اللوحة وكذلك لا يفقد جوهره واستعان الفنان بالعناصر والأشكال الهندسية مثل (المثلث، المربع، المنحيات، الدوائر) على أرضيات اللوحة، وبذلك إتجه في صياغاته إلى المبالغة في التعبير عن العنصر الآدمي مع التركيز على الإستطالة في بعض الأجزاء عن الأخرى كما دمج الفنان العناصر الزخرفية في صياغة أعماله، فأصبحت الصياغات محتويه على تلك الرموز وتحولت صياغاته التصميمية إلى التعبير عن مضامين رمزية يمتزج فيها الحلم بالأسطورة في تعبيرية وشجن تشكيلي، كما استعان الفنان في معالجة خلفيات أعماله ببعض العناصر الزخرفية الشعبية وكتابات وحروف تشكل بعداً أساسياً في بناء أعماله. 
ظهرت في أعمال حامد ندا صياغات تصميمية سريالية للعنصر الآدمي وتمثله في رأس أو أطراف حيوان أو جسمه وهي صياغات أقرب من الحلم منها إلى الواقع، واستعان الفنان هنا بأسلوب التحطيم أو التحوير ليقدم صياغاته للعناصر الخرافية. 
تميز حامد ندا بالحس الميتافيزيقي التشاؤمي، مما جعل صياغاته للعنصر الآدمي كما لو كانت في علاقة مباشرة مع القدر وليس مع ظروف الحياة التي يمكن فهمها وتغييرها، ولعل هذا ما جعل عالمه يبدو مغلقاً، وجعل أشخاصه يخفون وجوهم بأيدهم ويديرون ظهورهم للحياة. وقد أكد الفنان هذا المعني فضلاً عن المسحة الأسطورية في صياغته للعنصر الآدمي وحركاتهم العنيفة باستخدامه لعناصر من السحر الشعبي كالرموز والأحجبة والرسوم الجدارية البدائية والوشم ولمبة  الجاز التي تلقي بالظلال أكثر مما تلقي بالضوء وكراسي القش الغليظة وزير الماء الخالي في خلفيات لوحاته، بالإضافة إلى الإستعانة بعناصر أخرى حية ذات دلالات سحرية في المورث الشعبي مثل (القط والسحلية والبرص والديك).

فلسفة الرمز    
يعتبر الرمز الداعم الأول لأعمال الفنان واللبنة الأولى في نشأة الصياغات التي يقدمها الفنان من خلال لوحاته حيث يتسم الرمز بالتحقق الكامل على مسطح أعمال الفنان بجانب إحتوائه على الفكر الحسي بجانب الإهتمام بالمعتقد والجنس والأسطورة في المكان والزمان ضمن أعمال الفنان حيث يعد صاحب قدرة بالغة الخصوصية على بناء وتشيد رموزه وصياغاته وصهرها في قالب إبداعي تشكيلي مميز يتسم بالجمال المطلق ورموز لا تأتي من فراغ أبدا ولكنها مسببة ومتأثرة بالأبعاد التاريخية والحضارية والإجتماعية وبالتالي يحقق الفنان المعادلة الصعبة شديدة الخصوصية من حيث تنوع الأشكال الفنية إلى جانب تجانس الرمز تجانسا بديعا مع الأبعاد سابقة الذكر.
برع ندا وبإقتدار في بناء رموزه وتصويرها في قالبها الجمالى وأيضا تصويرها في تعديدات وأشكال مختلفة حيث إستطاع تحويل قلقه وهواجسة الداخلية الناشئة في ذهنة إلى رموز وصياغات فريدة وأشكال فنية جديدة ومفاهيم مستحدثة عن الواقع والإتجاة المغلف بالفن الشعبي والإنطلاق به نحو التعبير عن الغامض الذي يسكن النفس البشرية الذي لا تعنيه نفس الفنان ولا تعنيه رغبتة الصادقة المفعمة بذاتها والتي تنطلق بأسلوب سريالي شعبي دون تغير أو اهتمام بضروريات العالم الخارجي حيث تفاعل الفنان مع الفنون الشعبية وسار في ضروبها معيدا تشكيلها وفق رؤيته ومعتقداته وتطويره لها مرة وإعادة تشكيل القيم التي تحملها مرة أخرى وفق الثقافة المعاصرة، وهو ما يثير بدوره العديد من الآراء تجاه أعمال ندا وفكرة التنويري التطويري منذ توجهه بقوة ليعبر بصياغاته ورموزه عن تقاليد وعقائد وأفكار ومعتقدات وموروثات شعبية من وجهة نظرة الخالصة بالغة الخصوصية التي تحمل فلسفتة وآراءه وليست هناك أي إلتزامات يلتزم بها الفنان سوى طموحه الفني وغايته الإبداعية التي ينبغى تحقيقها من خلال بنائياته التشكيلية التي تحمل وجهات نظره الخالصة والتي تعبر عن فلسفتة النابعة من صميم شخصيته وقناعاته.
سار الفنان في درب التشكيل الفني وبناء أعماله مستمدا من التراث الشعبي روحه وجماله مؤكدا على جماليات أعماله الفنية من خلال عناصرة ورموزة وصياغاته ليفعل عنصر الخيال ويدعم الفكر الشمولي للعمل حيث تجد نفسك حينما تطالع أعماله قد أثير بداخلك الإعجاب والمتعة النفسية بجانب الغموض والشجن أيضا نظرا لأن الفنان حامد ندا حاول جاهدا الوفاء بالأغراض الوظيفية والجمالية للعمل التشكيلي إلى جانب تدفق الشعور بالإيقاع العام في بناء أشكاله ورموزة الفنية فضلا على إصراره للتأكيد على الكتلة والتنوع في رموزه مؤكدا على القيمة الجمالية وكذالك تحقق أعماله وبشدة لعنصر الوحدة والتنوع وسيطرة الفنان المباشر على وسائط التنفيذ والخامات المستخدمة في بناء أعماله وكذالك اللون وتمكنه منه وبإقتدار لنعيش جميعا في درب ندا السيريالي.
أكد الفنان على رموزه وعناصره المصاغة على مسطح لوحاته سواء كانت أشكالا أو رموزا تمثل مظاهر كونية أو الحياة الطبيعية لمجتمعات ومعطيات لها ماض بالغ الخصوصية متصل بشكل كبير بحياة الفنان وتقاليدة ليؤكد ندا من خلالها على أسلوبه السيريالي الشعبي الذي يظهر من خلالة البساطة والبعد عن التعقيد بجانب التحطيم والتخلي عن النسب إلى جانب تنوع الصياغة بجانب التسطيح أحيانا والتجريب والإستطالة أحيانا أخرى، وكلها سمات قولبت أعماله ووضع لها سمات بالغة الخصوصية أضفت عليها الأسلوب المبسط والتلقائي، ويمكن دمج هذه العناصر جميعا في عملية الإستلهام الخاصة بالفنان من خلال زمن متغير وتقافة متغيرة عاشها ندا طيلة حياته وجنوحه الملحوظ نحو المورث الشعبي لينتج لنا الشكل النهائي لموضوع عمله الفني حيث يظهر محتوى الإبداع التشكيلي.
وبمطالعة أعماله نجد أنه نجح في تحقيق الشمولية في تذوق التراث وإستيعابه بشكل كامل وهضمه مع سائر مكتسبات المدخلات الأخرى ليعيد تنظيمها وتركيبها ودمجها على نحو مغاير جديد بما يتفق وخصوصية العمل الذي يبدعه وهذا ما نلاحظه في أعماله، مثل: راقصة على نغمات البيانوا، الحب، كيد النساء، البجعة، الرقص بجوار الشاطئ، السقا، حديث، الليل والنهار، من الجمالية، من الأحياء الشعبية، مسيرة التعمير، في الليل لما خلي، حارس البحر، امرأة وقط، المنتصر، القاهرة، الديك والقمر، البلاج، أسطورة شعبية، رقصة شعبية، الأمومة، العبور، الحصان الجامح، السفاح، المغني والبيانولا، الممسوس، خيول برية وغيرها من أعمال ندا المميزة.